رسالة إلى رؤساء الجامعات العراقية بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد وحلول شهر رمضان المبارك

| |عدد القراءات : 2892
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

رسالة إلى رؤساء الجامعات العراقية بمناسبة

 بدء العام الدراسي الجديد وحلول شهر رمضان المبارك

  

 أغتنم فرصة بدء العام الدراسي الجديد وقرب حلول شهر رمضان المبارك لأبارك لكم هذه المناسبات الجليلة ولاعبّر لكم عن تقديري واحترامي لجهودكم التي تبذلونها من اجل بناء عراقٍ حرٍ كريم ينافس الامم المتقدمة ويجد مكانه بينها ولاذكركم بمسؤولياتكم العظيمة وانتم تتبوأون هذا المقام الشريف الذي هو عنوان رقي الامم وتقدمها.

 

إن المستوى العلمي والاخلاقي والفكري للجامعات هو المقياس الذي تُعرف من خلاله مكانة الامة في سلّم الحضارة والتمدن فبمقدار ما تعمل هذه المؤسسات على تنمية هذه العناصر الثلاثة (العلم - الاخلاق - الفكر) تحسب درجة نجاحها في تربية الشباب.

 

ربما سمعتم قبل بضعة اشهر حينما صدر قرار من الحكومة المصرية بترقين قيد الاستاذ الجامعي الذي بلغ السبعين من العمر عن ملاك الجامعات كيف سارع الاساتذة الجامعيون الجدد إلى تطبيقه بالهجوم على غرف الاساتذة الكبار المشمولين بالقرار ورموا بكتبهم واثاثهم إلى خارج الغرف ليحتلوا مكانهم. انها لخسارة عظيمة وانحدار مريع في اخلاق الامة ووعيها ان يكون الاساتذة الجامعيون بهذا التسافل الفظيع. واني اربأ باساتذة وطلبة جامعاتنا ان يفكروا بمثل هذه الاعمال المشينة فضلاً عن القيام بها.

 

كل هذا يكشف عن ان العلم وحده لا يكفي بل لا بد من تغذية الطلبة بالاخلاق الفاضلة والاساليب المتحضرة في التعامل مع الامور والاطلاع على السير الحميدة لعظماء البشر وعلى رأسهم الانبياء الكرام والاولياء الهادين المهديين لذا قال جدّنا الشيخ محمد علي اليعقوبي (رحمه الله) مذكراً الاساتذة بهذه المسؤولية:

 

 

 

قل للاساتذة الذين تكلّفوا

كل الدروس مهمة واهمها

 

 

 عبئاً من التدريس ليس يطاق

الدين والتاريخ والاخلاقُ

 

 

 

ولعلّي كناقل التمر إلى هجر حينما اكتب اليكم بهذه المعاني لكنني احببتُ أن اعبَّر عن انتمائي للجامعات واحتفاظي بالمنزلة الكبيرة لاساتذتها في قلبي منذ ربع قرن عندما كنت طالباً في كلية الهندسة بجامعة بغداد ولا زلت أجلس بين ايديهم بذلك الادب الرفيع والمحبة العميقة والاعتراف بالفضل، اقول هذا ليتخذ الطلبة الجامعيون اليوم هذه المعاني نبراساً لنموذج علاقتهم مع اساتذتهم، ويشاركني في هذا الشعور المئات من اساتذة وطلبة الحوزة العلمية الذين تخرجوا في اروقة الجامعات ونهلوا من علومها وهذا من عظيم نعم الله تعالى على هذا البلد الكريم لكيلا نعيش الفصل المقيت بين العلم والدين، بين الجامعات والحوزة العلمية، هذا الانفصال الذي راهن عليه اعداء الامة ليمسخوا هويتها ويضّيعوا معالم حضارتها تحت عناوين برَّاقة تخدع غير البصير في حقائق الامور ليسهل بعد ذلك إذلالها وإخضاعها وإلحاقها بركب المستكبرين ناهبي ثروات الشعوب، ولكنهم خابوا وخسروا وآلت صفقتهم إلى البوار بفضل الله تبارك وتعالى الذي الف بين قلوب المؤسستين الشريفتين (الحوزة والجامعات) قال تعالى (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال:62- 63).

