أنظر في الموضوع من جميع الجهات حتى تكتمل الصورة ثم تتخذ القرار
أنظر في الموضوع من جميع الجهات حتى تكتمل الصورة ثم تتخذ القرار
روى الشيخ الكليني في الكافي والشيخ الصدوق في الأمالي بالإسناد عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله اني راغب في الجهاد نشيط، قال: فجاهد في سبيل الله فانك إن تقتل كنت حياً عند الله ترزق وإن مت فقد وقع أجرك على الله وإن رجعت خرجت من الذنوب كما ولدت، فقال: يا رسول الله إن لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أقم مع والديك، فوالذي نفسي بيده لانسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة.)[1].
وروى ابو داود في سننه بسنده عن جابر بن عبدالله الانصاري أنه قال (كنّا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب فقال: يا رسول الله! أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن، فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم اتاه من قبل ركنه الايسر، فاعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم اتاه من خلفه، فأخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة، ثم يقعد يستكفُّ الناس! خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)[2].
أردت بضم هذين الحديثين الى بعضهما استنتاج حقيقة مهمة في سلوكنا وهي عدم الاندفاع والحماس وراء أمر معّين نجد فيه رجحاناً معيناً مالم نلحظ فيه الجهات الأخرى لعله يوجد أمر اخر أرجح منه واولى، ومن دون ذلك نقع في المحذور أو نترك الأولى الذي كان ينبغي فعله. ففي الرواية الأولى ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فضل الجهاد وأجر المجاهد سواء قتل في المعركة، أو مات بلا قتال أو عاد سالماً الى أهله لكن الأمر لما تعارض مع برّ الوالدين والإحسان اليهما وهما محتاجان الى الرعاية وتسبب في اذى الوالدين ولم يكن واجباً عينياً أمره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بترك الجهاد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والبقاء عند والديه لوجود من يقوم مقامه في الجهاد.
وكذلك الصدقة فانها من القربات الاكيدة التي يضاعف الأجر فيها (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ) (البقرة:261) لكنها لما تركت صاحبها فقيراً لا يملك قوت نفسه وأهله، رفض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تسلّم صدقته رغم طلبه المتكرر واعرض (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه لأنه لا يرضى بأذلاله وذلة اهله اذا بقي فقيراً معدماً.
روى في كتاب الاختصاص بسنده عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ابدأ بمن تعول: أمَّك وأباك وأختك وأخاك، ثم ادناك فأدناك، وقال: لاصدقة وذو رحم محتاج)[3].
فلابد من الرجوع الى أهل الرشد والحكمة والخبرة في أمور الحياة والدين والمجتمع لأخذ التوجيه والنصيحة قبل اتخاذ أي قرار خصوصاً المهم منها لمعرفة عواقب الأمور بإذن الله تعالى فانه (ما خاب من استشار).
ويحضرني هنا مثال لهذه الفكرة التنموية يعرفه المهندسون بوضوح وهو انك اذا اردت أن تعرف أجزاء وتفاصيل جسم موضوع بين يديك، فلا يكفي أن تنظر اليه والى مسقطه من جهة واحدة لوجود معالم مبهمة لا تظهر فيها. لذا يأخذ المختص منظراً أمامياً وجانبياً وعلوياً لتكتمل عنده الصورة.
21 شعبان 1438
المصادف
18 / 5 / 2017
[1] - الكافي: 2/128 ح 10، أمالي الصدوق: 8/373، وسائل الشيعة: 15/20 باب 2 ح 1
[2] - سنن ابي داود: 1/337 باب الرجل يخرج من ماله، ح 1673
[3] - بحار الانوار: 96/147 ح 24 عن الاختصاص:219