العمرة
العمــــرة
وهي واجبة على المستطيع في العمر مرة واحدة كالحج
والعمرة على نوعين:
(الأول): العمرة المفردة، وهي مستحبة باستثناء العمرة الأولى للمستطيع، الذي تكون المسافة بين منزله وبين المسجد الحرام دون ستة عشر فرسخاً (أي دون 88 كيلومتراً)، فيما اذا لم يستطع الحج؛ لأن وظيفته مع الاستطاعة للحج، أن يحج ويعتمر مبتدئاً بالحج ومنتهياً بالعمرة على الأحوط. وتسمى مثل هذه الحجة بحجة الإفراد، وتعتبر العمرة فيها عملاً مستقلاً عن الحج، وليست جزءاً له، ولهذا تسمى بالعمرة المفردة. نعم تجب العمرة المفردة على من يبعد منزله عن مكة أكثر من المسافة المذكورة، إذا لم يتمكن من الحج، وتمكن من العمرة، فيجب عليه أن يأتي بها مفردة.([1])
(الثاني): عمرة التمتع، وهي جزء من فريضة حج التمتع ، وعلى كل من يستطيع مالاً وبدناً وأمناً، ويبعد منزله عن المسجد الحرام ستة عشر فرسخاً أو أكثر من ذلك ، أن يعتمر ويحج بادئاً بالعمرة ومنتهياً بالحج، وتسمى الحجة التي تبدأ بالعمرة وتنتهي بالحج بحجة التمتع، فالعمرة تعتبر الجزء الأول من حجة التمتع، ولا تجب عليه العمرة المفردة وإن استطاع ذلك.([2])
وبكلمة مختصرة: إن وظيفة القريب حج الإفراد والعمرة المفردة، بادئاً بالحج، ثم بالعمرة على الأحوط، ووظيفة البعيد حج التمتع بادئاً بالعمرة ثم بالحج، ولا ترتبط صحة حج الإفراد بالعمرة المفردة، فلهذا لا يمثلان عبادة واحدة، بل عبادتين مستقلتين، ولا يستلزم بطلان أحدهما بطلان الأخرى، بينما ترتبط صحة حج التمتع بعمرة التمتع، فلهذا يمثلان عبادة واحدة، فبطلان أي منهما يستلزم بطلان الآخر.
(مسألة – 119) كل من أراد أن يحج حجاً استحبابياً، سواء أكان قريباً أم بعيداً، تخيّر بين حج التمتع أو الإفراد أو القران، وإن كان الأول أفضل، وإذا أراد أن يأتي بالعمرة في غير موسم الحج، فلا بد من أن يأتي بالعمرة المفردة، ولا يجوز له الإتيان بعمرة التمتع إلا في أشهر الحج.
(مسألة – 120) يستحب الإتيان بالعمرة المفردة في كل شهر، ولا إشكال في جواز الإتيان بعمرة في شهر وإن كان في آخره، وبعمرة أخرى في شهر آخر وإن كان في أوله، والأقوى جواز الإتيان بعمرتين في شهر واحد خلافاً للمشهور الذي منع من ذلك فيما إذا كانت العمرتان عن نفس المعتمر أو عن شخص آخر.([3])
ونحن ننصح هنا من أراد أن يعتمر عمرة بعد عمرة بلا فاصل أن ينويها نيابة عن المعصومين (سلام الله عليهم) لما فيها من الأجر المضاعف أو ينويها عن والديه وأقربائه، لأنه سينال نفس الأجر وزيادة مع وصول مثله إلى الآخرين ويتخلص من احتمال اشتراط الفصل .
وعلى المشهور فإنه لا إشكال فيما إذا كانت إحدى العمرتين عن نفسه والأخرى عن غيره، أو كانت كلتاهما عن شخصين غيره، كما لا إشكال فيما إذا كانت إحداهما العمرة المفردة والثانية عمرة التمتع، فمن اعتمر عمرة مفردة يجوز له الإتيان بعمرة التمتع بعدها ولو كانت في نفس الشهر بلا إشكال، وكذلك الحال في الإتيان بالعمرة المفردة بعد الفراغ من أعمال حج التمتع.