 

ولقد كانت مواكب الوعي الحسيني التي شارك فيها اكثر من عشرة الاف من طلبة الجامعات العراقية ليلة عاشوراء من هذا العام بكل مهابة وجلال وشعارات واعية ومجاميع منتظمة خير دليل على هذه الوشيجة العميقة.

 

ان الامة عموماً والشباب خصوصاً ينظرون إلى المرجعية الدينية على انها الاب الراعي لمصالحهم والام الحنون المضحية من اجلهم لذا فهم يتوجهون دوماً اليها لحل مشاكلهم واحتضان مشاريعهم والتخفيف عن آلامهم وتحقيق آمالهم وهي لا تقصر -في حدود امكانياتها- في ان تكون عند حسن ظنهم، وإنني من باب المشاركة معكم في المسؤولية اذكر لكم بعض مشاكل الطلبة وهمومهم:

 

1- مظاهر الانحلال الخلقي كالازياء الخليعة والحفلات الماجنة وتبادل المجلات المصورة الفاضحة.

 

2- تردّي المستوى العلمي وعدم نيل الدرجات والشهادات بالاستحقاق وانتشار ظاهرة الغش في الامتحانات.

 

3- ضعف العلاقة الابوية بين الاساتذة والطلبة فلا الاستاذ يتواضع للطلبة ويريهم من عطفه ورعايته وتعبه من اجل ترقيتهم ولا الطلبة يحتفظون بالهيبة والاجلال الذي يليق بالاستاذ.

 

4- اللغة العلمية هي الانجليزية وفي ذلك مخاطر عديدة:

 

أ- شعور ابناء البلد بغربتهم العلمية وأنهم ليسوا من الامم المتقدمة التي كتبت العلوم بلغاتهم.

 

ب- صرف مبالغ باهضة لشراء المصادر فهي سرقة لثروات الشعوب بطريق متحضر.

 

جـ- فرض الحصار العلمي على الشعوب التي لا تخضع لسياساتهم بحجب المصادر العلمية عنهم.

 

5- سوء الاحوال المعيشية في الاقسام الداخلية وسوء الادارة.

 

6- الوضع الاقتصادي المنهار حيث لا يستطيع الطالب توفير احتياجاته من نفقات سكن ونقل ومستلزمات الدراسة والاحتياجات المعيشية فترك كثير منهم الدراسة وهم في اقسام علمية راقية.

 

7- ما عُرض مؤخراً في مؤتمر التعليم العالي الذي عقد يومي 22-23/9/2004 من مشروع خصخصة الجامعات وهو امر مقلق ولا مصلحة فيه الا المزيد من الاعباء والمتاعب على الطلبة واولياء امورهم.

 

8- سريان الطائفية والتحزب والفئوية إلى اروقة الجامعات.

 

9- الفدرالية في الجامعات وعدم خضوعها لنظام مركزي واحد.

 

10- عدم وجود فرص كافية لتعيين الخريجين في دوائر الدولة.

 

11- عدم التوزيع الجغرافي الكامل للجامعات والمعاهد على تمام المدن العراقية فان المقاييس الدولية تفترض جامعة واحدة لكل مليون إنسان فيكون استحقاق الشعب العراقي اكثر من (26) جامعة.

 

ان هذه القضايا وغيرها جديرة بأن تحظى باهتمام ودراسة المعنيين بشؤون الجامعات ليضعوا الحلول المناسبة لها ويرفعوا هذه العوائق والمثبطات في طريق التحصيل العلمي الذي تطمح اليه الامة، ومن هذه المعالجات:

 

1- فسح المجال امام القاء المحاضرات الاخلاقية والتوجيهية والتربوية وبيان معالم الاستقامة والسلوك النظيف وترويج النشرات والاصدارات التي ترسخ ذلك.

