معنى (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا)
بسمه تعالى
معنى (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا) [1]
ورد في الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام) (رحم الله شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا) [2] .
أي ان شيعة أهل البيت (عليهم السلام) خلقهم الله تعالى مما فضل وتبقى من الطينة التي خلق الله تعالى منها أهل البيت (عليهم السلام) لذا فهم مرتبطون بأصلهم ومن علامات هذا الارتباط أن الشيعة يفرحون لفرح أهل البيت (عليهم السلام) ويحزنون لحزنهم.
وحينما يرد هذا الحديث فان المعنى الذي يسبق إلى الاذهان ان الشيعة يقيمون محافل الفرح والسرور وينشدون القصائد في مدائح أهل البيت (عليهم السلام) وذكر مناقبهم ويتبادلون التهاني في المناسبات المفرحة كيوم المولد النبوي والغدير وليلة النصف من شعبان، وانهم يقيمون مأتم الحزن والبكاء ويلطمون الصدور في المناسبات الحزينة كيوم عاشوراء والفاطمية وغيرها.
وهذا معنى صحيح الا انه يبقى مظهراً شكلياً اذا خلا من المضمون الحقيقي بالالتفات إلى ما يفرح أهل البيت (عليهم السلام) ويحزنهم فانهم يفرحون بطاعة الله تعالى وإقامة دينه العظيم والتزام الناس بتعاليمه وأحكامه وصلاح أمور الأمة، قال تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58) وفي دعاء الامام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة (اللَّهُمَّ أَسْعِدْنِي بِتَقْوَاكَ وَ لَا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ).
ويحزن أهل البيت (عليهم السلام) اذا عصي الله تعالى وابتعد الناس عن الدين ولم يعملوا بأحكام الله تعالى في حياتهم، كما في دعاء الامام السجاد (عليه السلام) يوم الخميس (وَ لَا تَفْجَعْنِي فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ بِارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ وَاكْتِسَابِ الْمَآثِمِ) فهو يعتبر الوقوع في الذنب والمعصية فجيعة.
فاذا أردنا أن نختبر صدق ولايتنا لأهل البيت (عليهم السلام) فلابد أن نجد في أنفسنا الفرح والسرور عندما يتحقق ما يفرح أهل البيت (عليهم السلام) كأن نرى المساجد ممتلئة بالمصلين، والناس تسارع إلى فعل الخير ومساعدة المحتاجين، وأولياء الأمور يقومون بمسؤولياتهم على أحسن وجه في إصلاح أحوال الناس، وحينما نسمع بأخبار انتصار الايمان على الكفر والفسق واقامة العدل والإحسان.
ونحزن ونتألم اذا رأينا أحداً غير ملتزم بالصلاة أو ينشغل عنها ببعض أمور اللهو و اللعب أو لا يبرمج أوقاته على أساس مراعاة أداء الصلاة في وقتها، أو نجد امرأة غير محجبة أو داراً للفسق والفجور أو وقوع ظلم على أحدٍ أو إهانة أحد وإذلاله أو استئثاراً بثروات الشعب واستخفافاً بحرمته وامتهاناً لكرامة الإنسان، لذا ترى أمير المؤمنين (عليه السلام) يتمنى الموت عند وقوع شيء من هذا الظلم من جيش معاوية في غاراته على حدود العراق، قال (عليه السلام) (... ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ، عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ والأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وقُلُبَهَا وقَلَائِدَهَا ورُعُثَهَا، مَا تَمْتَنِعُ مِنْه إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ والِاسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ ولَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً، مَا كَانَ بِه مَلُوماً بَلْ كَانَ بِه عِنْدِي جَدِيراً) [3] .
فهذه حقيقة ما يفرح الأمة ويحزنهم، وفي هذا المعنى وردت أحاديث شريفة كقول الامام الصادق (عليه السلام) (فان الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في الحديث وادى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل هذا جعفري فيسرني ذلك فيدخل علي منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر واذا كان غير ذلك دخل عليّ بلاءه وعاره وقيل هذا أدب جعفر) [4] وفي رواية موثقة عن سماعة عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (سمعته يقول: مالكم تسوؤن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال له رجل: كيف نسوؤه؟ فقال (عليه السلام): اما تعلمون ان اعمالكم تعرض عليه، فاذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسُرُّوه) [5] .
وإنما اكتسبت هذه الصفة من الفرح والحزن أهميتها لأن المشاعر والعواطف محرّكة للإنسان فالفرح يحفِّزه على المواصلة والازدياد أما الحزن فيدعوه إلى التوقف والمراجعة.
ولذا تجد المؤمن الموالي حقاً يحزن إذا فاتته صلاة الصبح في وقتها أو صلاة الليل أو صوم يوم مستحب ويحاسب نفسه ويبحث عن السبب الذي من أجله حُرم من هذه الطاعة المقرّبة إلى الله تعالى عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (إن الرجل يذنب الذنب فيحرم صلاة الليل...) [6] ويتألم اذا تلكأ في اغتنام فرصة لعمل الخير والمعروف أو أضاع شيئاً من وقته في غير ما يرضي الله تبارك وتعالى.
ألم تسمعوا من خطباء المنبر كيف فرح الامام الحسين (عليه السلام) لما قال له أحد أصحابه (أبو ثمامة عمرو بن عبد اللَّه الصائدي قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد اللَّه نفسي لك الفدا، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا واللَّه لا تُقتل حتى أُقتل دونك إن شاء اللَّه، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فرفع الحسين عليه السلام رأسه ثم قال: ذكرت الصلاة جعلك اللَّه من المصلين الذاكرين! نعم هذا أول وقتها. ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي. فقال لهم الحصين بن تميم: إنها لا تقبل. فقال له حبيب بن مظاهر: زعمت أن الصلاة من آل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لا تقبل وتقبل منك يا حمار؟!.) [7] فجزاه الامام خيراً وفرح بهذه الالتفاتة لما يحب الله ويرضاه وهم وسط تلك المعركة الرهيبة التي خاضها العدو بكل وحشية وهمجية وقسوة.
[1] - من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من شباب بغداد/منطقة التاجي يوم السبت 5/ محرم /1440 المصادف 15 / 9 / 2018
[2] - بحار الأنوار: 53/303
[3] - نهج البلاغة، الخطبة: 27، ص70
[4] - وسائل الشيعة / كتاب الحج / أبواب احكام العشرة في السفر/ الباب 1/ ج2
[5] - الكافي: 1/171 ، ح 3
[6] - وسائل الشيعة: ج 15/ ص 302، الباب 40 من جهاد النفس
[7] - كتب الطبري في تاريخه والخوارزمي في المقتل، وورد في الكامل في التاريخ والعوالم وأعيان الشيعة: