سبل السلام (رسالة عملية تبيّن المهم من أحكام الشريعة) - 42
المقصد الثالث
أصناف المستحقين وأوصافهم
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أصنافهم
وهم ثمانية:
الأول: الفقير.
الثاني: المسكين.
وكلاهما من لا يجد مؤنة سنته اللائقة بحاله له ولعياله والمراد بالعيال من يعولهم عادة ولا يقتصر على زوجته وأولاده فيشمل ضيوفه أيضاً. وقيل في الفرق أن الثاني أسوأ حالا من الأول لظهور الذلة والمسكنة عليه بسبب الفقر، وعلى أي حال فالتفريق بينهما هنا غير مُجدٍ، والغني بخلافهما، فإنه من يجد([1]) قوت سنته فعلا نقدا أو جنسا. ويتحقق ذلك بأن يكون له مال يكفي ربحه بمؤنته ومؤنة عياله، أو قوة اكتساب أو يكون له حرفة أو صنعة إذا اشتغل بها كفى مؤنته ومؤنة عياله واستغنى بها، وإذا كان قادرا على الاكتساب وتحصيل المؤنة ولكنه تركه تكاسلا فلا يكون فقيرا ولا يجوز له أخذ الزكاة. نعم، إذا لم يوجد له شغل وعمل يقوم به جاز له أخذ الزكاة مادام كذلك.
(مسألة 62): إذا كان له رأس مال لا يكفي ربحه لمؤنة السنة، جاز له أخذ الزكاة لإكمال مؤنته، وكذا إذا كان صاحب صنعة تقوم آلاتها بمؤنته، أو صاحب ضيعة أو دار أو خان أو نحوهما تقوم قيمتها بمؤنته، ولكن لا يكفيه الحاصل منها فإن له إبقاءها وإكمال المؤنة من الزكاة.
(مسألة 63): دار السكنى والخادم والسيارة الشخصية المحتاج إليها بحسب حاله ولو لكونه من أهل الشرف لا تمنع من أخذ الزكاة، وكذا ما يحتاج إليه من الثياب، والألبسة الصيفية، والشتوية الحضرية والسفرية ولو كانت للتجمل، شريطة أن تكون لائقة بحاله، وكذلك الكتب العلمية وأثاث البيت من الظروف والفرش والأواني، وسائر ما يحتاج إليه، والضابط في استثناء هذه الأشياء كما و كيفا وعدم منعها عن أخذ الزكاة: أن لا تكون أزيد مما تتطلب مكانة الشخص اجتماعيا وعائليا وعزا وشرفا، وهي تختلف من فرد إلى آخر، وإلا لم يجز أخذ الزكاة إذا كان الزائد وافيا بالمؤنة بالكامل، كما إذا كان عنده من المذكورات أكثر من مقدار الحاجة وكانت كافية في مؤنته، لم يجز له الأخذ منها، بل إذا كان له دار تندفع حاجته شانا بأقل منها قيمة، وكان التفاوت بينهما يكفيه لمؤنته لم يجز له الأخذ من الزكاة، وكذا الحكم في السيارة وغيرها من أعيان المؤنة إذا كانت أكثر مما تتطلب مكانته وشأنه وكان بإمكانه التبديل بالأقل الذي لا يطلب شأنه أكثر من ذلك.
(مسألة 64): إذا كان قادرا على التكسب، لكنه ينافي شانه الاجتماعي، جاز له الأخذ، وكذا إذا كان قادرا على الصنعة، لكنه كان فاقدا لآلاتها، فهو بالنتيجة عاجز عن الاشتغال بها.
(مسألة 65): إذا كان قادرا على تعلم صنعة أو حرفة يكفي الاشتغال بها لمؤنته وجب عليه ذلك; لأنه يقدر أن يكف نفسه عن الصدقة بتعلم الصنعة أو المهنة فإذاً هو غني. نعم، مادام مشتغلا بالتعلم لا مانع من أخذ الزكاة إذا لم يكن عنده ما يكفي لمؤنته.