ولا يجوز الإتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتع والحج.
(مسألة – 121) مرّ أن العمرة المفردة تجب على القريب بالاستطاعة، ولا تجب على البعيد، وأما بالنذر أو اليمين أو العهد أو الشرط في ضمن العقد، فهي تجب على القريب والبعيد على حد سواء.
موارد التطابق بين نوعي العمرة:
1- الإحرام: وصورته أن يلبس المكلف ثوبي الإحرام، وينويه ويلبي بقصد القربة، فإذا لبّى كذلك انعقد الإحرام، وأصبح محرماً، وحرمت عليه أشياء معينة سيأتي شرحها ضمن المسائل القادمة.
2- الطواف: وهو أن يقف إلى جانب الحجر الأسود، مراعياً أن يكون البيت الشريف إلى جانبه الأيسر، فيطوف حوله سبع مرات، بادئاً في كل مرة بالحجر، ومنتهياً في كل مرة إليه.([4])
3- صلاة الطواف: وهي ركعتان مخيراً فيهما بين الجهر والإخفات.
4- السعي بين الصفا والمروة: وهو أن يبدأ الإنسان بالصفا وينتهي بالمروة، ويعود من المروة إلى الصفا، وهكذا سبع مرات.
موارد الافتراق بين نوعي العمرة:
1- موضوع عمرة التمتع من الناحية الزمانية أشهر الحج، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة، بينما يكون موضوع العمرة المفردة من الناحية الزمانية تمام شهور السنة، وأفضلها للعمرة المفردة شهر رجب.
2- تشتمل العمرة المفردة على طواف آخر يسمى بطواف النساء، وهو آخر ما يأتي به المعتمر في هذه العمرة، بينما لا تشتمل عمرة التمتع إلا على طواف واحد.
3- لا يخرج المحرم عن الإحرام في عمرة التمتع إلا بالتقصير، بينما يخرج في العمرة المفردة بأحد أمرين: إما بالتقصير أو الحلق.
4- تمثل عمرة التمتع وحج التمتع عبادة واحدة، فلا يصح إنجاز العمرة بصورة مستقلة عن حج التمتع، ولا بد من إنجازهما في سنة واحدة في أشهر الحج، خلافاً للعمرة المفردة، فإنها لا تمثل مع حج الإفراد عبادة واحدة، بل هي تعتبر عبادة مستقلة عن الحج، ولهذا يجوز الإتيان بعمرة مفردة في سنة، وحج الإفراد في سنة أخرى.
5- لا يصح الإحرام لعمرة التمتع إلا من أحد المواقيت الخمسة، أو من محاذاتها، بينما يجوز الإحرام للعمرة المفردة من أدنى الحل في حالة عدم المرور على أحد تلك المواقيت ولا على محاذاته.
6- مرّ أن عمرة التمتع بما أنها مرتبطة بحج التمتع ثبوتاً وسقوطاً، ولا يصح إتيانها بصورة مستقلة عن الحج، فلذلك كل من أراد أن يأتي بعمرة مستحبة يتعين عليه أن يأتي بعمرة مفردة.
7- إن من تكون وظيفته حج التمتع، فلا تكتمل استطاعته إلا أن تتوفر بالنسبة إلى كلا الجانبين معاً، من عمرة التمتع وحجة التمتع، فإذا كان مستطيعاً للحج دون عمرة التمتع فلا يجب عليه شيء منهما، وهذا بخلاف من تكون وظيفته حج الإفراد، فإنه يكفي لكل من الحج والعمرة استطاعته، فإذا استطاع للحج وجب عليه الحج دون العمرة، وإذا استطاع للعمرة وجبت عليه العمرة دون الحج، وإذا استطاع للاثنين وجب عليه الاثنان مقدماً الحج على العمرة على الأحوط.
