فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بسم الله الرحمن الرحيم
(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل:98)
شرحنا سابقاً وجه الحاجة المستمرة إلى الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم في تفسير قوله تعالى (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الأعراف:200) وشرحنا معنى الاستعاذة وانها ليست مجرد تحريك لسان وإنما هي حالة معنوية يعيشها الانسان.
وكان الأمر بالاستعاذة عاماً لكن الملفت ان الله تعالى خصَّ مورداً واحداً بالذكر طلب فيه الاستعاذة وهو عند قراءة القرآن ولا سيما في الصلاة التي هي معراج المؤمن، قال تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) واختيار وصف الرجيم له لزيادة التنفير منه وللتذكير بتمرده وعصيانه على الخالق العظيم مما اوجب رجمه وطرده.
وقوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ) يشير الى حالة الابتداء بالقراءة وان كان بصيغة الماضي كما لو قلت اذا اردت الذهاب الى كذا فخذ معك كذا، ويمكن ان يراد به بعد الانتهاء من القراءة كما هو ظاهر صيغة الماضي، وكون الامر بالاستعاذة جواب الشرط فتحقيق معنى الاستعاذة مطلوب قبل وبعد واثناء تلاوة القرآن وكان العبارة (( لما تقرأ القران استعذ بالله من الشيطان الرجيم)) اما قبلها فلازالة المعوّقات عن التدبر في الآيات والاستفادة منها وخلق البيئة النقية لتلقي المعارف القرآنية وتوجيه كل المشاعر الى الله تعالى ، واما اثناءها فلمنع الشيطان من التشويش وخلط الأفكار والايحاء بمعاني مخالفة لمراد المنزل العظيم كالذين قال تعالى فيهم (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة : 125).
واما بعد القراءة فللمحافظة على ما حصل عليه من بركات القران الكريم علما وعملا.
في مصباح الشريعة عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (قراء القرآن يحتاج الى ثلاثة أشياء، قلب خاشع وبدن فارغ وموضع خال، فاذا خشع لله قلبه فرِّ منه الشيطان).
فشرط الاستفادة من القرآن الكريم وفهم معانيه تنقية نفس الانسان بالتقوى وتطهير القلب، في الحديث الشريف (لولا ان الشياطين يحومون حول قلوب بني ادم لنظروا الى ملكوت السماوات) [1].
[1] ) بحار الانوار : 56/163