(مسألة66 ): طالب العلم الديني الذي لا يملك فعلا ما يكفيه، يجوز له أخذ الزكاة إذا كان طلب العلم واجبا عليه عينا، وإلا فإن كان قادرا على الإكتساب، وكان يليق بشأنه لم يجز له أخذ الزكاة، وأما إن لم يكن قادرا على الإكتساب لفقد رأس المال، أو غيره من المعدات للكسب، أو كان لا يليق بشأنه ـ كما هو الغالب في هذا الزمان ـ جاز له الأخذ، هذا بالنسبة إلى سهم الفقراء، وأما من سهم سبيل الله تعالى فيجوز له الأخذ منه إذا كان يترتب على اشتغاله مصلحة محبوبة لله تعالى وإن لم يكن المشتغل ناويا للقربة. نعم، إذا كان ناويا للحرام كالرياسة المحرمة لم يجز له الأخذ.
(مسألة67 ): المدعي للفقر إن علم صدقه أو كذبه عومل به وان جهل ذلك لم يجز إعطاؤه إلا إذا حصل الوثوق بفقره أو كانت حالته السابقة هي الفقر.
(مسألة 68): يجوز احتساب الزكاة على الفقير الميت إذا كان له دين عليه مقاصّة مع دينه بشرط أن لا يكون له تركه تفي بدينه وإلا لم يجز، إلا إذا تلفت التركة على نحو لا يكون التالف مضمونا، وإذا امتنع الورثة من الوفاء ففي جواز الاحتساب إشكال وإن كان الجواز أظهر، وكذا إذا غصب التركة غاصب لا يمكن أخذها منه، أو أتلفها متلف لا يمكن استيفاء بدلها منه.
(مسألة69 ): إذا كان له دين على الفقير الحي جاز احتسابه من الزكاة بمقاصّته مقدارها من الدين إذا كان عند الفقير ما يفي بالدين ولو ببيع دار أو أثاث أو له عمل يُرجى منه استيفاء دينه، أما إذا كان الفقير مما لا يُرجى منه شيء من ذلك فلا يجوز احتساب الدين من الزكاة مقاصّة وإنما يسلّم الفقير الزكاة وهو بالخيار إن شاء سدَّد الدين أو صرفها على احتياجاته.
(مسألة70 ): لا يجب إعلام الفقير بأن المدفوع إليه زكاة، بل يجوز الإعطاء على نحو يتخيل الفقير أنه هدية، ويجوز صرفها بعينها في مصلحة الفقير كما إذا قدّم إليه تمر الصدقة فأكله.
(مسألة71 ): إذا دفع المالك مقدارا من النصاب بعنوان الزكاة لشخص، باعتقاده أنه فقير ثم بان أنه غني، وجب عليه استرجاعه منه وصرفه في مصرفها إذا كانت العين الزكوية باقية عنده، وإن كانت تالفة، فإن كان الدفع إليه بعد الفحص والاجتهاد والتأكد أو كان بأمر المجتهد أو المأذون من قبله فلا ضمان عليه، على أساس أنه لا موجب له، فإن الموجب هو التفريط والتقصير فيه، فإذا لم يكن فلا مبرر له، وبكلمة أخرى :أنه إذا دفع الزكاة إلى غير موردها واقعا من دون أن يقوم بعملية الفحص وتحصيل الحجة فهو ضامن إذا تلفت لصدق التفريط والتقصير فيه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدفع إلى غير العارف أو إلى العارف غير المستحق، وأما إذا دفعها إليه بعد عملية الفحص وتحصيل الحجة ثم انكشف الخلاف فلا ضمان عليه إذا تلفت، كما أنه لاضمان إذا دفعها إلى المجتهد الجامع للشرائط أو المأذون من قبله وتلفت عنده قبل إيصالها إلى أصحابها، ثم إنه يجوز للدافع أن يرجع إلى القابض إذا كان القابض يعلم بأن ما قبضه زكاة وهي محرمة على الغني، وكذلك إذا كان شاكا في حرمتها عليه ويطالبه ببدلها من المثل أو القيمة في كلا الفرضين، وأما إذا كان جاهلا بها مركبا أو تخيل أن ما دفعه إليه هدية وليس بزكاة فلا يحق للدافع أن يرجع إليه؛ لأن الدافع حينئذٍ إن كان مقصرا في ذلك ـ بأن دفع الزكاة من دون فحص وتحقيق ـ فالضمان عليه، وعندئذٍ لو دفع القابض الزكاة فله أن يرجع إلى الدافع ويطالبه بالعوض عنها تطبيقا لقاعدة رجوع المغرور إلى الغار، وإن لم يكن الدافع مقصرا فيه فلا ضمان لا على القابض ولا على الدافع، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدافع هو المالك أو غيره، وكذلك الحكم إذا تبين كون المدفوع إليه ليس مصرفا للزكاة من غير جهة الغنى، مثل أن يكون ممن تجب نفقته، أو هاشميا إذا كان الدافع غير هاشمي أو غير ذلك.
