رسالة المرجعية إلى المؤمنين في الدول غير الاسلامية

| |عدد القراءات : 821
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى 
رسالة المرجعية إلى المؤمنين في الدول غير الاسلامية


استقبل[1] سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) جمعاً من المستبصرين الأوروبيين المقيمين في ألمانيا، وبعد الترحيب بهم في رحاب الأئمة المعصومين (عليهم السلام) والدعاء لهم تحدث بكلمة نقلها المترجم إليهم وقد أشار في حديثه إلى عدة أمور:
الأول: معرفة عظمة ما أنعم الله تعالى به علينا من الهداية إلى دين الإسلام وولاية أهل البيت (عليهم السلام)، روي عن الامام الصادق (عليه السلام) قوله وهو يحاور أبا حنيفة إمام المذهب الحنفي في بيان المراد من قوله تعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر:8) قال (عليه السلام) (نحن ــ أهل البيت ــ النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين، وبنا ألف الله بين قلوبهم بعد أن كانوا أعداءاً وبنا هداهم الله تعالى إلى الإسلام وهي النعمة التي لا تنقطع، والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي (صلى الله عليه وآله) وعترته (عليهم السلام) )[2].
واعطانا الامام موسى بن جعفر (عليهما السلام) دليلاً على قيمة هذه النعمة عند من يعرفها حيث روى لنا أن شخصاً جاء إلى أبيه الامام الصادق (عليه السلام) وشكا اليه الفقر فنفى الامام (عليه السلام) كونه فقيراً فحلف ذلك الرجل بأنه فقير فقال (عليه السلام) (خبّرني لو أعطيت بالبراءة منّا مائة دينار ــ والدينار يساوي مثقالاً من الذهب ــ كنت تأخذ؟ ــ أي تتبرأ من ولايتنا بهذا الثمن ــ قال: لا ــ وبدأ الامام يزيد المبلغ ــ إلى أن ذكر الامام (عليه السلام) ألوف الدنانير والرجل يحلف أنه لا يفعل، فقال عليه السلام له: من معه سلعة يعطى بها هذا المال وهو لا يبيعها هل هو فقير؟)[3] .
ثم خاطب سماحته (دام ظله) الحاضرين قائلاً: واعتقد ان كل واحد منكم لو اعطي ذلك لما تخلى عن ولاية أهل البيت (عليهم السلام) فتفاعل الحاضرون مع هذه الالتفاتة وأجهش بعضهم بالبكاء.
الثاني: الالتفات إلى حقوق هذه النعمة وأولها الشكر القولي والقلبي باللسان والمشاعر والعملي باتباع سيرتهم والعمل بتعاليمهم، روى الكليني بسنده عن ابي بصير عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) (الأعراف:43) قال (عليه السلام) (اذا كان يوم القيامة دُعي بالنبي (صلى الله عليه وآله) وبأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة من ولده (عليهم السلام) فينصبون للناس، فاذا رأتهم شيعتهم قالوا (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) يعني هدانا الله تعالى في ولاية أمير المؤمنين والأئمة من ولده (عليهم السلام) )[4]  .
وفي الاحتجاج للطبرسي في خطبة الغدير (معاشر الناس سلموا على علي بأمرة المؤمنين وقولوا الحمدلله الذي هدانّا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)[5]  .
ومن حقوق النعمة: التحدث بها ونشرها ودعوة الناس اليها، قال تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى:11) وقد علمنا ان أعظم النعم هي نعمة الإسلام وولاية أهل البيت (عليهم السلام) وقد شرحنا ذلك في خطاب مستقل سابق[6] .
ولكم أنتم أجر مضاعف لأنكم تقومون بهذا العمل المبارك في بيئة بعيدة عن الإسلام ومخالفة لكم في الدين واشكروا الله تعالى شكراً مضاعفاً لأنه اختاركم لإداء هذا الدور الكبير وببركة جهود المبلّغين والموالين انتشر الإسلام في بقاع الأرض حتى اقاصيها في الشرق والغرب وبعضهم ذهب للتجارة او للدراسة أو فرَّ بدينه ونفسه من الظلمة وبعضهم ذهب للدعوة والتبليغ.
الثالث: ان التحديث بهذه النعمة ودعوة الناس اليها يتطلب معرفة بها واطلاعاً على سيرتهم وأخلاقهم وعلومهم ومعارفهم فلابد من تخصيص جزء من وقتكم لذلك، روى أبو الصلت الهروي قال (سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: فكيف يحيي أمركم قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)[7] .
