خطاب المرحلة: (433) زيارة عاشوراء والبراءة من اعداء الله تعالى
خطاب المرحلة: (433) زيارة عاشوراء والبراءة من اعداء الله تعالى (1)
نُقِلَ عن المرحوم الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة (توفي عام 1355هـ = 1936م) انه قال: (عندما كنت في سامراء مُشتغلاً بتحصيل العلوم الدينية، انتشر وباء الطاعون في المدينة وراح يحصد كل يوم عدداً من اهل المدينة. وذات يوم، اجتمع عدد من اهل العلم في منزل استاذي المرحوم السيد محمد فشاركي (اعلى الله مقامه) وفجأة دخل علينا المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي (رحمة الله عليه) وكان على درجة عالية من العلم، وتكلم المرحوم فشاركي عن الوباء، وان الجميع سيكونون عرضة لخطر الموت. فقال المرحوم الميرزا: اذا حكمتُ بحكم، هل يكون ملزما ام لا؟ فوافقه الجميع وقالوا: نعم...
قال: انا احكم على كل الشيعة المقيمين في سامراء بدءاً من اليوم، والى عشرة ايام بقراءة زيارة عاشوراء، واهداء ثواب ذلك الى روح السيدة نرجس الشريفة، الوالدة الماجدة للحجة بن الحسن (×)، حتى يبعد الله عنهم هذا البلاء.
فنقل اهل المجلس، هذا الحكم الى كل الشيعة في سامراء، وانصرف الجميع الى الزيارة. وفي اليوم التالي، لم يلقَ احد من الشيعة حتفه، وكان يموت كل يوم عدد من اهل السنة، وكان ذلك ظاهرا جلياً. سأل بعض السنة معارفهم من الشيعة، عن السبب، فاخبروهم بذلك، فاخذوا هم بدورهم يقرأون زيارة عاشوراء، فأبعد الله عنهم ذلك الوباء...!) ([2]).
اقول: المواظبة على زيارة عاشوراء مجربة في رفع البلاء مضافاً الى الثواب على هذا العمل، الا ان الآثار لا تترتب على مجرد تحريك اللسان بهذه الزيارة او ذاك الدعاء وانما على حقائقها وحصول مضامينها، لذا فإنني اريد الان ان احلل لماذا اوصى الميرزا الشيرازي الناس بهذه الوصية دون غيرها من الوصايا الكثيرة التي أكَّد عليها المعصومون (^) كالصلاة في اوقاتها والورع عن محارم الله، ونستطيع ان نقول ان الميرزا الشيرازي شخّص بثاقب بصره ان الشيعة في مدينة سامراء ابتلوا بعدم صدق البراءة من اعداء الله تعالى ورسوله (’) واهل بيته الطاهرين (^) اما مجاملة او مداهنة او خوفا باعتبار انهم حديثو العهد بالإقامة في هذا المجتمع المخالف لهم([3])، اي انهم تخلوا ولو جزئياً عن هذا المعلم البارز للمؤمن الموالي وفي ذلك نقص في اعتقادهم، فتركهم الله تعالى عرضة للبلاء ولم يشملهم الامام (×) بألطافه (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (الشورى30) وان هذا البلاء لا يزول الا بإعادة تصحيح عقيدتهم لان الولاية لله تعالى ولرسوله (’) ولاهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم) لا تتم الا بالبراءة من اعدائهم، وقد كان تشخيصه (قدس سره) دقيقا لذا أثّر العلاج مباشرةً.
والدرس الذي نخرج به من هذا الواقعة اننا اذا شخّصنا خللاً في العقيدة او نقصا في الاخلاق او مخالفةً لحكم الشريعة او مفسدة اجتماعية فعلينا المبادرة والتكاتف لإصلاحها والا حلّ بنا البلاء.
واذكر لكم مثالاً من حالة عشناها قبل عام عندما تضافرت جهود عدد من الاخوة السياسيين والقانونيين لصياغة القانون الجعفري للاحوال الشخصية وحصل على موافقة كل العلماء (عدا جهة واحدة) وتأييد مجلس الوزراء حتى السني والمسيحي الا ان رسالة وصلت من بعض معتمدي تلك الجهة اجهض القانون، وعلى اثرها قلت في الخطاب الفاطمي للعام الماضي([4]) : (اعلموا انكم بنصرتكم للسيدة الزهراء (÷) والقانون الجعفري ساهمتم في رفع جزء من البلاء والتيه الذي كان ستقع فيه الامة لو اجمعت على خذلان دين الله تعالى ولم يجد الدين انصاراً مثلكم، قال الله عز وجل: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود117)) ([5]).
