خطاب المرحلة: (417) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا

| |عدد القراءات : 3494
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save


خطاب المرحلة: (417) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} ([1])

    [التحريم : 6]

        [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ] (التحريم:6).

        الآية الشريفة تتضمن درساً في المسؤولية الأسرية والاجتماعية انطلاقاً من الحديث الشريف (ألا كُلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)([2]).

        وتبرز أهمية هذه المسؤولية اليوم بشكل واضح لامتلاك الفساد والضلال والانحراف وسائل وتقنيات وأدوات متطورة وفاعلة ومثيرة وجاذبة مما يوجب أكثر من ذي قبل الاهتمام بهذا الأمر الإلهي العظيم ووضع الآليات المناسبة للالتزام به.

        [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] خطاب عام موجّه لجميع المؤمنين والمؤمنات .

        [قُوا] فعل أمر من الوقاية، و((الوقاية حفظ الشيء عما يؤذيه ويضرّه، قال تعالى: [فَوَقَاهُم اللهُ] (الإنسان:11) وقال تعالى: [وَوَقَاهُم عَذَابَ الجَحِيمِ] (الدخان:56)، والتقوى جعل النفس في وقاية مما يُخاف، وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما روي (الحلال بيِّن والحرام بيِّن ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه) ))([3]).

        [أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ] وجوب وقاية النفس وحفظها من النار ثابت وواضح، والجديد في الآية أنها تقرن الأهل بالنفس في حفظهم من ارتكاب ما يوجب النار التي وصفتها الآية الشريفة بأوصاف مرعبة.

        وقد نبه القرآن الكريم إلى هذه العناية الخاصة بالأهل في آيات كثيرة، كقوله تعالى مخاطباً نبيه الكريم (’): [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا] (طه:132) وكان من أوائل ما نزل عليه (’) في بداية الدعوة الإسلامية: [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] (الشعراء:214) وحكى عن إسماعيل صادق الوعد بقوله تعالى: [وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ] (مريم:55). فهناك إذن مسؤولية خاصة عن الأهل جمعها قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ] (التحريم:6).

        ويشهد لهذا الوجوب المؤكد نصوص شريفة أخرى، كقول أمير المؤمنين (×): (علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم)([4]) كما يشهد له ورود تطبيقات لهذه المسؤولية الخاصة كتأديب الصبيان على الصلاة من عمر ست أو سبع سنين([5])، أو ما ورد في أعمال ليلة القدر أن السيدة الزهراء (÷) كانت لا تدع أهلها ينامون في تلك الليلة وتعالجهم بقلة الطعام وتتأهب لها من النهار أي كانت تأمرهم بالنوم نهاراً لئلا يغلب عليهم النعاس ليلاً، وكان رسول الله (’) يوقظ أهله في تلك الليلة ويرشّ وجوه النيام بالماء([6]).

        ولا تعني هذه الدعوة التي أطلقتها الآية لوقاية الأهل من النار إكراههم على شيء، فقد شرحت حدود هذه المسؤولية روايات عديدة رواها الشيخ الكليني في الكافي([7]):

        (منها) عن أبي بصير عن الإمام الصادق (×) في قول الله عز وجل: [قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً]، قلتُ: كيف أقيهم؟ قال: تأمرهم بما أمر الله، وتنهاهم عما نهى الله، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك).

        (ومنها) عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله (×) قال: (لما نزلت هذه الآية: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً] جلس رجلٌ من المسلمين يبكي، وقال: أنا عجزت عن نفسي وكُلّفت أهلي! فقال رسول الله (’): حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك).

        فالمطلوب بمقتضى هذه الآية أن يحفظ الإنسان أهله من الوقوع في المعاصي وما يسخط الله تعالى بأن يرشدهم إلى الطاعة ويقرّبهم منها ويزيّنها لهم ويقنعهم بها ويكافئهم على فعلها، وبنفس الوقت يحذّرهم من المعصية ويردعهم عنها ويحميهم من الوقوع فيها.

        وقد ذكر العلماء (قدس الله أرواحهم) في رسائلهم العملية أمثلة لهذه المسؤولية فقالوا: ((يجب عليه إذا رأى من أهله التهاون في الواجبات، كالصلاة وأجزائها وشرائطها بأن لا يأتون بها على وجهها لعدم صحة القراءة والأذكار الواجبة منهم، أو أنهم لا يتوضأون وضوءاً صحيحاً، أو لا يطهرون أبدانهم ولباسهم من النجاسة على الوجه الصحيح، فيجب عليه تعليمهم وأمرهم ونهيهم على الترتيب المتقدم حتى يأتوا بها على وجهها الصحيح. وكذا الحال في بقية الواجبات، وكذلك في المعاملات وسائر الأحكام. وكذا إذا رأى منهم التهاون في المحرمات كالغيبة والنميمة والعدوان بين بعضهم على بعض أو على غيرهم أو الزنا أو شرب الخمر أو السرقة، فإنه يجب عليه أن ينهاهم عن المنكر، حتى يرتدعوا عن المعصية))([8]).

        ويمكن أن نفهم لهذه المسؤولية المؤكدة عدة ملاكات ومناشئ:-

1- إن هذا التأكيد وقرن الأهل بالنفس في الخير والشر يلاحظ أمراً فطرياً ونزعة لدى الإنسان فإنه يعتبر أهله كنفسه يصيبه ما يصيبهم، من وصية أمير المؤمنين (×) لولده الحسن (×) قال: (ووجدتك بعضي، بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي)([9]). وقد حكى القرآن الكريم عن جملة من الأنبياء (^) هذه الغريزة الإنسانية، قال تعالى عن إبراهيم (×): [قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي] (البقرة:124) وقال عن النبي نوح (×): [وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ] (هود:45) وقال تعالى عن النبي لوط (×): [رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ] (الشعراء:169). ومن الأدعية التي وردت في القرآن الكريم [رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي] (الأحقاف:15) والخلاصة أن الأمر بوقاية الأهل ينبّه الإنسان على أنك إن أردت الخير لأهلك وأن يلتحقوا بك في الجنة فعلّمهم ما يتقون.

