تصحيح الأفكار وسيلة إصلاح الأفعال
بسمه تعالى
تصحيح الأفكار وسيلة إصلاح الأفعال[1]
روي عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قوله (العقول أئمة الأفكار ، و الأفكار أئمة القلوب ، و القلوب أئمة الحواس ، و الحواس أئمة الأعضاء) [2] .
وهذه حقيقة مهمة يجب ان يلتفت اليها المهتمون بالتربية والإصلاح الاجتماعي ومكافحة الفساد والانحراف، خلاصتها ان من يريد إصلاح الأفعال والسلوكيات المنحرفة في المجتمع فلابد ان يفكر في اصلاح مناشئها ومحركاتها، فإن هذه الأعضاء كاليد التي تسرق وتقتل والرجل التي تسعى الى المعصية و العين التي تخون بنظراتها و اللسان الذي يلوك بالباطل ما تحركت إلا بأمر انعقد عليه القلب ومالت إليه النفس، و هذا لا يحصل الا بعد أن انقدحت فكرته في العقل أو القاها إليه أحد فاقتنع بها، فجذور الأفعال تبدأ من هنا و تمر بهذه المراحل.
خذ مثلاً ما يرتكبه المجرمون من الدواعش وغيرهم من قتل وتدمير وتشريد فإن اعضائهم ما سعت الى هذه الأفعال الشريرة الا عبر خطوات ومراحل سبقتها، خطّط لها شياطين الجن والإنس من الاولين والآخرين وزينوها لهم فتراهم يصرون على تسمية شيعة اهل البيت (عليهم السلام) بالرافضة ليغروا المخدوعين بقتل الشيعة وتفجير مساجدهم وتجمعات اسواقهم حيث وضع لهم اسلافهم حديث كذب و زور ونسبوا روايته الى علي عليه السلام و انه قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيأتي بعدي قومٌ لهم نبز يقال لهم الرافضة، إن لقيتهم فأقتلهم! فإنهم مشركون، قلت: يا نبي الله! ما العلامة فيهم؟ قال: يقرظونك بما ليس فيك ويطعنون على اصحابهم ويشتمونهم)[3] .
ورووا عن ابن عباس قال (كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) و عنده علي (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله) يا علي: سيكون في امتي قومًُ ينتحلون حب أهل البيت، لهم نبز يسمون الرافضة قاتلوهم فإنهم مشركون)[4] وأكثر منها ابن تيمية في كتابه (الصارم المسلول).
وهذه كلها أحاديث مخالفة للقرآن الذي أمر بولاية أهل البيت (عليهم السلام) و مودتهم ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى:23) فهي مكذوبة و مفتراة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكن أعداء أهل البيت (عليهم السلام) استطاعوا بها سل َّ سيوف البغي والظلم والعدوان على أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، روى أبو بصير قال (قلت لأبي جعفر (عليه السلام) جُعلتُ فداك اسم سُمّينا به استحلّت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا قال: ما هو؟ قال الرافضة فأجابه الإمام (عليه السلام) بما يطيّب خاطره ويخفّف عنهم آلامهم وقال (عليه السلام) (ذلك اسم قد نحلكموه الله) وشرح له منشأ التسمية فقال (عليه السلام) (إن سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى (عليه السلام) فلم يكن في قوم موسى (عليه السلام) أحد أشدّ اجتهاداً ولا أشدّ حباً لهارون منهم فسماهم قوم موسى الرافضة، فأوحى الله إلى موسى أن ثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد نحلتهم)[5].
فإذا اردنا لم شمل المسلمين حقاً و القضاء على الإرهاب فلابد أن نزيل هذه الأفكار الضّالة من كتبهم التي يتدارسونها وقد يكون العمل عبثياً و استنزافياً اذا شُغلنا بمكافحة الإرهاب و الفساد من دون اصلاح جذوره، ولاشك ان الحوزات و المؤسسات الدينية هي المعنيّة اولاً قبل غيرها بتصحيح هذه الأصول التي بنيت عليها العقيدة والسلوك، وقد تناولنا في مناسبات مختلفة تصحيح الفهم لعدد من المصطلحات والمفاهيم كالجاهلية في كتاب شكوى القرآن.