ولم يكن هذا مجرد توقع ورجماً بالغيب وانما كان مبنيا على قراءة للسنن الالهية في الكون، وبعد شهرين وقع ما وقع من هجوم ارهابيي داعش وبمساعدة الكثير من الحاقدين والحاسدين والعملاء والمُغرّر بهم على الموصل وسقوطها في ليلة واحدة رغم وجود اكثر من سبعين الف من القوات المسلحة، وما تلاه من تداعيات سقوط محافظتي الموصل وصلاح الدين واجزاء كثيرة من محافظات كركوك وديالى والانبار، وكادت الروضة العسكرية في سامراء ان تقع بايديهم النتنة وأحدق الخطر بالعتبات المقدسة في النجف وكربلاء، وببركة وقفة اتباع هذا الخط الشريف ومن ناصرهم لإقرار القانون الجعفري وتثقيف المجتمع عليه والمطالبة بهذا الحق الشرعي للاغلبية الشيعية في العراق، فقد دفع الله تعالى جزءاً من البلاء كما قلنا في الخطاب الفاطمي، ولولا وقفة هذا البعض لأحرقت النار الاخضر واليابس.
ولان الخطيئة كانت غير متوقعة ولم نسمع في تاريخ المرجعية الشيعية ان يقف احد افرادها في الضد من تطبيق شريعة الله تبارك وتعالى على خلاف ما هو المتوقع منه وهو بذل الوسع لإقرارها، كان البلاء غير متوقع وغير معهود حيث سقطت مدينة الموصل في ليلة واحدة بيد مجموعة من شذّاذ الآفاق والمنبوذين مع ان تعداد القوات المسلحة فيها يتجاوز (74) الفاً وهم مجهزون بأحدث الاسلحة المتنوعة من الخفيفة الى الثقيلة، وسقطت في اليوم التالي محافظة صلاح الدين واجزاء شاسعة من عدة محافظات اخرى وشُرِّدَ اكثر من مليونين وبيعت النساء في الاسواق بثمن بخس ثم التمدد الواسع الى حدود بغداد وما أعقب ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية وغير ذلك، وكان من الممكن تجنيب الامة كل هذه الخسائر من شبابنا واموالنا واعراضنا لو تعاون الجميع وانصفوا الحق من انفسهم وعملوا على إعادة الحق لأهله وإعلاء كلمة الله تعالى، والمسؤولية الاكبر تقع على العلماء والحوزة العلمية لان الناس تابعون لهم وهم الذين يوجّهون الامة ويرسمون المنهج والخطة لمسيرة الامة، لكن الناس هم الذين يدفعون الثمن غالباً.
وهذه المعادلة المتوازنة بين مقدار الذنب ونوعه وبين مقدار البلاء ونوعه حذّرنا منها الائمة المعصومون (^) ففي الرواية عن الامام الرضا (×): (كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون ، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون) ([6]) فإذا رأيت بلاءاً جديداً غير معهود من قبل فاعلم انه قد صدر من العباد ذنوب لم تكن معروفة (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (النحل118).
وخلاصة الدرس الذي نستفيده اننا عندما نشخّص حالة سلبية وخطأً عاماً في المجتمع فعلينا ان نسارع الى مواجهته وازالته قبل ان يحصل بلاء يعمّنا جميعا (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً) (الأنفال25).
([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع مواكب الزوار الذين توافدوا على مكتب سماحته من مختلف المدن العراقية مشيا على الاقدام في طريقهم الى زيارة الامام الحسين (عليه السلام) في اربعينيته يوم الاربعاء 17/صفر/1436 الموافق 10/12/2014.
([2]) القصص العرفانية: رضا محمد حدرج. ص 101-102
([3]) نقل السيد المجدد الشيرازي (توفي في شعبان 1312 = 1895) مقر مرجعيته من النجف الى سامراء عام 1291 فالتحق الالاف من العلماء والفضلاء وطلبة العلوم الدينية وبنى مدرستين للطلبة ودورا لسكن المعيلين وكان من افاضل طلبته الشيخ محمد تقي الشيرازي مفجر ثورة العشرين في العراق (توفي عام 1338 = 1920)
([4]) يوم 3/4/2014 .
([5]) خطاب المرحلة: 8/449 .
([6]) الكافي: 2/275