فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي - شرف الانتماء ومسؤوليته
بسم الله الرحمن الرحيم
(فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) (إبراهيم:36)
شرف الانتماء ومسؤوليته[1]
الآية الكريمة تبيّن على لسان النبي إبراهيم (عليه السلام) المقياس الحقيقي للانتساب إلى النبي أو الامام أو القائد ورئيس الجماعة بشكل عام وانه يتحقق بالطاعة والاتباع في الأقوال والأفعال وليس بادعاء الانتساب أو اللحمة النسبية، لذلك يردّ الله تبارك وتعالى في آية أخرى على اليهود والنصارى الذين ادعوا انهم السائرون على دين إبراهيم (عليه السلام) والحافظون له، وثبت حقيقة الانتساب، قال تعالى (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:68) بعد أن نفى في الآية السابقة دعواهم (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:67) .
والآية الكريمة تفيد حقيقتين، فهي من جهة تمنح الملتزمين بنهج النبي (صلى الله عليه وآله) وآله الكرام (عليهم السلام) وساماً تكريمياً من أعلى الدرجات بأن تجعلهم منهم (صلوات الله عليهم أجمعين) وتدلّ على الطريق الذي يوصلك الى أن تكون من أهل البيت (عليهم السلام) وكفى بذلك شرفاً وكرامة ، وقد صرح المعصومون (عليهم السلام) لبعض أصحابهم بنيل هذا الوسام مثل سلمان الفارسي (رضوان الله تعالى عليه) حيث قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام: لا تقولوا سلمان الفارسي، ولكنْ قولوا سلمان المحمّدي، ذلك رجلٌ منّا أهل البيت)[2] و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (وإنما صار سلمان من العلماء لأنه امرؤ منا أهل البيت فلذلك نسبه إلينا)[3] .
وروى ربعي بن عبدالله، قال (حدثني غاسل الفضيل بن يسار، قال: اني لأغسل الفضيل بن يسار وأن يده لتسبقني إلى عورته، فخبرت بذلك أبا عبدالله عليه السلام فقال لي : رحم الله الفضيل بن يسار ، وهو منا أهل البيت)[4] .
وروى عمر بن يزيد قال (قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : يا بن يزيد أنت والله منا أهل البيت ، قلت له: جعلت فداك من آل محمد؟ قال: أي والله من أنفسهم، قلت: من أنفسهم؟ قال: أي والله من أنفسهم يا عمر ، أما تقرأ كتاب الله عزوجل (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) )[5] .
وروى يونس بن يعقوب قال (كنت بالمدينة فاستقبل جعفر بن محمد عليهما السلام في بعض أزقتها، قال، فقال: اذهب يا يونس فان بالباب رجلاً منا أهل البيت. قال: فجئت إلى الباب فإذا عيسى بن عبدالله القمي جالس، قال: فقلت له من أنت؟ فقال له: أنا رجل من أهل قم، قال: فلم يكن بأسرع من أن أقبل أبو عبدالله (عليه السلام) ، قال: فدخل على الحمار الدار، ثم التفت إلينا فقال: أدخلا. ثم قال: يا يونس بن يعقوب أحسبك أنكرت قولي لك أن عيسى بن عبدالله منا أهل البيت! قال قلت: أي والله جعلت فداك لأن عيسى بن عبدالله رجل من أهل قم، فقال يا يونس عيسى بن عبدالله هو منا حي وهو منا ميت)[6] .
وروى يونس مثل هذا القول عن الامام الصادق (عليه السلام) في عيسى بن عبدالله القمي.
وروى الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص عن أبي حمزة قال (دخل سعد بن عبد الملك وكان أبو جعفر (عليه السلام) يسميه سعد الخير وهو من ولد عبد العزيز بن مروان على أبي جعفر (عليه السلام) فبينا ينشج كما تنشج النساء قال:
فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : ما يبكيك يا سعد؟ قال وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن، فقال له: لست منهم أنت أموي منا أهل البيت أما سمعت قول الله عز وجل يحكي عن إبراهيم: (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي).
وترقى هذه المنزلة إلى ما ورد في بكير بن أعين أخي زرارة من (أن أبا عبدالله (عليه السلام) لما بلغه وفاة بكير بن أعين قال: اما والله لقد انزله الله بين رسوله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما)[7] .
ومن جهة أخرى تبيّن شرط هذا الانتماء، وإن هذه الأوسمة ليست تشريفاً مجرداً من دون استحقاق وتحمّل للمسؤولية التي يوجبها الانتماء والانتساب إلى الجهة أية جهة، فلإسلامك حق عليك ولولايتك لأهل البيت (عليهم السلام) حقوق ولارتباطك بمرجعية معينة استحقاقات وكذا لانتسابك لبلد معين كالعراق أو لمدينة معينة كالنجف الأشرف أو لأسرة معينة وهكذا تكون لكل جهة تنتسب إليها مسؤولية الانتماء.
روى في مجمع البيان عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله (إن أولى الناس بالأنبياء اعملهم بما جاؤوا به) ثم تلا آية آل عمران المتقدمة وقال: (إن ولي محمد من اطاع الله وإن بعدت لحمته وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته)[8].