تصحيح فكرتنا عن معنى الدين و المرجعية الدينية
حتى ان نفس مصطلح الدين تعرض للتحجيم والتقزيم تبعاً لإقصاء الدين عن شؤون الحياة العامة للمجتمع ليصبح مقتصراً على أداء العبادات الفردية فيوصف الشخص بأنه متدين اذا أطال لحيته و تختم في يمينه و امسك بسبحة وقد يكون ظالماً في معاملاته و قاسياً في علاقاته مع الاخرين و حقودا وحسودا وانانيا و متعاليا ونحو ذلك ، وهذا لا ينسجم مع مفاد الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة فإنها تعطي للدين معاني إنسانية نبيلة أوسع مما يفهمه المتدينون فضلا عن غيرهم تبدأ من معناه اللغوي و يعني الطاعة والتسليم والانقياد لله تبارك وتعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) (آل عمران:19) ويمتد الى العلاقات الاجتماعية و النزعات النفسية والمنظومة المعرفية، كقوله (عليه السلام) (اصل الدين أداء الأمانة و الوفاء بالعهود ) وقوله (غاية الدين الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و إقامة الحدود) و قوله(عليه السلام) (الصدق رأس الدين ) و قوله (عليه السلام) (نظام الدين خصلتان : انصافك من نفسك و مواساة اخوانك) وقوله(عليه السلام) ( ثلاث هنّ جماع الدين : العفة والورع والحياء)[6]
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا، وهل الدين إلا الحب ؟ إن الله يقول: (إن كنتم تحبون الله فا تبعوني يحببكم الله) , وقال: (يحبون من هاجر إليهم) وهل الدين إلا الحب)[7]. وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الدين النصيـــــحة)[8] ونحو ذلك من الأمور المفقودة في المجتمع الموصوف بالمتديّن فضلاً عن غيره.
هذا التقزيم والتحجيم في فهم معنى الدين ساهم في خلق مفهوم ضيق لدور المؤسسة الدينية في الحياة وانحسار دور علماء الدين و الحوزة الدينية بل المرجعية الدينية ليقتصر على طبع الرسالة العملية و الاكتفاء بإلقائها الى المكلفين و عدم السعي لإقامة دين الله تعالى كما أمر الله (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) (الشورى:13) وإقناع البشرية به ليدخلوا في دين الله افواجا.
فوصف المرجع بأنه(مرجع ديني) يلزمه بالقيام بكل مسؤوليات الدين و تفاصيله، والدين عقيدة و سلوك و احكام و اخلاق و ادارة لشؤون الامة ورعاية لمصالحها و مقاومة للظلم و الفساد و الانحراف و سعي دؤوب لإعمار الحياة وغير ذلك، و الا كان مقصراً، فتصحيح فهم الدين و المؤسسة الدينية و المرجعية الدينية بشكل واقعي و حقيقي يقود الى تفّهم المسؤوليات و الوظائف، ومن هنا تبرز اهمية تصحيح الأفكار و المصطلحات.
وهذه المنظومة من الأفكار و المعارف الحقيقية المستندة الى ادلة و حجج صحيحة و ليس الى أوهام و تسويلات النفوس الاْمارة بالسوء هي المعبّر عنها في الآيات الكريمة و الاحاديث الشريفة بالبصيرة التي تقود سلوك عباد الله الصالحين و يسيرون بهداها ، قال تعالى (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف:108)
[1] - من حديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من فضلاء جامعة الصدر الدينية في النجف الاشرف. يوم الثلاثاء 11/ع2 /1438 المصادف 10/1/2017
[2] - مستدرك وسائل الشيعة :11/206ح12751
[3] - كنز العمال، الحديث: 31634
[4] - مجمع الزوائد للهيثمي: 10/25
[5] - المحاسن للبرقي 119 كتاب الصفوة والنور- باب24: ح92.
[6] - راجع مصادر هذه الاحاديث في ميزان الحكمة:3/316
[7] - البحار : 27 / 95
[8] - مستدرك الوسائل 13 ص327 و روضة الواعظين 2/ 425.