الثالث: العاملون عليها: وهم الموظفون المنصوبون لأخذ الزكاة وضبطها وحسابها وإيصالها إلى الإمام (عليه السلام) أو نائبه العام أو إلى مستحقها. وعملهم يشبه عمل مخمنّي وجباة الضرائب اليوم.
الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم المسلمون الذين يضعف اعتقادهم بالمعارف الدينية، فيعطون من الزكاة ليحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم، أو الكفار الذين يوجب إعطاؤهم الزكاة ميلهم إلى الإسلام، أو معاونة المسلمين في الدفاع أو الجهاد مع الكفار.
الخامس: الرقاب: وهم العبيد المكاتبون العاجزون عن أداء الكتابة مطلقة أو مشروطة، فيعطون من الزكاة ليؤدوا ما عليهم من المال، والعبيد الذين هم تحت الشدة، فيشترون ويعتقون، بل مطلق عتق العبد إذا لم يوجد المستحق للزكاة، بل مطلقا على الأظهر.
السادس: الغارمون: وهم الذين في ذمتهم ديون للناس وكانوا عاجزين عن أدائها في وقتها، سواء كانوا متمكنين من قوت سنتهم بالفعل أو بالقوة أم لم يكونوا متمكنين من ذلك، هذا شريطة أن لا تكون تلك الديون مصروفة في المعصية.
وعلى ذلك فلو كان على الغارم دين لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة للمدين، فيكون له ثم يأخذه مقاصة وفاءً عما عليه من الدين وإن لم يقبضها المديون وهو الغارم، ولا يوكله في قبضها ولا يجب إعلام الغارم بذلك.
وأما إذا كان الدين لشخص آخر فيجوز لمن عليه الزكاة أن يؤدي دينه من الزكاة عنده ابتداءً إن كان المدين ميتا، وأما إذا كان حيا فلا يجوز إلا بإذن الحاكم الشرعي ولو من دون إطلاع الغارم، وأما كفاية ذلك من دون الإذن منه منوطة بتوفر أحد أمرين:
الأول: أن تكون لمن عليه الزكاة ولاية على المدين، ويقبض من الزكاة ولاية عنه ثم يفي بها دينه.
الثاني: أن تكون للدائن ولاية على المدين ويقبض الزكاة من قبله ولاية ثم يستملكه وفاءً للدين، ولكن كلا الأمرين غير ثابت، فإذاً الكفاية منوطة بالإذن من الحاكم الشرعي، ولو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له الإعطاء منها لوفاء دينه، وإن لم يجز إعطاؤه لنفقته أو يفي دينه عنه ابتداءً بإذن الحاكم الشرعي.
السابع: سبيل الله تعالى: وهو جميع سبل الخير كبناء الطرق والجسور، والمدارس والمساجد، وإصلاح ذات البين، ورفع الفساد، ونحوها من الجهات العامة، بل الأظهر شموله لكل عمل قربي، سواء كان من الجهات العامة أم الخاصة كإرسال شخص إلى الحج إذا لم يتمكن منه بغير الزكاة، أو بناء دار لعالم وهكذا.
الثامن: ابن السبيل: الذي نفذت نفقته، بحيث لا يقدر على الذهاب إلى بلده، فيدفع له ما يكفيه لذلك، بشرط أن لا يتمكن من الاستدانة، أو بيع ماله الذي هو في بلده، وإلا فهو متمكن من مواصلة سفره.
(مسألة72 ): من سافر سفر معصية وبعد الانتهاء منه أراد أن يرجع إلى بلدته، فإذا نفدت نفقته في هذه الحالة ولا يتمكن من الرجوع فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة إلا إذا تاب وندم فلا يبعد جواز إعطائه بمقدار الكفاية اللائقة بحاله.
(مسألة73 ): إذا اعتقد وجوب الزكاة فأعطاها، ثم بان العدم جاز له استرجاعها، وان كانت تالفة استرجع البدل إذا كان الفقير عالما بالحال، وإلا لم يجز الاسترجاع.