مسائل:
(مسألة – 122) كل شخص أراد الإتيان بالعمرة المفردة، فإذا مر على أحد المواقيت أو من محاذاته التي يحرم منها لعمرة التمتع، وجب عليه أن يحرم منه، ولا يجوز له الاجتياز بدون إحرام بقصد الإحرام من أدنى الحل، وأما من كان في مكة وأراد الإتيان بالعمرة المفردة، فيجوز له أن يخرج من الحرم ويحرم لها من أدنى الحل، وهو النقطة التي تنتهي فيها منطقة الحل، وتبدأ منطقة الحرم المحيطة بمكة، والأولى أن يكون إحرامه من أحد الأمكنة التالية: الحديبية، أو الجعرانة([5])،بينما لا يصح إحرام عمرة التمتع إلا من أحد المواقيت الخمسة، أو من محاذاتها، حتى لمن كان في مكة، وأراد الإتيان بها، فإن عليه أن يخرج إلى أحد تلك المواقيت، والإحرام منه، إلا إذا لم يتمكن من الذهاب إليه، وحينئذٍ فإن تمكن من الخروج عن الحرم والإحرام من هناك وجب، وإلا فمن مكانه، على تفصيل يأتي في ضمن المسائل الآتية.
(مسألة – 123) من خرج من مكة بعد الفراغ من أعمال الحج، أو بعد الإتيان بالعمرة المفردة، إذا أراد الدخول إليها مرة ثانية، جاز بدون إحرام إذا كان قبل مضي الشهر الذي أتى بالحج أو العمرة المفردة فيه.
وأما غيره فلا يجوز له الدخول بدون إحرام، إلا من يتكرر دخوله فيها، والخروج منها كالحطاب والحشاش والمجتلبة، ويشمل الحكم كل من يتكرر دخوله فيها والخروج منها لحاجة تتطلب ذلك، كالممرض والمعلم والطالب الجامعي أو غير ذلك.
(مسألة – 124) من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج غير قاصد الحج وناوياً الرجوع إلى بلده بعد العمرة، فإذا بقي في مكة بعدها إلى يوم التروية، فإن نوى الحج انقلبت عمرته متعة، ولم يجز له الخروج منها، وترْك الحج، وإلا جاز له ذلك حتى في يوم التروية.
(مسألة –125) انقلاب العمرة المفردة المأتي بها في أشهر الحج إلى عمرة التمتع مختص بمن لم يكن قاصد الحج ثم قصده، أما من كان قاصد الحج فعليه أن يأتي بعمرة التمتع لحج التمتع بعدها.
(مسألة – 126) يتحقق الانقلاب من حين قصدِه الحج وليس من حين العدول عن الرجوع إلى بلده والبناء على البقاء في مكة إلى يوم التروية أو غيره.
(مسألة – 127) حكم الانقلاب المذكور شامل لحج التمتع الواجب والمندوب.
(مسألة – 128) يجوز الإتيان بالعمرة المفردة في العشرة الأولى من ذي الحجة.
([1]) - سؤال: ما حكم من سافر لأداء حجة الاسلام، ثم علم ان عمرته المفردة او بعض اعمالها التي اداها سابقا باطلة؟! فهل يجوز له تأجيلها لما بعد اعمال الحج؟
بسمه تعالى: ان وقع احرامه صحيحا للعمرة المفردة السابقة فعليه الاتيان بما يحل احرامه اي الطواف والسعي والتقصير فان أخل بأحدها وجب تداركه قبل ان يحرم لعمرة التمتع الى الحج فان لم يتيسر له ذلك اناب غيره. ويوجد من يقول بسقوط الاحرام الاول بمجرد انتهاء الشهر الذي احرم فيه لكنه قول ليس معتمدا.
سؤال: من أدى العمرة المفردة في شهر رجب ولم يسبق له أداء حجة الإسلام هل يلزمه البقاء في الديار المقدسة الى أوان الحج لأدائه؟ ولو لم يفعل ذلك فهل يستقر الحج على ذمته؟
بسمه تعالى: إذا كان هذا هو السبيل الوحيد لأداء الحج الواجب عليه بتحقق شروطه، ولم يكن فيه ضرر عليه من جهة القوانين المعمول بها، فيجب عليه البقاء.