ولذا حثّ الأئمة (عليهم السلام) شيعتهم على التفقه في الدين ومعرفة الاحكام الشرعية وجعلوه فريضة على كل مسلم إلى درجة ان الامام الصادق (عليه السلام) يقول (لودِدت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا)[8] .
الرابع: الالتزام بالقوانين المعمول بها في البلاد التي تعيشون فيها والتي شرعت لحفظ مصالح الناس والدولة وعدم الاخلال بها مع مراعاة عدم الوقوع في المعصية فان هذا الالتزام يساعدكم على العيش بأمان وسلام مع الآخرين ويجعلكم موضع احترام وتقدير و في ذلك كلمة رائعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال (مقاربة الناس في أخلاقهم أمنٌ من غوائلهم)[9]  .
الخامس: نريد منكم أن تكونوا متفوقين في مجالات العلم والعمل والأخلاق والسلوك حتى تكونوا سفراء حقيقين للإسلام والمسلمين ودعاة مؤثرين بأفعالكم قبل اقوالكم في الآخرين وفي ذلك حديث للإمام أبي عبد الله (عليه السلام) (ليس منا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحدٌ أورع منه)[10] .
اما الذي تصدر منه أفعال سيئة فان نتائجه سلبية على الإسلام نفسه وينّفر الآخرين من الدين لأنهم يحسبون تصرفاتهم عليه.
السادس: أن تعيشوا مجتمعين ومتقاربين وتعملوا لكم تجمعات وتشيّدوا المساجد والحسينيات والمراكز والمؤسسات الإسلامية لتحيوا بها الشعائر الدينية وتقيموا فيها صلوات الجماعة والجمعة وبذلك تحافظون على هويتكم وثقافتكم ودينكم واخلاقكم، اما اذا تفرقتم داخل المجتمعات غير الملتزمة فانه يؤدي الى تذويب الدين والأخلاق ولو على مدى الأجيال اللاحقة فاحذروا ذلك.
ولا حاجة إلى المبالغة في فخامة البناء وتأثيث المساجد مما يتطلب أموالاً كثيرة لا تتوفر لدى الغالب من المؤمنين فيمكن ان يكون البناء بسيطاً والمهم أن يكون وافياً بالغرض وهذا المقدار كافٍ لاستحقاق الأجر العظيم لمن بنى مسجداً، ففي بعض الروايات أن شخصاً من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) حدَّد مساحة من الأرض بحجارات على طريق مكة والمدينة متمنياً أن يشمله الحديث الشريف (عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: من بنى مسجداً بنى الله بيتاً في الجنة. قال أبو عبيدة: فمر بي أبو عبدالله ( عليه السلام ) في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجداً، فقلت له: جعلت فداك، نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ قال: نعم)[11]  .
وينبغي الالتفات إلى أن التحدي يثير الهمة والحماس للعمل بما يحفظ الهوية وأنتم تتعرضون هناك لهذا التحدي أكثر ممن يعيش في بيئة إسلامية محافظة وهذا يدفعكم أكثر إلى ابراز الهوية كظهور المرأة بحجاب كامل وإقامة الشعائر الدينية والخروج بمسيرات العزاء في الشوارع الرئيسية ونحو ذلك من أشكال الصدع بالمشروع الرسالي امتثالاً لقوله تعالى (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) (الحجر:94) وأنا اعرف بعض الناس الذين لم يكونوا متدينين لما كانوا في بلادهم لكنهم لما ذهبوا إلى بلاد الغرب استثار التحدي مشاعرهم وانضموا إلى جماعة المتدينين وعملوا معهم.
 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - تاريخ اللقاء السبت 26 /جمادي الأولى/ 1440 هـ المصادف 2/2/2019.
[2] - تفسير الصافي 4/240 عن الكافيَ باب النعمة التي ذكرها الله عـز وجـل في كتابه الائمة (عليهم السلام) ، الكافي: 1/169 ح 1
[3] - أمالي الطوسي: 297، المجلس 11 ح 584
[4] - الكافي: 1/346 ح 33
[5] - الفرقان: 11/34 عن نور الثقلين 2/31)
[6] - راجع موسوعة خطاب المرحلة وتفسير من نور القرآن
[7] - معاني الاخبار: 180
[8] - أصول الكافي، ج1 كتاب فضل العلم، باب: فرض العلم ج 8
[9] - نهج البلاغة: الحكمة 401 والغائلة الكراهية والحقد.
[10] - وسائل الشيعة: ج15 / ص 245
[11] - وسائل الشيعة: ج5، باب استحباب بناء المساجد ولو كانت صغيرة، ح 6333