خلق أجواء عامة للطاعة لتحفيز المجتمع عليها
بسم الله الرحمن الرحيم
خلق أجواء عامة للطاعة لتحفيز المجتمع عليها([1])
نستقبل خلال الأيام القريبة شهر الله الأكبر وعيد أوليائه شهر رمضان شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن والمغفرة والرحمة، ونستذكر بألم أن العام الماضي شهد حالة واسعة من الإفطار العلني والتحدي السافر لأوامر الله تبارك وتعالى وأشرنا إلى تلك الظاهرة السيئة وأسبابها في خطبة عيد الفطر المبارك للعام الماضي وحمّلنا الجميع مسؤولية ذلك التدهور الأخلاقي وخلال هذه الأيام تنادت أصوات خيّرة في البرلمان لمنع تكرار تلك الحالة واتخاذ القرارات المناسبة للحفاظ على قدسية هذا الشهر العظيم ومساعدة المؤمنين على تأدية فروضه([2])
وقد وجهنا المؤمنين لإقامة الحفلات لاستقبال هذا الشهر الشريف وتسيير مواكب الفرح لقدومه المبارك ورفع الصوت من على المآذن ومكبرات الصوت المحمولة على السيارات الجوالة وهي تصدح بذكر الأحاديث الشريفة التي ترغّب في مراعاة حرمة هذا الشهر والالتزام بما أمر الله تعالى وتحذر من عاقبة العصيان والتمرد ، ونشر اللوحات على جوانب الطرق التي تشير إلى هذه المعاني الجليلة، وإقامة المسرحيات والأمسيات الأدبية والثقافية والفكرية والدينية وغيرها من الفعاليات التي تهيّئ أجواء الطاعة وتزيد من الحافز والدافع للالتزام بها، وتحاصر المعصية والانحراف وتغلق منافذها حتى لا يتجرأ أحد على اقتحامها إما خوفاً من الله تعالى أو حياءاً من الناس ومن الجو العام، كالذي حصل أبّان الحركة المباركة للسيد لشهيد الصدر الثاني(قده) عند إقامته لصلاة الجمعة المباركة.
إن الإنسان حينما يتحرك نحو فعل معين أو يجتنب شيئاً ما فإنما ينطلق من الصورة التي يحملها في ذهنه عن ذلك الفعل سلباً كان أو إيجاباً ونفعاً أو ضرراً ومصلحة أو مفسدة، فإذا تصور في شيء مصلحة ونفعاً له رغب فيه وانبعثت إرادته نحوه فتتحرك أعضاؤه لنيله وتحقيقه، وإذا تصور في شيء مفسدة زهد فيه وهرب منه واجتنبه، او توهم أن عدواً أو حيواناً مفترساً يترصّده فإنه سيخاف ويندهش وربما لا يكون الأمر حقيقياً وقد لا تكون هذه الصورة الذهنية مطابقة للواقع (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ) وقد يعلم الإنسان أن هذه الصورة الذهنية غير واقعية ومع ذلك فإنه يسير بناءاً عليها كمن يعلم أن الميت لا يضر ولا ينفع ومع ذلك فإنه يخاف منه ومن المقبرة، أو يخاف من الظلمة وهو يعلم أنها بذاتها لا تمثل شيئاً ضاراً.
وربما لم يكن جمال النبي يوسف الصديق(عليه السلام) بالدرجة التي توجب قطع الأيدي لكن الصورة الذهنية والهالة العظيمة التي رسمتها النسوة في مخيّلتهن جعلتهن مذهولات الألباب عند دخوله عليهن، بدليل أن كثيرين عاشوا مع النبي يوسف(عليه السلام) ولم تبلغ الحالة بهم هذا الذهول وإن جمال النبي الخاتم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) كان أكثر من يوسف(عليه السلام) ـ بحسب بعض الروايات ـ ولم تقطع واحدة من النسوة يدها عند رؤيته، لكن الهالة العظيمة التي سبقته عند النسوة هي التي أذهلتهن وليس الواقع.
وعلى أي حال فالفكرة لا تحتاج إلى مزيد من الإيضاح والدليل وإنما ذكرناها للاستفادة منها عملياً فإن من آليات تحفيز المجتمع على الطاعة وغلق أبواب المعصية تحقيق هذه الصورة الذهنية لدى الناس لتحريكهم نحو الخير ويكون ذلك بخلق أجواء عامة للطاعة بالفعاليات التي ذكرنا جملة منها وغيرها وهذه تقع مسؤوليتها على جميع المؤمنين ليشارك كل ٌ منهم بحسب موقعه وإمكانيته، خصوصاً فضلاء وطلبة الحوزة العلمية الشريفة وأئمة المساجد والمبلغين، وليعلم كل من يساهم في أي مشروع خيري يرضي الله تبارك وتعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) إنه يحسن لنفسه قبل أن يصل إحسانه إلى الآخرين(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ ).
واستمروا على تذكير الناس وتنبيههم خلال الشهر المبارك إلى ما يجب فعله او يستحب وإلى ما يحرم فعله أو يكره فإن أفضل أعمال هذا الشهر الورع عن محارم الله تبارك وتعالى وإن (الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم) وضاعفوا جهودكم خلال العشر الأواخر من شهر رمضان وليحيي من يقدر سنة الاعتكاف الجليلة في جميع المساجد.
أعانكم الله تبارك وتعالى على طاعته وجنبكم معصيته ومنّ عليكم برضاه وجعلكم من ضيوفه في هذا الشهر العظيم.
([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد من منطقة المدائن وبسمايا جنوب شرق بغداد يوم الاربعاء27/شعبان/1430 المصادف 19/8/2009.
[2])) قررت وزارة الداخلية منع الإفطار العلني والمحاسبة علية ومنع إقامة الحفلات الفنية المنافية لقدسية هذا الشهر العظيم وغلق محلات الخمور والملاهي الليلية ونحن إذ نثني على كل قرار يصب في احترام الشريعة المقدسة ويمنع من الفساد والانحراف كما يقتضيه الدستور نطالب بمراعاة هذه الحرمة على مدار السنة.