(مسألة74 ): إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معينا انعقد نذره، فإن سها فأعطاها فقيرا آخر أجزأ، ولا يجوز استردادها، وإن كانت العين باقية، وإذا أعطاها غيره ـ متعمدا ـ فالظاهر الإجراء أيضا، ولكن كان آثما بمخالفة نذره، ووجبت عليه الكفارة.
المبحث الثاني
أوصاف المستحقين
وهي أمور :
الأول: الإيمان: فلا يعطى الكافر ولا المخالف من سهم الفقراء ولا غيره على الأحوط. إلا سهم المؤلفة قلوبهم وسهم سبيل الله إن كانوا مندرجين فيه.
(مسألة75 ): تعطى الزكاة لأطفال المؤمنين ومجانينهم، ويقبضها وليهم، والمهم قبضه عنهم لا قبوله اللفظي، وان كان أحوط استحبابا.
(مسألة76 ): إذا أعطى المخالف زكاته أهل نحلته، ثم استبصر أعادها، وان كان قد أعطاها المؤمن أجزأ.
الثاني: أن لا يكون من أهل المعاصي، بحيث يصرف الزكاة في المعاصي، أو يكون الدفع إليه إعانة على الإثم، أو يكون حرمانه منها ردعا له. والأحوط عدم إعطاء الزكاة لتارك الصلاة أو شارب الخمر، أو المتجاهر بالفسق، أو المعتاد على السرقة أو الزنا أو المتساهل في دينه.
الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المعطي.
كالأبوين والأجداد وان علوا، والأولاد وإن سفلوا من الذكور والإناث والزوجة الدائمة، إذا لم تسقط نفقتها، والمنقطعة إذا اشترطت النفقة. غير أن الأبوين والأولاد لا تجب نفقتهم دائماً، بل إذا كان المنفق متمكنا وهم معدمون، أما إذا كان كلاهما معدما لم تجب النفقة، وكذا لو كانا ميسورين حتى الأطفال إذا كانوا يملكون ما يكفيهم جاز الصرف عليهم من أموالهم. ولو كان دافع الزكاة فقيراً والمدفوع إليه ميسورا لم تجب النفقة، فجاز له الدفع من هذه الناحية. نعم، الزوجة تستحق النفقة وان كانت ميسورة، ونفقتها دين في ذمة زوجها، وأما نفقة الآخرين فهو حكم تكليفي خاص وعلى أي حال، لا يجوز إعطاء الزكاة لمن تجب نفقته.
(مسألة77 ):يجوز إعطاء هؤلاء من الزكاة لحاجة لا تجب على المنفق، كما إذا كان للوالد أو الولد زوجة. أو كان عليه دين يجب قضاؤه، أو كان عليه عمل يجب أداؤه بإجارة وكان موقوفا على المال. وأما إعطاؤهم للتوسعة زائداً على النفقة الواجبة ـ فهو جائز ما دام مناسبا لشانه الاجتماعي ـ اعني القابض.
(مسألة78 ):يجوز لمن وجبت نفقته على غيره. أن يأخذ الزكاة ممن تجب عليه، إذا لم يكن المنفق قادراً على الإنفاق، أو لم يكن باذلا، أو لم يكن موسعاً أو كان باذلا مع منة غير قابلة للتحمل عادة. وأما إذا كان المنفق قد جعل الآخر بمنزلة الغني الشرعي فالأحوط منعه من الزكاة، ولا توجد قاعدة مطردّة تقتضي اعتبار كل من تجب نفقته على غني غنيا، واعتبار كل من تجب نفقته على فقير فقيرا. وإن كانت غالية، إلا أن المعيار هو حال الشخص الذي يراد دفع الزكاة إليه.
(مسألة79 ): ما ذكرناه آنفاً مختص بسهم الفقراء والمساكين، أما بالنسبة إلى سائر السهام فإن كان مورداً لها فيجوز صرفها فيه كسهم سبيل الله أو ابن السبيل بالمعنى الذي شرحناه.
(مسألة80 ): الأقوى سقوط وجوب النفقة في غير الزوجة، مع توفر الزكاة. وأما الزوجة فلا تسقط نفقتها، ولا يجوز للزوجة أن تأخذ من الزكاة مع بذل زوجها للنفقة. بل مع إمكان اجباره إذا كان ممتنعاً، والمعيار ما تقدم.