2- إن للشخص سلطنة وقيمومة وولاية عرفية واجتماعية وشرعية خاصة على أهله وذويه مما تعطيه قوة في التأثير ومن غير المتوقع وجود موانع من ممارسة الفريضة كالتي يمكن أن تحصل مع الغير مثل حصول الضرر أو اختلال النظام ونحو ذلك، فتكون مسؤوليته أكبر لأن وجود المقتضي أقوى والمانع يكاد يكون مفقوداً.

3- إن الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع فإذا صلحت هذه الأسرة وتلك وتلك صلح المجتمع، فصلاح المجتمع –الذي هو الهدف- يتحقق بقيام كل فرد بإصلاح أسرته، فكأن الشارع المقدس بتأكيده على إصلاح الأسرة يضع لنا المنهج والطريق لإصلاح المجتمع.

4- إن الفرد مسؤول اجتماعياً عن أسرته فإذا صدر منهم ما يزين كان له، وإذا صدر منهم ما يشين كان عليه؛ لذلك ورد عن الإمام الصادق (×) مخاطباً شيعته: (كونوا زيناً لنا ولا تكونوا علينا شيناً)([10]) لأنهم محسوبون على الإمام (×) يتسمون باسمه، فإصلاح الفرد لأسرته إنما هو عمل يقدّمه لنفسه لأن الثناء يعود إليه فيما لو صلحوا وأحسنوا، كما أن الولد المنحرف يعيَّر به ويعتذر عن إساءته.    
     وقد ورد مثل هذا الوجه في تعليل اشتراط إذن ولي الأمر في الدخول بالباكر (في زواج المتعة) لأن عارها يرجع على أهلها قال (×): (يكره للعيب على أهلها) وقال (×): (كراهية العيب على أهلها)([11]).

5- إن عدم صلاح الأهل يضعف موقف الفرد عند قيامه بواجبه في ممارسة الأمر والنهي في المجتمع؛ لأنهم سيردّون عليه بأنه ليبدأ أولاً بإصلاح أهله، مما يجعله في حرج من ممارسة هذه الفريضة العظيمة.

6- إن الأسرة وحدة مصغرة من المجتمع وفيها تنوع نفسي وفكري وثقافي فتصلح أن تكون معسكراً تدريبياً –كما يقال- لأداء الوظيفة في المجتمع فيستفيد العامل من كيفية التعاطي مع الأهل مع تنوعهم في التعاطي مع المجتمع وهو أحد وجوه فهم الحديث النبوي الشريف (خيركم خركم لأهله وأنا خيركم لأهله) وكذلك حديث (من عرف نفسه فقد عرف ربّه).

        وما أكثر مصاديق هذا الوجوب المؤكد اليوم كتوفير البيئة الصالحة لهم في البيت بدءاً من اختيار الزوجة المؤمنة العفيفة المتفقهة، وأن يكون لهم أسوة حسنة لأن رب الأسرة يكون المثل الأعلى لهم، وأن يجنبهم أصدقاء السوء، وأن يعلمهم ويرشدهم إلى كل ما فيه صلاح الدنيا والآخرة، وأن لا يهمل أمر متابعتهم وتفقد شؤونهم بعذر الانشغال بالكسب أو أي أمر آخر، وأن ينبههم إلى أوقات الصلاة برفع الأذان في البيت –وقد ورد فيه عن الإمام الرضا (×): أنه مما يوجب كثرة الولد والشفاء من الأمراض([12])- ويصلي بهم جماعة إن استطاع، وأن يختار لهم أحمد السبل وأرشدها في دراستهم وكسبهم وأوضاعهم الاجتماعية ونحو ذلك.

        وهذه المسؤولية ممتدة طول الزمان لأن الإنسان لا يخلو من المسؤولية عن الاهل فهو إما أن يكون ابناً أو أباً أو زوجاً أو أخاً، وكذلك بالنسبة للمرأة، أما مسؤوليته عن أسرته الخاصة فلا بد من الالتفات إليها ورعايتها من قبل الزواج باختيار المرأة الصالحة المؤهلة لحفظ بيته وماله وتربية أولاده.

 



([1] ) الخطبة الاولى لصلاة عيد الفطر السعيد يوم الثلاثاء 29-7-2014

([2]) الأمثل في تفسير القرآن: 14/29 عن مجموعة ورام: 1/6.

([3]) المفردات للراغب: 881، مادة (وقى).

([4]) كنز العمال:2/539، ح 4676.

([5]) وسائل الشيعة: 4/18، أبواب أعداد الفرائض، باب 3.

([6]) مفاتيح الجنان عن دعائم الإسلام.

([7]) الكافي:5/62، ح1، 2.

([8]) منهج الصالحين: 2/240، المسألة (888)، منهاج الصالحين للسيد الحكيم (قدس سره): 1/490، مسألة (8)، وللسيد الخوئي (قدس سره): 1/353، مسألة (1274).

([9]) نهج البلاغة: 616، قسم الرسائل والكتب، العدد 31.

([10]) من لا يحضره الفقيه: 1/383، ح 1128وفيه: (يا زيد خالفوا الناس بأخلاقهم، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمّة والمؤذنين فافعلوا فإنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية فعل بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدّب أصحابه).

([11]) وسائل الشيعة: كتاب النكاح، أبواب المتعة، باب 11.

([12]) وسائل الشيعة: كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد، باب 11، ح10.