الجهة الثانية: حقيقة الإحرام
الجهة الثانية: حقيقة الإحرام
وهي متقومة بأمرين: أحدهما النية، والآخر التلبية، أما لبس ثوبي الإحرام فهو ليس مقوماً للإحرام ولكنه أحد واجباته الذي يتنجّز وجوباً بمجرد النية والتلبية، لذا فيفترض بالمحرم أن يكون قد تجرّد من ملابسه الاعتيادية ولبس ثوبي الإحرام قبل أن ينوي ويلبي.
(أولاً) النية: وهي نية الإنسان الدخول في النسك –وهي العمرة هنا- فيصبح متلبساً فعلاً بعنوان العمرة، كالذي يتلبس بعنوان الصلاة بتكبيرة الإحرام، والدخول في النسك يستلزم تحريم أشياء عديدة على نفسه بإحرامه، ولا يلزم فيها تصور تلك الأشياء تفصيلاً، بل تكفي نية تحريمها على وجه الإجمال.
وإلى جانب ذلك لا بد أن تتوفر في هذه النية الأمور التالية:
1- إن الإحرام بما أنه جزء العبادة فيجب أن ينويه باسم تلك العبادة المميزة لها شرعاً، فإذا أراد المكلف أن يأتي بعمرة التمتع من فريضة حج التمتع من حجة الإسلام، فعليه أن ينوي الإحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام، وإذا أراد أن يأتي بحج التمتع من حجة الإسلام، فعليه أن ينوي الإحرام لحج التمتع من حجة الإسلام، وهكذا فلو أحرم من دون تعيين لم يصح.
ولا يجب التلفظ بالنية والنطق بما ينويه وإن جاز له ذلك، بل استحب بأن يقول: (أُحرم لعمرة التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى) وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام) وإذا كان الحج واجباً بالنذر أو العهد أو اليمين أو بالإفساد قصد الحج الواجب بذلك بديلاً عن قصد حجة الإسلام.
2- أن يقصد القربة والطاعة لله تبارك وتعالى بإحرامه لعمرة أو حج.
3- أن يقصد بإحرامه للعمرة أو الحج، الإخلاص ونقصد بذلك عدم الرياء، فالرياء في العبادة مبطل لها.
(ثانياً) التلبية: وبها ينعقد الإحرام كما تنعقد الصلاة بتكبيرة الإحرام ويتحقق بها الدخول في العبادة، أما حج القران فيمكن أن ينعقد بالتلبية أو الإشعار أو التقليد كما سيأتي بإذن الله تعالى.
وتتكون التلبية من أربع فقرات، وصورتها أن يقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. (والأحوط استحباباً أن يضيف إلى ما تقدم جملة أخرى بهذه الصيغة): إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك) وليجتهد أن يكون حاضر القلب مجيباً لدعوة ربه.
فإذا نوى الإحرام لعمرة التمتع مثلاً، ولبى وانعقد إحرامه أصبح محرماً شرعاً، وحرمت عليه أشياء عديدة معينة. وأما إذا نوى ولم يلبّ لم ينعقد إحرامه شرعاً، ولم يحرم عليه ما يحرم على المحرم.
(مسألة – 163) لا يعتبر في صحة الإحرام العزم من المحرم حين النية على عدم ارتكاب ما يحرم زائداً على ما تقدم سابقاً، نعم قد يقال باعتبار العزم من المحرم على ترك خصوص الجماع والاستمناء عند النية في صحة الإحرام، ولكن الأقوى أنهما كسائر المحرمات.
(مسألة – 164) إذا نوى في مكان عمرة التمتع حج التمتع أو بالعكس لجهله بالحكم أو عن غفلة، فإن كان من نيته الإتيان بالعمل الذي أراده الله سبحانه منه الآن وأوجبه عليه وما يأتي به الآخرون وأتى بما يجب عليه وكان الاشتباه في اسم العمل صح عمله، والأفضل تجديد النية بعدما تنبه لذلك.
(مسألة – 165) إذا ظن أن حج التمتع مقدم على عمرة التمتع لجهله بالحكم أو عن غفلة، وفي الميقات أحرم بنية حج التمتع ليمضي إلى عرفات والمشعر وبعد الإتمام يأتي بالعمرة بطل إحرامه، ويجب عليه تجديد الإحرام من الميقات، وإن تجاوز عن الميقات يجب عليه الرجوع إليه.
وإن لم يمكنه الرجوع فإن كان خارج الحرم جدد الإحرام هناك، وإن كان في الحرم رجع إلى خارجه إن أمكنه ذلك وجدد الإحرام من خارج الحرم وإلا أحرم من الحرم. وفي كل هذه الصور عليه أن يرجع إلى الوراء بالمقدار الممكن على الأحوط ثم يجدد الإحرام.
(مسألة –166) يجب على المكلف أن يتعلم ألفاظ التلبية وصيغها، ويحسن أداءها بصورة صحيحة ويكفي في أدائها أن يقوم شخص بتلقينه بهذه الكلمات والصيغ، بأن يتابعه في النطق بها.