(مسألة81 ): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها، إذا لم تشترط نفقتها، سواء كان الدافع الزوج أم غيره. وكذا الدائمة إذا سقطت نفقتها بالشرط أو بالنشوز.
(مسألة82 ): يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى زوجها ولو كان للإنفاق عليها، إلا إذا أصبح واجب النفقة عليها. كما إذا أصبح عاجزاً ونحوه.
(مسألة83 ): إذا عال بأحد تبرعا، جاز للمعيل ولغيره دفع الزكاة إليه، من غير فرق بين القريب والأجنبي. هذا إذا كان على وجه الجواز أو الاستحباب، وأما إذا كان مصداقا للوجوب الكفائي ففيه إشكال.
(مسألة84 ): يجوز لمن وجبت النفقة عليه أن يعطي زكاته لمن تجب عليه نفقته، إذا كان عاجزاً عن الإنفاق عليه. وان كان الأحوط استحباباً الترك.
الرابع: أن لا يكون هاشمياً إذا كانت من غير هاشمي فالهاشمي لا تجوز له زكاة غير الهاشمي، ولكن يجوز أن يعطي الهاشمي لغير الهاشمي. فالهاشمي يعطي لكلا الصنفين بدون تعيين الانتساب بخلاف غير الهاشمي.
(مسألة85 ): لا فرق في الحرمة بين سهم الفقراء وسائر السهام على الأحوط ، حتى سهم العاملين وسبيل الله. نعم، لا بأس بتصرفهم في الأوقاف العامة إذا كانت من الزكاة، مثل المساجد والمدارس ومنازل الزوار والكتب وغيرها.
(مسألة86 ): يجوز للهاشمي أن يأخذ زكاة الهاشمي، وان كان الأحوط خلافه. من دون فرق بين السهام أيضاً. كما يجوز له اخذ زكاة غير الهاشمي مع الاضطرار. وفي تحديد الاضطرار إشكال، والأحوط تحديدها بوجبة من الطعام وباللباس الذي تحت الضرورة، فان زاد وجب إرجاعه.
(مسألة87 ): الهاشمي هو المنتسب شرعاً إلى هاشم بالأب دون الأم، وان كان حراماً بالعرض، كالحيض والإحرام والظهار وغيرها. وأما إذا كان منتسباً إليه بالزنا فيشكل إعطاؤه من الزكاة، ويجوز إعطاؤه من الخمس، وان كان الأحوط خلافه.
(مسألة88 ): ما هو المحرم من صدقات غير الهاشمي هو زكاة المال وزكاة الفطرة، أما الصدقات المندوبة فليست محرمة، بل كذلك الصدقات الواجبة كالكفارات ورد المظالم ومجهول المالك واللقطة والفدية ومنذور الصدقة والموصى به للفقراء أو العلماء ويكون منهم فضلا عن الموقوف كذلك.
(مسألة89 ): يثبت كون الفرد هاشمياً بالعلم والبينة وبالشياع الموجب للاطمئنان. ولا يكفي مجرد الدعوى، وفي براءة ذمة المالك إذا دفع إليه الزكاة حينئذ، إشكال لا يترك معه الاحتياط.
(مسألة90 ): المهم في المنع عن اخذ الزكاة واستحقاق الخمس ،هو كون الفرد منتسباً إلى هاشم، من أي فرع من فروع ذريته وان لم يكن علوياً. دون انتسابه إلى من فوقه من الأجداد، كقصي أو فهر أو النضر الذي يعني كونه قرشياً غير هاشمي. ومعه فهو كسائر غير الهاشمين فضلا عن أن يكون عدنانياً أو قحطانياً خارج هذه الذرية.
المبحث الثالث
في بقية أحكام الزكاة
(مسألة91 ): لا يجب البسط على الأصناف الثمانية على الأقوى، ولا على أفراد صنف واحد ولا مراعاة اقل الجمع، وهو ثلاثة. فيجوز إعطاؤها لشخص واحد من صنف واحد.
(مسألة92 ):إذا اعتقد وجوب الزكاة فأعطاها، ثم بان العدم، جاز له استرجاعها. وان كانت تالفة استرجع البدل. إذا كان الفقير عالما بالحال، وإلا لم يجز الاسترجاع.