 

2- تخصيص رواتب للطلبة تناسب حالهم وهي لا تكلف الدولة شيئاً معتداً به.

 

3- تحسين وضع الاقسام الداخلية والارتقاء بمستوى خدماتها وشموليتها لكل محتاجيها.

 

4- الالزام بالزي الموحد والمحاسبة على السلوك غير النظيف وجعل جزء من درجة النجاح على السلوك والالتزام بالواجبات العلمية والاخلاقية وحظر مظاهر الانحراف والفساد كالملابس غير المحتشمة والحفلات الصاخبة.

 

5- الاصرار على مجانية التعليم الجامعي مع فتح الفرصة للتعليم الخاص ضمن الضوابط.

 

6- تشجيع الاساتذة والمتخصصين على وضع مناهج الدراسة باللغة العربية وبالشكل الذي يناسب حاجات بلادنا ويبني مستقبلنا الزاهر فان ما كتبه الاجانب ليس بالضرورة مناسباً لنا ويعرف المتخصصون معنى كلامي هذا.

 

7- إقامة معارض الكتب باسعار مدعومة لتنمية ثقافة الشباب وقدرتهم الفكرية وتأهيلهم لقيادة المجتمع.

 

8- تشكيل مجلس يضم رؤساء الجامعات ومؤسسة المعاهد الفنية والمراكز العلمية المتخصصة يجتمع في السنة مرتين بحضور وزيري التعليم العالي والتربية لتبادل الخبرات وتلاقح الافكار وتوحيد الرؤى والمناهج.

 

9- تجنيب الجامعات أي صراعات سياسية أو طائفية أو عرقية وتكريسها لاداء وظيفتها الاساسية: العلم والاخلاق.

 

10- انشاء جامعات جديدة لتشمل كل انحاء العراق والعمل على أن تضم الجامعة كل الكليات العلمية والانسانية.

 

إننا نتحمل معاً مسؤولية إدامة هذه الرابطة المقدسة لنعمل سوية على الرقي بمستوى الأمة وهدايتها إلى طريق السعادة والتقدم وصيانتها من الضياع والتشتت والاضمحلال.

 

انني -وسائر ابناء هذا الوطن المنجب المعطاء- نتابع بألم ما يتعرض له الاساتذة الجامعيون وذوي الكفاءات العلمية من اعتداءات تصل حد القتل والتي لا تصدر الا من اعداء الشعب والانسانية والحضارة لان اطفاء هذه الانوار العلمية المضيئة في جبين الامة خسارة للانسانية جمعاء وليس للعراق فقط لكن الذي يهون الخطب ان كل ما يلاقيكم من عناء ومشقة في هذا الطريق فانه بعين الله تبارك وتعالى وهو لا يضيع اجر المحسنين من ذكر وانثى.

 

انكم في هذا الموقع الشريف يمكنكم تحصيل فرص عظيمة لطاعة الله تبارك وتعالى وربح كبير في (تجارةٍ لن تبور) بالسعي الحثيث لتحقيق آمال الأمة وطموحاتها والتخفيف من آلامها ومتاعبها (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) خصوصاً ونحن نستقبل شهر الله العظيم الذي ينزل على العباد بالخير والبركة والرحمة وكلما كنتم عند حسن ظن ابنائكم كان الله عند حسن ظنكم باضعاف ذلك.

 

وفي هذا السياق اكون ممنوناً للاساتذة الافاضل الوزراء المعنيين ورؤساء الجامعات لو اعتمدوا هذه الرسالة وثيقة رسمية وعمّموها إلى كل عمداء الكليات والمعاهد الفنية والمراكز المتخصصة لتعّم الفائدة ويتوزع الهم والشعور بالمسؤولية.

 

 (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ )

 

 

 

محمد اليعقوبي – النجف الاشرف

 

18 شعبان 1425

 

3/ 10/ 2004