وروى في الدر المنثور عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله (يا معشر قريش أن أولى الناس بالنبي المتقون فكونوا أنتم بسبيل ذلك فانظروا لا يلقاني الناس يحملون الاعمال وتلقوني بالدنيا تحملونها فاصدُّ عنكم بوجهي) ثم تلا الآية[9] .
وروي عن الامام الصادق (عليه السلام) قوله (من اتقى منكم وأصلح فهو منا أهل البيت، قيل له: منكم يا بن رسول الله؟ قال: نعم، منا، أما سمعت قول الله عزوجل: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) وقول إبراهيم (عليه السلام) (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) )[10] .
اذن فالفرصة مفتوحة أمام الجميع ليكونوا من أهل البيت (عليهم السلام) وليس فقط من أصحابهم أو مريديهم وذلك ما نطقت به الآية الشريفة فإنها ظاهرة في كلا المعنيين: امتياز المتبع والمطيع للأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) بأن يكون منهم وبنفس الوقت تتضمن معنى اشتراط الاتباع والطاعة.
إن الارتباط النسبي بالنبي والأئمة المعصومين وكذا الانتماء إلى قومية معينة أو جنس أو لغة أو لون خارج عن اختيار الانسان فلا يمكن ان يكون سبباً للتفاضل بين الناس ومثل هذه الدعوات لتفوق بعض البشر على بعض عصبية جاهلية ، وإنما المقياس الحقيقي للانتماء هو الطاعة والاتباع، ولذا يؤدّب الله تعالى نساء النبي (صلى الله عليه وآله) أن لا يتخذن هذا العنوان سبباً للتفاخر وإن تميزهنّ الحقيقي بالعمل الصالح (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) (فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً) (سورة الأحزاب: مقاطع من الآيات: 29-32).
وكان الرد من الله تعالى حازماً في ابن النبي نوح لما عصى أباه ، قال تعالى (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (هود:46).
وقد بيَّن المعصومون (عليهم السلام) في احاديث مفصَّلة صفات المنتسب لهذه الجماعة المباركة وحرصوا على بيان مسؤوليات الانتماء لهم (عليهم السلام) وجمع الأصحاب هذه الروايات في كتبهم ومنها (صفات الشيعة) للشيخ الصدوق ومن تلك الروايات ما ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل هذا جعفري، فيسرّني ذلك ويدخل عليّ منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر)[11] .
وروى زيد الشحام عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم صلّوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ـ هذا مع العامة من غير الموالين ونحن نرى اليوم من يقاطع المسجد اذا كان إمام الجماعة يقلّد مرجعاً آخر ــ ، وان استطعتم ان تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فانكم اذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، رحم الله جعفراً، ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه، واذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، فعل الله بجعفر، ما كان اسوأ ما يؤدب أصحابه)[12] .
وكانوا يحثون اصحابهم والمنتمين اليهم أن يكونوا بمستوى المسؤولية ولا يرى الناس منهم الا خيرا ليكونوا صورة مشرقة عن أئمتهم ومنها وصيتهم العامة (معاشر الشيعة، كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسناً، احفظوا ألسنتكم وكفّوها عن الفضول وقبيح القول)[13] .
وفي رواية معتبرة عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (مالكم تسؤون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال له رجل كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسَرّوه)[14] .
فالانتماء والهوية ليست امراً بيدك فقط حتى تفعل ما تشاء من دون مراعاة لاستحقاقاتها بل لها طرف آخر يطالب بتحمّل مسؤولية هذه الهوية وهذا الانتماء لأن أي شيء حسن أو سيء والعياذ بالله يرجع على من تنتسب إليه.
ويُحسن أن نشير باختصار إلى موقف لمن يشعر بمسؤولية الانتماء، فقد حكي ان شخصاً عثر على مال نفيس في السوق فاحتفظ به وراح يسأل عن صاحبه ليعيده إليه فقيل له ان صاحبه يهودي وليس عليك أن ترجعه له وانت احوج إليه، فقال: هل تريدون ان يشعر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالخجل يوم القيامة بسببي؟ قيل وكيف ذاك؟ قال لأن نبي صاحب المال وهو موسى (عليه السلام) سيقول لنبينا محمد (صلى الله عليه وآله) ان رجلاً من امتك أخذ مال رجل من امتي بدون رضاه؟
[1] - الخطبة الأولى لصلاة عيد الأضحى المبارك سنة 1440 هـ الموافق 12/8/2019
[2] - اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي 12
[3] - بحار الأنوار: 2/462 ح 25 باب 26
[4] - اختيار معرفة الرجال: ج2 ص473
[5] - رجال الكشي:2/623
[6] - رجال الكشي:2/624
[7] - رجال الكشي: 1/456 رقم الترجمة71
[8] - نور الثقلين: 1/353 عن المجمع
[9] - الدر المنثور: 2/43
[10] - دعائم الإسلام: ج1 ص 62
[11] - الكافي: ج2 / ص 636
[12] - وسائل الشيعة: 8/430 كتاب الصلاة ، أبواب الصلاة الجماعة ، باب 75 ح1
[13] - امالي الصدوق: 484
[14] - الكافي : 1/171 ح 3