وأما إذا لم يُتح له أن يتعلم تلك الألفاظ، ولم يتيسّر له التلقين فيجب عليه التلفظ بما تيسّر له منها، والأحوط الأولى أن يأتي إضافة إلى ذلك بما يدل على معاني تلك الألفاظ، ويستنيب أيضاً من يحسن التلبية كاملة لأدائها نيابة عنه.
(مسألة – 167) تلبية الأخرس إنما هي بإشارته بإصبعه مع تحريك لسانه.
(مسألة – 168) إذا كان الصبي غير مميز، ولم يقدر على التلبية لبى عنه وليه.
(مسألة – 169) الأقرب أن لبس ثوبي الإحرام ليس من شروط صحة الإحرام، بل هو واجب مستقل على من يحرم، ومن هنا إذا ترك لبسهما وأحرم في ثيابه الاعتيادية صح إحرامه، وانعقد وإن اعتُبر آثماً.
(مسألة – 170) كما ينعقد إحرام حج القران بالتلبية فهو ينعقد بالإشعار، أو التقليد للهدي الذي يصطحبه معه، والتقليد مشترك بين الناقة وغيرها من أقسام الهدي، وأما الإشعار فالمشهور أنه مختص بالناقة، والإشعار هو أن يشق سنام الإبل من الطرف الأيمن ويلطخه بدمه، والتقليد هو أن يعلق في رقبة هديه نعلاً خلقاً قد صلى فيه وهو الأفضل، وإن كان يمكن الاكتفاء بتعليق أي شيء لهذا الغرض، وإذا كان الإحرام بالإشعار فالأولى والأجدر ضم التقليد إليه أيضاً، والإحرام بالتلبية هو الأحوط منهما.
(مسألة – 171) لا تشترط الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر في صحة الإحرام، فيصح من المحدث بالحدث الأكبر كالجنب والحائض والنفساء، ومن المحدث بالأصغر.
(مسألة – 172) لا يجب في النية إخطار الصورة التفصيلية لفريضة حج التمتع وغيرها، بل يكفي له أن ينوي الإتيان بواجباتها إجمالاً ثم يتعلمها ويأتي بالتدريج بها، كما لا تجب الإشارة إلى الوجوب أو الاستحباب.
(مسألة – 173) يجب على من اعتمر عمرة التمتع أن يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة القديمة، ونقصد بها مكة في زمن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). وعلى من اعتمر العمرة المفردة إذا جاء من الخارج أن يقطع التلبية على الأحوط عند دخول الحرم، وإذا كان في مكة وخرج منها إلى أدنى الحل واحرم منه للعمرة المفردة أن يقطع التلبية على الأحوط عند مشاهدة بيوت مكة القديمة، أما من أحرم للحج فيقطعها عند زوال يوم عرفة.
(مسألة – 174) إذا شك المكلف بعد الإتيان بالتلبية أنه أتى بها صحيحة أو لا، بنى على الصحة تطبيقاً لقاعدة الفراغ، وإذا شك في أنه لبى أو لا، فإن كان قد تجاوز الميقات لم يعتن بشكه تطبيقاً لقاعدة التجاوز، وإلا وجبت عليه التلبية.
(مسألة – 175) إذا نوى الإحرام ولبس الثوبين وشك في أنه لبى أو لا، بنى على أنه لم يلبِّ، فيجوز له ارتكاب ما يحرم على المحرم.
(مسألة – 176) إذا أتى المكلف بما يوجب الكفارة، وشك في أنه كان بعد التلبية حتى تجب عليه، أو قبلها حتى لا تجب، فالأظهر عدم وجوبها، بدون فرق في ذلك بين أن يكون كلاهما مجهولي التأريخ، أو التأريخ الزمني لأحدهما معلوماً وللآخر مجهولاً.
(مسألة – 177) يستحب غسل الإحرام في الميقات حتى من الحائض والنفساء أيضاً على الأقوى، وإذا خشي المسافر عدم تيسر الماء في الميقات جاز له أن يغتسل قبل ذلك، فإن وجد الماء في الميقات أعاد، وإذا اغتسل ثم أحدث بالأصغر، أو أكل أو لبس ما يحرم على المحرم قبل أن يحرم أعاد غسله.([1])
([1]) - سؤال: هل يجوز تقديم غسل الإحرام عن الميقات؟
بسمه تعالى: إذا خشي المسافر عدم تيسر الماء في الميقات جاز له أن يغتسل قبل ذلك، فان وجد الماء في الميقات اعاد.
سؤال: هل ينتقض غسل الإحرام بارتكاب بعض محظورات الإحرام كالطيب؟
بسمه تعالى: لا ينتقض الغسل الاول بمعنى ان لوازم الطهارة المترتبة عليه تستمر الا انه يستحب اعادته من باب عدم الفصل بين الغسل والاحرام بما ينافي احكام الاحرام.
سؤال: ما هو مقدار الفصل بين الإحرام وغسله؟
بسمه تعالى: لا مانع من الفصل الزماني بين الغسل والاحرام بمعنى كفاية الغسل اول النهار للإحرام في تمام النهار وكفاية الغسل اول الليل للإحرام في تمام الليل.