رمي الجمرات إلـى الجدار المستحدث ومن الطوابق العلوية
رمي الجمرات إلـى الجدار المستحدث ومن الطوابق العلوية
بسم الله الرحمن الرحيم
المسألة الخامسة والثلاثون
رمي الجمرات إلـى الجدار المستحدث ومن الطوابق العلوية
استحدث في الجمرات الثلاث التي ترمى في منى في السنوات الأخيرة أمران:-
1- بناء جدار طويل يتوجه إليه الحجاج بالرمي بعد أن كانوا يوجهون حصاهم إلى شاخص لا تتجاوز مساحة مقطعه متراً مربعاً.
2- بناء طوابق متعددة فوق الطابق الأرضي وفي كل منها جدار يرميه الحجاج.
ومن هنا انفتح السؤال حول إجزاء الرمي إلى هذا الجدار على طوله الذي قيل أنه يبلغ 26 متراً والرمي الذي في الطوابق العليا غير الطابق الأرضي.
نتيجة البحث
يمكن الخروج في نهاية البحث بعدة أمور:
(الأول) إن محل الرمي هو الموضع المخصوص من الأرض، وإن العمود والبناء ونحوهما علامات عليه.
(الثاني) لو فرض بقاء العلامات والأعلام الأصلية فلا يقتصر محل الرمي على موضعها لأنها توضع عادة في وسط المحل فيجتمع حولها الحصى، أو في أطرافه لتحديده، وإلا فليس لمساحة موضع الرمي حد محدود والمهم صدق الرمي عرفاً إلى الموضع المخصوص، ويختلف الصدق بحسب كبر مجتمع الحصى الذي يقتضيه عدد الحجاج –كصدق الطواف حول البيت الذي تتسع دائرته بزيادة عدد الحجاج-، ولا يجزي الرمي إلى الحصى السائل إلى غير هذا المجتمع.
(الثالث) إن أرض الرمي الأصلية وما عليها من علامات توجد تحت سطح الأرض الموجودة اليوم، ويوجد طابق تحت الأرض مشيد وله طريق خاص يوصل إليه لكنه غير متيسّر لعامة الحجاج، وهذا يكون هو الأرض الأصلية أو قريباً منها باعتبار أن مقتضى فعل الطبيعة والعوامل المناخية وتراكم التراب والحصى وما تجرفه السيول والأمطار هو تراكم الطبقات بمرور الزمن.
فالمشكلة محل البحث شاملة للطابق الأرضي كالطوابق العلوية.
(الرابع) مع تعذّر إصابة الموضع الأصلي لما ذكرناه أعلاه، يجزي الرمي إلى الجزء الذي فوقه، لصدق الرمي عرفاً إلى الموضع المخصوص، نظير إجزاء الرمي إلى كومة الحصى على الأرض كالرمي إلى الأرض.
لكنه لا يتعين إصابة العمود ونحوه للقطع بأنه بناء مستحدث بديل عن الموضع الأصلي لإقامة هذا النسك الواجب باعتبار عدم سقوط وجوب رمي الجمرات من مناسك الحج بأي حال من الأحوال.
(الخامس) يتحرى الحاج الرمي من الطابق الأرضي بالصورة التي ذكرناها آنفاً، فإذا تعذّر عليه فلا مانع من رمي الجمار من الطوابق العلوية ما دامت تقع في الحوض الذي شكله كالقمع فتنزل إلى موضع الرمي في الطابق الأرضي، بل نُقل أن حوض الطابق الأرضي مفتوح إلى طابق تحت الأرض الذي يكون قريباً إلى الأرض الأصلية.
وسبب تقديم الطابق الأرضي على الطوابق العلوية مع كونها جميعاً مستحدثة، أن الطابق الأرضي يصدق عليه عرفاً محل الرمي بعد دفن الموضع الأصلي وهكذا كل مكان يدفن بمرور الزمن وتتراكم عليه الطبقات –كالمراقد مثلاً-، وهذا لا يصدق على الطبقات العليا، ومن هنا افترق الطابق الأرضي عن الطبقات العليا.
نعم إذا لم يصدق عرفاً وحدة الموضع على الطابق الأرضي لكونه بكامله مستحدثاً ومفصولاً عن الأرض الأصلية وليس أنه من الطبقات المتراكمة عليها، فلا فرق في الإجزاء حينئذٍ بين الطابق الأرضي والطوابق العلوية من هذه الناحية، ولعل الموجود خارجاً هو هذا.
(السادس) إن الرمي إلى جزء الجدار الواقع في أرض الرمي لا بأس به باعتبار أن العرف يراه جزءاً من المرمى ولأن الموضع لم يخلُ عبر التأريخ من صخرة أو بناء أو أكمة. والأحوط مراعاة أن تضرب الحصاة به وتسقط في موضع الرمي الصحيح، ولا يصح الرمي إلى الأجزاء العالية أو الأطراف البعيدة من الجدار بحجة أنها ستتدحرج في القمع المخروطي وتقع في الموضع الصحيح؛ للشك حينئذٍ في تحقق القصد لرمي الموضع، ولأن الواجب إصابة الجمرة بالرمي لا مطلق إيصال الحصاة إليها، خلافاً لما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) بقوله: ((نعم لو وقعت على شيء فانحدرت على الجمرة أو مرّت على سنتها حتى أصابت الجمرة جاز، وكذا إن أصابت شيئاً صلباً فوقعت بإصابته على الجمرة للصدق بعد أن كانت الإصابة على كل حال بفعله))([1).
وبعبارة أخرى إننا نقول بالإجزاء حينما تضرب الحصاة جزء الجدار المذكور وتقع في مجتمع الحصى، لأننا نرى أن هذا البناء جزء من موضع الرمي عرفاً وليس لأن الواجب قد تحقق بوصول الحصاة إلى مجتمع الحصى على أي نحو كان ولو برميها إلى الجدار ووقوعها في مجتمع الحصى.
وما سمعنا من أقوال الفقهاء (صفحة 130) وتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار (صفحة 157) ظاهر فيما لو قصد رمي الموضع الصحيح فأصابت شيئاً آخر في طريقها ثم وقعت فيه فهذه الإصابة العرضية لا تضرّ.
وفي ضوء هذا ينبغي للحجاج المحترمين (زادهم الله شرفاً) أن يقتربوا من الموضع المذكور من الجدار، وأن تكون النية امتثال الواجب الموجه إليهم من رمي الجمار وليس خصوص رمي الجدار.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.