الشهيدان الصدران واستشراف المستقبل

| |عدد القراءات : 724
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الشهيدان الصدران واستشراف المستقبل([1])

 

مما يتميز به القائد عن غيره استشراف المستقبل ومعرفة متطلباته فيستعد له وينجز الأعمال المناسبة له إضافة إلى ما يقتضيه الواقع الحاضر، ولأن هذا المستقبل مجهول عند غيره فإن من حوله سيعترض ويشكك ويتمرد وكان عليه الإذعان والطاعة لقائده مادام قد وثق به واعتقد بجدارته.

خذ لذلك مثلاً الإمام الحسين(عليه السلام) فإنه كُشف له وعَلِم النتائج الباهرة التي ستتحقق بناءاً على حركته المباركة المضمّخة بالدماء الزكية فأقدم (عليه السلام) مسروراً على الشهادة، ولم يكتف بذلك بل كشف عن بصائر أصحابه بعد أن امتحن إخلاصهم وثباتهم فأراهم منازلهم في الجنة التي تعني على بعض الوجوه الآثار المباركة المترتبة على نصرتهم وثباتهم وتضحيتهم يوم عاشوراء والمستمرة إلى يوم القيامة وهي حسنات تضاف إلى رصيدهم والجنة هي تلك الأعمال الصالحة التي يوفق إليها المؤمن.

ولأن هذه الصورة غير  واضحة لغير الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه فقد اعترض عليه كثيرون ومنهم بعض أولاد عمومته ورأوا أن حركته لا جدوى منها إذ ليس من المعقول أن يغيّر نظاماً طاغوتياً تمتد سلطته على بلاد مترامية الأطراف بعشرات من الأصحاب ومثلهم من النساء والأطفال، واعتراضهم هذا ناشئ من اقتصار نظرهم على واقعهم الحاضر من دون استشراف المستقبل ومتطلباته.

وإذا أردنا أن نتقدم خطوة إلى الإمام في هذا التفكير فنقول أن القائد هو الذي يصنع المستقبل ويحدّد مسار الأحداث ومآل الأمور بلطف الله تبارك وتعالى من خلال المشروع والبرنامج الذي يسير عليه،  وهنا أتذكر أن السيد الشهيد الصدر الثاني (قده) سألني في اليومين الأولين من الانتفاضة الشعبانية  عام 1991 عن موقف المرجعية المعروفة يومئذٍ من الأحداث فقلت يسوده الترقب وانتظار ما ستؤول إليه الأحداث، قال (قدس سره): حبيبي ومن الذي يصنع الأحداث؟!

من هذه المقدمة أريد أن أركّز على نقطة وردت في الخطاب الذي وجّهته إلى صلوات الجمعة الموحدة في أنحاء العراق أمس في ذكرى استشهاد السيد الصدر (قده) وفحواها أن الشهيدين الصدرين (قدس الله روحيهما) أدركا ببصيرتهما  الثاقبة أن هذا العصر وما يليه هو كزمان الإمام الصادق (عليه السلام) من حيث تشكّل المذاهب والمدارس والأيديولوجيات التي ستتصارع لاجتذاب البشرية وإقناعها بها والتأثير عليها وتوجيهها، والإسلام المحمدي الأصيل الذي نقله لنا أهل البيت (سلام الله عليهم) في وسط هذا التحدي بل هو المستهدف الأول، ولم يعُد كافياً أن نحيلهم إلى الرسالة العملية إذا سألونا  عن مختلف قضايا الاقتصاد والاجتماع والسياسة والحكم والعلاقات الإنسانية والأخلاق وغيرها وسينفضّ الناس عن هذا الدين الحق إذا شعروا بالعجز عن إجابة الأسئلة وحل الإشكالات، فشعرا بالحاجة إلى بيان المعالم  التفصيلية لهذا الدين ومواقفه من كل شؤون الحياة حيث عنون الشهيد الصدر الأول (قده) عنوان أحد كتبه (الإسلام يقود الحياة).

كما أن مذهب التشيع لأمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت(سلام الله عليهم) كان معروفاً منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت علامته الولاء لعلي وأهل بيت النبي(صلوات الله عليهم أجمعين) والأخذ عنهم لكن هذا البيان والطرح لم يكن كافياً في عهد الإمام الصادق(عليه السلام) حيث بدأت الحضارات والأيديولوجيات تتلاقح وتتصارع فتصدى الإمام (عليه السلام) إلى بيان حكم كل حالة والموقف من كل قضية وعلى رأسها التوحيد والإمامة والأخلاق والعلاقات الاجتماعية وأحكام الحلال والحرام فكانت عصا موسى التي تلقف ما يأفكون.

وهكذا رأى الشهيدان الصدران (قدس الله روحيهما) أن المدارس تتصارع وقد ألقى أتباع كل مدرسة عصاهم التي يخيّل إليهم من سحرهم أنها تسعى ليسحروا الناس ويجتذبوهم فلابد لقادة الإسلام أن يلقوا بعصاهم التي تلقف ذلك السحر وتفضحه وتبين معالم الحق وأهله.

وهذا الاستشراف هو الذي دفع السيد الشهيد الصر الثاني (قده) إلى أن يبيّن مجموعة من الحقائق ويضع خصائص منهج الحوزة الناطقة مما جهله الآخرون فنصبوا له العداوة والبغضاء وافتروا عليه وخذلوه.

وهو (قده) حينما قال: ( لقد حرّرتكم من مخططات ألف عام ) لا يريد بذلك الإساءة إلى السلف الصالح الذين بذلوا جهوداً جبارة في حفظ علوم أهل البيت (سلام الله عليهم) بمقدار ما سمحت به الظروف، ولكنه (قده) أراد أنه وضع للأمة منهجاً جديداً مواكباً لتحديات العصر فيه إضافة للمنهج السابق الذي لا يغني الاقتصار عليه لتحقيق هذه المواكبة فلا يرجعوا إليه.

 

 



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من المواكب والوفود القادمة لزيارته وتعزيته يوم السبت 4/ذ.ق/ 1430 المصادف 24/10/2009.