([2]) - سؤال: إذا احرم للعمرة المفردة بدلاً عن عمرة التمتع جهلاً أو نسياناً فما هو حكمه؟
بسمه تعالى: إذا كان في ارتكازه انه يؤدي ما وجب عليه من أفعال فلا ضير في هذا الاشتباه.
([3]) - سؤال: جواز أداء عمرتين في شهر واحد
يحرص الذين يوفقّهم الله تعالى لأداء مناسك العمرة المفردة أن يجعلوها في الأيام الأخيرة من الشهر القمري – كشهر رجب الذي هو أفضل الشهور لأداء العمرة – ليحلَّ لهم الإتيان بعمرة ثانية عندما يدخل الشهر الجديد، لان المشهور عدم جواز الإتيان بعمرتين في شهر واحد، والمشكلة أن تحديد وقت السفر ليس بأيدينا فقد لا تتحقق لنا هذه الفرصة ونحن نريد استثمار السفرة للإتيان بأكثر من عمرة مفردة فما هو الحل؟
بسمه تعالى: هذا الذي قاله المشهور يختص بما لو أتى بعمرتين عن نفسه، أما إذا نوى بالأخرى النيابة عن غيره فلم يستشكلوا في الإتيان بعمرتين متتاليتين.
وقد استدل المشهور على منع إتيان الشخص بعمرتين مفردتين عن نفسه في شهر واحد بما ورد في بعض الروايات عن المعصومين (عليهم السلام) (لكل شهر عمرة)، وقد بحثَتُ المسألة مفصلاً في موسوعة (فقه الخلاف) وطُبعت بكتاب مستقل أيضا، وقلتُ فيه: إن هذا الحديث لا يدلُ على اشتراط وقوع عمرة واحدة في الشهر، وعرضتُ أكثر من فهم له، ومنها:
أ- إن الجملة لا تدل على الحصر والاشتراط، ولو دلّت فهو حصر إضافي أي بملاحظة ما قاله بعض فقهاء العامة من اشتراط عمرة واحدة في كل سنة فيردّ الإمام (عليه السلام) بإمكان الإتيان بالعمرة حتى ولو في كل شهرٍ.
ب- إن الإمام (عليه السلام) يُبّين أحد الأعمال المسنونة للشهر، فكما أن من سنن كل شهر: صلاة أول الشهر وصوم ثلاثة أيام فيه (أول خميس وأربعاء في الوسط وآخر خميس) وتلاوة ختمة قرآن، والصدقة، فكذلك العمرة في كل شهر سُنةٌ لمن يتمكن من أداءها.
وعلى هذا فان ما ورد في بعض الروايات أن الإمام (عليه السلام) كان يُحرمُ للعمرة لليليتين أو ثلاث بقين من شهر رجب ويأتي بعمرة أخرى في شعبان ليمتثل سنة الاعتمار في شهرين بدل عمرتين في شهر واحد وليس للشرط المذكور.
وعلى أي حال فلم يقم عندي دليل معتبر على هذا الاشتراط ولا أجد مانعاً من إتيان الشخص بأكثر من عمرة مفردةٍ عن نفسه في شهرٍ واحد، ولكن لأجل بعض الوجوه التي ذكرتها في البحث، ولأنّ أداء العمل نيابة عن المعصومين (عليهم السلام) يزيد من قيمة العمل أضعافاً مضاعفة فقد نصحتُ بأن يؤتي بالعمرات المتعددة في شهر واحد نيابة عن المعصومين (عليهم السلام) ولو في كل يوم عمرة أو أكثر، واعرف أحد الفضلاء يؤدي في السفرة الواحدة اربع عشرة عمرة عن تمام المعصومين (عليهم السلام)، وفقّنا الله تعالى وإياكم لطاعته وبلوغ غاية رضاه.
([4]) - سؤال: هل يضر بصحة الطواف الالتفات بالرأس والرقبة إلى الكعبة اثناء الطواف مع التحفظ على كون يسار بدنه الى جهة الكعبة؟
بسمه تعالى: لا يضرّ هذا المقدار لأن المهم اتجاه حركة الطائف ببدنه.
([5]) - اما التنعيم، فالاحوط عدم الاحرام منه