(مسألة93 ): إذا نذر أن يعطي زكاته فقيراً معيناً، انعقد نذره، فان سها فأعطاها فقيراً آخر أجزأ، ولا يجوز استردادها وان كانت العين باقية. وإذا أعطاها غيره متعمداً، فالظاهر الإجزاء، وان كان الاحتياط الأكيد بخلافه. وأما حصول الحنث به ووجوب الكفارة عليه فمسلّم، بل الأحوط دفعها في صورة السهو والنسيان أيضاً ولو من مال آخر.
(مسألة94 ): يجوز نقل الزكاة من بلد إلى غيره، ولو مع وجود المستحق فيه. لكن إذا كان المستحق موجوداً في البلد كانت مؤنة النقل عليه، وان تلفت بالنقل يضمن، حتى لو كان بغير تفريط على الأحوط، بخلاف ما لو نقلها بإذن الفقيه فانه لا يضمن إلا بالتفريط. وأما مع عدم وجود المستحق في البلد فاجرة النقل يمكن أن تكون من الزكاة نفسها، ولا ضمان إلا مع التفريط حتى لو لم يراجع الفقيه.
(مسألة95 ): إذا كان له مال في غير بلد الزكاة، جاز له دفعه عما عليه في بلده، ولو مع وجود المستحق فيه. وكذا إذا كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر جاز احتسابه عليه من الزكاة إذا كان فقيراً، ولا إشكال في شيء من ذلك.
(مسألة96 ): إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة، أو قبضها المالك بالوكالة عنه كذلك، أو قبضها وكيل الفقيه كذلك برئت ذمة المالك، وان تلفت بعد ذلك بتفريط أو بدونه، أو دفعها إلى غير المستحق.
(مسألة97 ): لا يجوز تأخير دفع الزكاة حتى مع العزل، بحيث يؤدي إلى التسامح، وليس منه انتظار المستحق أو مستحق معين، وان كان الأحوط المبادرة مطلقا. وإذا تلفت بالتأخير مع وجود المستحق ضمن كما تقدم.
(مسألة98 ): يجوز عزل الزكاة وهي الحصة الزكوية التي يجب دفعها إلى المستحق، وأثره حلّية باقي المال وجواز التصرف فيه، وكذلك عدم الضمان لو تلف بدون تعد ولا تفريط، سواء كان التالف كله أو بعضه بخلاف ما لو لم يكن معزولا كما سيأتي في المسألة الآتية. ولكن لا تبرأ ذمته بالعزل إلا بالقبض أو التلف بدون تفريط، والمراد من القبض المستحق أو وكيله أو وليه الخاص أو العام وهو الفقيه، أو أن يقبضها المالك بالوكالة عن المستحق أو عن الفقيه. ويجب عليه دفعها إلى من قبضها عنه.
(مسألة99 ): مع عدم العزل لا يجوز التصرف بالمال كله ولا بجزء منه، لا بنقل معاملي كالبيع ولا مكاني كالسفر به. لأنه تصرف في الحق الزكوي بدون إذن، ولو تلف المال قبل العزل، فان كان تفريط وتعمد وجب دفع الزكاة كاملة من بقية المال أن وجدت أو من غيره، وان لم يكن عن تفريط سقط من الزكاة بنسبة التالف. والتأخير المؤدي إلى الإهمال بل مطلق عدم العذر فيه، من التفريط.
(مسألة100 ): لو تصرف بالمال، قبل دفع الزكاة أو عزلها، تصرفا معاملياً كالبيع، بطل البيع في نسبة الحصة الزكوية ووجب دفعها إلى المستحق من قبل البائع أو المشتري. ولم يستحق البائع ما يقابلها من الثمن. نعم، يجوز البيع أو غيره من التصرفات بإذن الحاكم الشرعي وتكون الزكاة في الثمن. وهل له إمضاء البيع بعد وقوعه الظاهر ذلك. وان كان الأحوط خلافه.
(مسألة102 ): لا يجوز تقديم الزكاة قبل تعلق الوجوب. نعم يجوز أن يعطي الفقير قرضا قبل وقت الوجوب، لا بعنوان الزكاة بل بعنوان القرض، فإذا جاء الوقت احتسبه زكاة، بشرط بقائه على صفة الاستحقاق، وبقاء النصاب على صفة الوجوب كما يجوز له أن لا يحتسبه زكاة، بل يدفعها إلى غيره. ويبقى في ذمة الفقير قرضاً. وإذا أعطاه قرضاً فزاد عند المقترض زيادة متصلة، فهي له لا للمالك، وكذلك النقص عليه إذا نقص. ويجوز احتساب الكامل عندئذ، ولا يتعين في ذلك دفع القرض لكي يحتسب زكاة، بل يمكن ذلك في أي قرض، مع اجتماع باقي الشروط.
