درس نبوي في علو الهمة وطلب المعالي

| |عدد القراءات : 1329
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى 

درس نبوي في علو الهمة وطلب المعالي[1]

في كتاب الكافي بسنده عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: ( ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان نزل على رجل بالطائف قبل الإسلام فأكرمه فلما ان بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) الى الناس قيل للرجل: أتدري من الذي أرسله الله عز وجل إلى الناس؟ قال: لا، قالوا له: هو محمد بن عبد الله يتيم أبي طالب وهو الذي كان نزل بك بالطائف يوم كذا وكذا فأكرمته، قال:  فقدم الرجل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلم عليه وأسلم، ثم قال له: أتعرفني يا رسول الله؟ قال: ومن أنت[2]؟ قال: أنا رب المنزل الذي نزلت به بالطائف في الجاهلية يوم كذا و كذا فأكرمتك فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): مرحبا بك سل حاجتك، فقال: أسألك مأتي شاة برعاتها، فأمر له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما سأل، ثم قال لأصحابه: ما كان على هذا الرجل أن يسألني سؤال عجوز بني إسرائيل لموسى (عليه السلام) بما سأل، فقالوا: وما سألت عجوز بني إسرائيل لموسى؟ فقال: إن الله عز ذكره أوحى إلى موسى أن أحمل عظام يوسف من مصر قبل أن تخرج منها إلى الأرض المقدسة بالشام فسأل موسى عن قبر يوسف (عليه السلام) فجاءه شيخ فقال: إن كان أحد يعرف قبره ففلانة، فأرسل موسى (عليه السلام) إليها فلما جاءته قال: تعلمين موضع قبر يوسف (عليه السلام)؟ قالت: نعم قال: فدليني عليه ولك ما سألت: قال: لا أدلك عليه إلا بحكمي، قال: فلك الجنة، قالت: لا إلا بحكمي عليك، فأوحى الله عز وجل إلى موسى لا يكبر عليك أن تجعل لها حكمها فقال: لها موسى فلك حكمك، قالت: فإن حكمي أن أكون معك في درجتك التي تكون فيها يوم القيامة في الجنة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كان على هذا لو سألني ما سألت عجوز بني إسرائيل.)[3]

يعلمنا النبي (صلى الله عليه وآله) أن تكون هممنا عالية وطموحاتنا كبيرة ومطالبنا عظيمة كهذه العجوز التي لم تكتفِ بدخول الجنة وأصرّت على ان تكون بدرجة النبي الرسول الكريم موسى بن عمران (عليه السلام)، لأننا انما نطلب من الله تعالى الواسع الكريم الذي لا تنفد خزائنه ولا يزيده كثرة العطاء الا جوداً وكرماً (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ) (ص:54) وان لا نجعل همّنا في الامور الدنيوية الزائلة التي تذهب لذتها وتبقى تبعتها.

فطالب العلوم الدينية لا يكون هدفه ان يستأكل بعلمه أو يطلب به الجاه بين الناس أو ليماري به الخصوم ويتغلب عليهم فيشعر بلذة الانتصار ونحو ذلك.

والتاجر لا يكون همه مجرد زيادة أمواله وأرصدته حتى يشار اليه بالبنان بغضّ النظر عن مصادر هذه الاموال، وانما ليوظف ماله في طاعة الله تعالى ومساعدة المحتاجين والمشاركة في المشاريع الخيرية وصرفها في موارد البر والاحسان.

والذي يتبوأ موقعاً حكومياً أو اجتماعياً لا يكون همه الاستعلاء والاستكبار والاستحواذ على المال العام بغير الحق وانما يبذل وسعه في اسعاد الناس وتوفير الحياة الحرة الكريمة لهم.

فلا ينبغي ان تكون عجوز بني إسرائيل أكثر بصيرة ومعرفة بحقائق الأمور منّا وقد نهلنا من القرآن الكريم وعلوم أهل البيت (عليهم السلام) ولا شك ان الهمم العالية والطموحات الكبيرة تحتاج الى حركة دؤوبة وجهد مضني متواصل لتتحقق الثمرة بأذن الله تعالى، كما قال الشاعر:

واذا كانت النفوس كبارا                  تعبت في مرادها الاجسامُ

لكن هذا التعب والمعاناة سيذهب وتبقى الثمرة الطيبة والنتيجة المرضية عند الله تعالى.

 



[1] - من حديث سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من طلبة دورات التنمية البشرية وصنع قادة المستقبل مع اساتذتهم يوم 19/ج2/1438 المصادف 18/3/2017

[2] - لم يقل النبي (صلى الله عليه وآله) لم أعرفك لانه كان يتذكره أكيداً كما يتذكر كل محسن، وانما سأله ليعرّف نفسه للحاضرين ويروي الحادثة.

[3] - الكافي: 8/155