(قبس 92 ) وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

| |عدد القراءات : 2285
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم 

(وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)

[الأعراف : 164-165]

(الآية الثالثة): قوله تعالى: [وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ] (الأعراف : 164-165).

أقول: تقريب الاستدلال ينطلق من الروايات الشريفة، ففي الخصال بسنده عن الإمام الباقر (×) في تفسير الآية قال (×): (كانوا ثلاثة أصناف: صنف ائتمروا وأمروا فنجوا، وصنف ائتمروا ولم يأمروا فمُسخوا ذرّاً، وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا)([1]).

أقول: والتقريب واضح لأن الآية صرّحت بنجاة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر فقط ووصفت الصنفين الآخرين بالظالمين واستحقاقهم العقاب، ولو لم تكن هذه الوظيفة واجبة لما استحق الصنف الثاني القاعد عن أداء الفريضة الذين ائتمروا ولم يأمروا العذاب.

        ويظهر من الآية أن هذا الصنف التارك لفريضة الأمر بالمعــروف والنهــي

عن المنكر هم الذين قالوا: [لم تعظون قوماً] لأنهم بحسب الظاهر غير الواعظ وغير المنهي فيتعين بهم، ويظهر أنهم محسوبون على المتدينين الملتزمين بالشريعة وربما يظهر من كلامهم أنهم كارهون لفعل المنكر، مبررين سكوتهم بأنه لم يكن عن معصية لوجوب هذه الفريضة وإنما ليأسهم من صلاح العصاة، وإن كان سكوتهم عن ردع المعتدين لا ينمّ عن وجود غضب لله تبارك وتعالى.

        قال السيد الطباطبائي (+): ((وفي الآية دلالة على أن الناجين كانوا هم الناهين عن السوء فقط، وقد أخذ الله الباقين، وهم الذين يعدون في السبت والذين قالوا: [لم تعظون] إلخ وفيه دلالة على أن اللائمين كانوا مشاركين للعادين في ظلمهم وفسقهم حيث تركوا عظتهم ولم يهجروهم.

        وفي الآية دلالة على سنة إلهية عامة، وهي أن عدم ردع الظالمين عن ظلمهم بمنع، وعظة إن لم يمكن المنع أو هجره إن لم تمكن العظة أو بطل تأثيرها، مشاركة معهم في ظلمهم، وأن الأخذ الإلهي الشديد كما يرصد الظالمين كذلك يرصد مشاركيهم في ظلمهم))([2]).

أقول: ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى في سورة العصر: [إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] فلا يكفي لخروج الإنسان من حالة الخسر أن يكون صالحاً في نفسه بالإيمان والعمل الصالح، بل لا بد أن يكون إنساناً مصلحاً للمجتمع وفاعــلاً فــي عمليـــة التغييــــر

بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

        ((وفي قولهم [إلى ربكم] حيث أضافوا الرب إلى اللائمين ولم يقولوا إلى ربّنا إشارة إلى أن التكليف بالعظة ليس مختصاً بنا بل أنتم أيضاً مثلنا يجب عليكم أن تعظوهم لأن ربكم لمكان ربوبيته يجب أن يُعتذر إليه، ويبذل الجهد في فراغ الذمة من تكاليفه والوظائف التي أحالها إلى عباده، وأنتم مربوبون له كما نحن مربوبون فعليكم من التكاليف ما هو علينا))([3]).

أقول: هذه التفاتة لطيفة، وهي لا تناسب وصفه للأمة اللائمة بأنهم ((كانوا أهل تقوى يجتنبون مخالفة الأمر إلا أنهم تركوا نهيهم عن المنكر فخالطوهم وعاشروهم ولو كان هؤلاء اللائمون من المتعدين الفاسقين لوعظهم أولئك الملومون، ولم يجتنبوهم بمثل قولهم [معذرة])).

أقول: يكفي قولهم: [ربكم] لوعظهم وتذكيرهم بحقوق الربوبية عليهم.

        وهنا يثار إشكال على قوله تعالى: [نَسُوا] له تقريبان:-

1-               إن هؤلاء لم يكونوا ناسين بل كانوا ذاكرين وملتفتين إلى مغبة العمل.

2-               إذا كانوا ناسين فإن الناسي معذور ويقبح عقابه، فلماذا أخذوا بعذاب بئيس.

        ونكتفي في الجواب بما قاله السيد الطباطبائي (+): ((وقوله تعالى: [فلما نسوا ما ذكّروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء] المراد بنسيانهم ما ذكروا انقطاع تأثير الذكر في نفوسهم وإن كانوا ذاكرين لنفس التذكر حقيقة فإنما الأخذ الإلهي مسبب عن الاستهانة بأمره والإعراض عن ذكره، بل حقيقة النسيان بحسب الطبع مانع عن فعلية التكليف وحلول العقوبة.

        فالإنسان يطوف عليه طائف من توفيق الله يذكره بتكاليف هامة إلهية ثم إن استقام وثبت، وإن ترك الاستقامة ولم يزجره زاجر باطني ولا ردعه رادع نفساني عدا حدود الله بالمعصية غير أنه في بادئ أمره يتألم تألماً باطنياً ويتحرج تحرجا قلبياً من ذلك ثم إذا عاد إليها ثانياً من غير توبة زادت صورة المعصية في نفسه تمكناً، وضعف أثر التذكير وهان أمره، وكلما عاد إليها وتكررت منه المخالفة زادت تلك قوة وهذه ضعفاً حتى يزول أثر التذكير من أصله، ساوى وجوده عدمه فلحق بالنسيان في عدم التأثير، وهو المراد بقوله: [فلما نسوا ما ذكروا] أي زال أثره كأنه منسي زائل، الصورة عن النفس)).

أقول: تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى في مقدمة الكتاب حينما طبقنا تدرّج ترك هذه الفريضة الذي ورد في الحديث النبوي الشريف (كيف بكم) على صعيد داخل النفس.

        في تفسير الإمام العسكري (×) عن الإمام السجاد (×) من حديث (وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم، ومن الله خوفوهم، ومن انتقامه وشديد بأسه حذّروهم، فأجابوهم عن وعظهم: [لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ] بذنوبهم هلاك الاصطلام [أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً] فأجابوا القائلين لهم هذا: [مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ] إذ كُلِّفنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربُّنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهـم، قالــوا: [وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ] ونعظهـــم

أيضاً لعلهم تنجع فيهم المواعظ، فيتقوا هذه الموبقة، ويحذروا عقوبتها)([4]).

        وروى في الدر المنثور بسنده عن عكرمة قال: ((جئت ابن عباس يوماً وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره، فقلتُ: ما يبكيك يا ابن عباس؟ قال: هؤلاء الورقات، وإذا في سورة الأعراف)) ثم ذكر هذه الآيات وفسّرها إلى أن قال: ((فأرى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها))([5]).

        والآية تنفع في البحث عن الشرط الذي ذكروه للوجوب وهو التأثير في المقابل أي المأمور المنهي، كما أن في الآية رداً على القول بالوجوب الكفائي؛ لأن النهي قد تحقق بموعظة البعض فلماذا أُخذ البعض الآخر –وهم الساكتون- بعذاب بئيس؟ فالوجوب إذن لا يسقط بقيام البعض حتى ينتفي الموضوع.

 



([1])  الخصال: 100، ح54.

([2]) الميزان في تفسير القرآن: 8/301.

([3])  النص وما بعده في الميزان في تفسير القرآن: 8/300-301.

([4])  تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني: 4/129.

([5])  الدر المنثور: 3/589.