درس حسيني في عدم التنازل عن المبادئ
بسمه تعالى
درس حسيني في عدم التنازل عن المبادئ[1]
من الأحداث التي جرت يوم عاشوراء استشهاد الطفل الرضيع عبدالله على صدر أبيه الامام الحسين (عليه السلام) وهو يطلب له الماء من الجيش الأموي فرماه حرملة بن كاهل الأسدي وذبحه.
والسؤال هنا انه اذا كان حرملة بهذه الدقة العالية في التصويب كما ينقل التاريخ فلماذا لم يوجه السهم إلى الامام الحسين (عليه السلام) مباشرةً لينهي المعركة ويحسمها كما يفكر أي قائد عسكري بدل إطالتها وما يسببه ذلك من الانهيارات النفسية لدى افراد الجيش الأموي حيث كانوا غير مؤمنين بقضية القتال وقد أُكره كثيرٌ منهم على الاشتراك فيه، وقد شكلّت توبة الحر الرياحي احراجاً لهم ومحفزاً لهم على تغيير المواقف والخنادق.
والجواب الذي أريد قوله هنا ان عمر بن سعد قائد الجيش الأموي لم يكن خياره الأفضل قتل الحسين (عليه السلام) بل كان يوَّد استسلام الحسين (عليه السلام) ونزوله على بيعة الطاغية يزيد وبذلك تحصل الدولة الأموية على شرعية لا تستطيع الأمة الخروج عنها ويتخلص من تداعيات مقتل الحسين (عليه السلام) على ملكه فقد كان الامام (عليه السلام) أعلى رمز في الأمة الإسلامية ويروي الصحابة الموجودون يومئذٍ كلمات رسول (صلى الله عليه وآله) في فضائله ومناقبه وعلو منزلته.
وهذا الذي عبّر عنه الامام الحسين (عليه السلام) بقوله (الا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السِلِّة والذلّة وهيهات منّا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله (صلى الله عليه وآله) والمؤمنون، وحجور طابت وحجور طهرت، وأنوف حمية ونفوس أبيّة من أن تُؤثَر طاعة اللئام على مصارع الكرام)[2] .
ولو أراد الامام الحسين (عليه السلام) أن يعتذر بقلة الناصر وعدم وجود أي توازن في المواجهة واعطاهم الامام الحسين (عليه السلام) ما يريدون لكان انتصاراً حقيقياً لهم لكنه أبى الذلّة والانصياع لهم ولو كلّفه حياته، لذلك كانت لهم عدة إجراءات للضغط نفسياً على الامام الحسين (عليه السلام) حتى يستسلم ويذعن لمطلبهم ومنها حرق قلبه بقتل رضيعه على صدره، ومنها منع الماء عن عياله وأطفاله وتركهم يتلوون من العطش وهي لعمري مصائب تجعل الرجل الشجاع الجلد ينهار، ولكن الامام (عليه السلام) كان يزداد عزيمة وشجاعة كلما تكاثرت عليه الالام والجراحات ((قال حميد بن مسلم: فو الله ما رأيت مكثوراً[3] قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه، أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه (عليه السلام) إن كانت الرجّالة لتشُّد عليه فيشدُّ عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وشماله إنكشاف المعزى اذا شد فيها الذئب))[4] وقال آخر في وصف المشهد الأخير من حياة الامام الحسين (عليه السلام) وهو يحتضر ((فخرجت بين الصفين، فوقفت عليه فانه ليجود بنفسه، فوالله ما رأيت قتيلاً مضمخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيأته عن الفكر في قتله))[5].
ومن تلك الإجراءات الضاغطة على الامام الحسين (عليه السلام) لهزيمته نفسياً والتضييق عليه حتى لا يفكر بأي خيار غير الاستسلام ارسال الجيش الكثيف بنسبة ألف مقابل كل واحد من أصحاب الحسين وهي خارجة عن القواعد المألوفة في المعارك العسكرية إذ يكفي في تحقيق الغلبة أن تكون عشرة أضعاف العدد ونحو ذلك.
ومنها تأجيل المعركة عدة أيام حتى بعث ابن زياد شمراً إلى عمر بن سعد وأمره بقتال الحسين (عليه السلام) أو التنحي عن قيادة الجيش وتسّليمها إلى الشمر.
وهكذا يحاول العدو أولاً اخضاع عدوه لسيطرته ونزوله عند مطالبه لأن هذا يمثل نصراً له وان إصرار المقابل على مبادئه هزيمة له ولا يتوسل بقوة القتل والقتال الا اذا يأس من رضوخ عدوّه سواء على صعيد إركاع الأشخاص أو الحكومات والمؤسسات وغيرها وهذا ما نلمسه بوضوح في تصرفات القوى المستكبرة مع الدول الرافضة لسياستها في عالمنا المعاصر.
فعلينا أن نأخذ هذا الدرس في الإباء من أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) وهو التمسك بالمبادئ وعدم التخلي عنها مهما ضغط علينا أئمة الكفر والضلال والفسق والانحراف وسواء كانت الضغوط على نحو الاغراءات والوعود المعسولة أو على نحو الوعيد والتهديد، والانسان المؤمن يتعرض لمثل هذه الضغوط في حياة العمل أو في علاقاته مع الآخرين أو في سلوكه الاجتماعي ليتخلى عن دينه وأخلاقه ومبادئه حتى ترتاح نفوسهم المنحطّة المملوءة بالغيظ (قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ) (آل عمران:119) حسداً للمؤمنين على سموهم وطهارتهم.
[1] - من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من الوفود يوم السبت 26 محرم 1440 المصادف 6 / 10 / 2018
[2] - الاحتجاج: 2/97، الملهوف: 155
[3] - وهو المغلوب الذي تكاثرت عليه الناس فقهروه (النهاية: 4/153)
[4] - الصحيح من مقتل سيد الشهداء وأصحابه: 886 عن الارشاد: 2/111، إعلام الورى: 1/468
[5] - الصحيح من مقتل سيد الشهداء وأصحابه: 908 عن بحار الأنوار: 45/57 مروج الذهب: 3/71 الملهوف: 174