(مسألة103 ): إذا أتلف الزكاة المعزولة أو النصاب متلف. فان كان مع عدم التأخير الموجب للضمان، فالضمان يكون على المتلف دون المالك، وان كان مع التأخير الموجب للضمان، فكلاهما ضامن وللحاكم الرجوع على أيهما شاء. فان رجع على المالك رجع هو على المتلف وان رجع على المتلف لم يرجع على المالك.
(مسألة104 ): دفع الزكاة من العبادات، فلا يصح إلا مع نية القربة والتعيين وغيرهما مما يعتبر في صحة العبادة. وان دفعها بلا نية القربة بطل الدفع وبقيت على ملك المالك. غير ان النية الارتكازية كافية كما في سائر الموارد وتجوز النية بعد قبض المستحق ما دامت العين موجودة، فان تلفت بلا ضمان القابض وجب الدفع ثانياً. وان تلفت مع الضمان أمكن احتساب ما في الذمة زكاة، مع بقائه على شرائط الاستحقاق. ويجوز إبقاء ذلك ديناً عليه، ودفع الزكاة إلى فقير آخر.
(مسألة105 ): يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة، فينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير. كما يجوز التوكيل في إيصال الزكاة إلى الفقير. فينوى المالك القربة وكون المدفوع زكاة حين الدفع إلى الوكيل أو حين دفع الوكيل الى الفقير. والأحوط استمرار النية من حين الدفع إلى الوكيل إلى حين الدفع إلى الفقير. بمعنى عدم تبديلها بنية أخرى.
(مسألة106 ): يجوز للفقير أن يوكل شخصا في أن يقبض عنه الزكاة من شخص أو أن يوكله مطلقا، بحيث يشمل مورد القبض. وتبرأ ذمة المالك بالدفع إلى الوكيل وان تلفت في يده.
(مسألة107 ): الأقوى عدم وجوب دفع الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة، وان كان أحوط وأفضل، نعم، إذا طلبها على وجه الإيجاب بان كان هناك ما يقتضي وجوب صرفها فيه، وجب على مقلديه الدفع إليه، بل على غيرهم أيضاً، على الأحوط.
(مسألة108 ): تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة، إذا أدركته الوفاة، مع الإمكان، وكذا الخمس وسائر الحقوق الواجبة. وإذا كان الوارث مستحقا جاز للوصي احتسابها عليه. وان كان واجب النفقة على الميت حال حياته.
(مسألة109 ): الأحوط استحبابا عدم نقصان ما يعطى للفقير من الزكاة عما يجب في النصاب الأول من الفضة في الفضة، وهو خمسة دراهم. وعما يجب في النصاب الأول من الذهب في الذهب. وهو نصف دينار.
(مسألة110 ):يستحب لمن يأخذ الزكاة الدعاء للمالك، سواء كان الآخذ الفقيه أم وكيله أم العامل أم الفقير، بل هو الأحوط في غير الأخير.
(مسألة111 ):يستحب تخصيص أهل الفضل من المستحقين بزيادة النصيب، وتفضيل من لا يسأل على من يسأل، وصرف صدقة المواشي على أهل التجمل، وصرف زكاة الذهب والفضة والحبوب إلى الفقراء المدقعين وهذه مرجحات قد يزاحمها مرجحات أهم وأرجح.
(مسألة112 ): يكره لرب المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة والمندوبة سواء كان مجانا أم بثمن، بيعا كان أم غيره كثمن الإيجار. نعم إذا أراد الفقير بيعه بعد تقويمه فالمالك أحق به، ولا كراهة. كما لا كراهة في إبقائه على ملكه إذا ملكه بسبب قهري من ميراث أو غيره. وليس عليه أن يطلب من الفقير تبديله أو جعله مصداقا لثمن كلي.
([1] ) وهو معنى أوسع مما يعبر به الفقهاء وهو (يملك ) فقد يجد الشخص قوت سنته من دون تمليك كما لو كان مكفول المعيشة أو أن ما يحتاجه متيسّر له متى شاء.