المرجع اليعقوبي يقيم صلاة عيد الفطر المبارك في مكتبه في النجف الأشــــــــرف

| |عدد القراءات : 5442
المرجع اليعقوبي يقيم صلاة عيد الفطر المبارك في مكتبه في النجف الأشــــــــرف
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

المرجع اليعقوبي يقيم صلاة عيد الفطر المبارك في مكتبه في النجف الأشــــــــرف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أقام المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) صلاة عيد الفطر المبارك، والقى خطبتي صلاة العيد في مكتبه في النجف الأشرف.

 وحث سماحته المؤمنين (في الخطبة الأولى) على التحلي بالخصال الحميدة ومنها صدق الحديث وأداء الأمانة لافتا الى شمول هذا المعنى الى مصاديق كثيرة، لو تم الالتزام بها لأمكن معالجة الكثير من المشاكل التي يعاني منها المجتمع على مستوى الأفراد وعلى مستوى الأمم وخاصة الأمة الإسلامية

 

و في معرض بيانه لبعض مصاديق أداء الأمانة-التي اعظمها خلافة الانسان لربه على الارض- انتقد سماحته بعض الممارسات اللهوية التي تصاحب شهر رمضان المبارك والتي تؤدي الى تضييع عمره هدرا،ً مثل متابعة المسلسلات والأفلام الماجنة ولعبة المحيبس واضرابها،

وقال المرجع اليعقوبي:" فحق النفس عدم اسلاس القياد لها او إيرادها موارد الهلكة، وحق الجسد هو توظيفه ليكون وسيلة للكمال والوصول الى رضا الله تبارك وتعالى، فمن الخيانة توظيفه في المعاصي كالمتاجرة به وإيذائه ولو بمثل التدخين الضار فضلا عن المحرمات كشرب الخمر والزنا او تحت عناوين مبتدعة كبعض ما يأمر به أدعياء السلوك الى الله والمعرفة به تبارك وتعالى ومن الايذاء ما يفعله البعض بإسم شعائر الحسين (عليه السلام) والتفجع لمصائبه وهي براء منه ،كذلك ُيعّد خيانةً إغراق الجسد في الراحة والترف والاعتناء بمتع الجسد وكمالياته بعيدا عن الهدف."

كما أوضح سماحته خلال خطبته الاولى حق أداء أمانة الموقع السياسي والاجتماعي والعشائري فان الله تعالى يسائل الإنسان عنها لأنها ليست غنيمة يستأكل بها , وهو معنى مشابه لمصطلح "الكعكة" الذي تداوله الحكام والسلطات في الوقت الحاضر.

وأشار سماحته في الخطبة الثانية الى جملة من الأسباب التي أدت الى تحسن الحالة الدينية (نوعا ما) قياسا بشهر رمضان العام الماضي الذي شهد انتهاكا واضحا لقدسية الشهر وحرمات الله تبارك وتعالى. وقد ارجع سماحته ذلك الى عدة نقاط، منها: العمل بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحملات الإعلامية والاحتفالات التي جرت لاستقبال شهر رمضان المبارك والتعريف بحرمته وتفعيل دور المساجد والحسينيات لما لها من أهمية كبيرة حيث وردت أحاديث كثيرة تحث على أعمارها وتفعيل دورها .

واستطرد سماحته في ذكر أسباب التحسن النسبي للحالة الدينية بقوله:" استجابة بعض الجهات الحكومية لمطالب المؤمنين واتخاذ قرارات تمنع انتهاك قدسية هذا الشهر الشريف.. بالإضافة الى اتضاح الفرق  لدى الناس بين الدين  الجهات الدينية من جهة وبين الأحزاب الحاكمة والمتسلطين باسم الدين من جهة اخرى حيث تحول الاستياء والنفور من الدين والتدين الى الذين أساؤوا وافسدوا."

ودعا سماحته الى دعم الحالة الإيمانية وتنميتها والمحافظة عليها واتخاذ كل التدابير الكفيلة بذلك ومنها إعمار المساجد ماديا ومعنويا والتعريف بدورها لنيل بركة الآثار المترتبة على التواصل مع المسجد.

وفيما يلي النص الكامل لخطبتي صلاة العيد:-

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى

إنما بلغ علي (عليه السلام) منزلته بالصدق وأداء الأمانة(*)

 

          الحمد لله  والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً، وأعوذ به من شر نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي.

          والصلاة والسلام على أشرف خلق الله تبارك وتعالى وأحبِّهم إليه وأكرمهم عليه أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.

          لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) منزلة عند الله تبارك وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعرفها إلا الله تعالى ورسوله، كما ورد في الحديث الشريف: (يا علي لا يعرفك إلا الله وأنا)، ونختصرها بأنه نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنص القرآن الكريم في آية المباهلة: [وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ] (آل عمران: 61)، فبمَ بلغ علي (عليه السلام) هذه المنزلة؟ وأي طالب للكمال لا يريد أن يعرف كيف أصبح علي (عليه السلام) بهذه المنزلة ليتأسى به ويقتفي آثاره.

          لا يحق لنا أن نجيب لأننا لا نعرف علياً (عليه السلام) حق معرفته، ولولا أن الجواب جاءنا عن أهل بيت العصمة (سلام الله عليهم) لما أجبنا، فقد روى الكليني (رضوان الله عليه) بسنده عن أبي كهمس (الهيثم بن عبد الله الشيباني) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): عبد الله بن أبي يعفور يقرأك السلام، قال: وعليك وعليه السلام، إذا أتيت عبد الله فاقرأه السلام وقل له: إن جعفر بن محمد يقول لك: انظر ما بلغ به علي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فالزمه، فإن علياً (عليه السلام) إنما بلغ ما بلغ عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بصدق الحديث وأداء الأمانة)([1][1]).

          وهذا جزء من برنامج عملي ومنهج للتكامل وضعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتربية أمير المؤمنين (عليه السلام) وصناعته [ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَينِي] (طه: 39) ومن أهل البيت (عليهم السلام) تؤخذ وسائل التكامل وليس من أدعياء السلوك والمعرفة الذين يبتدعون مناهج وبرامج لا وجود لها في سنة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وهذه الوصفة الإلهية التي قدّمها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رويت بسند صحيح في أصول الشيعة كالكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب وكتاب المحاسن للبرقي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها، ثم قال: اللهم أعنه، أما الأولى: فالصدق لا يخرجن من فيك كذبة أبداً، والثانية الورع لا تجترين على خيانة أبداً، والثالثة الخوف من الله كأنك تراه، والرابعة كثرة البكاء من خشية الله عز وجل يبنى لك بكل دمعة بيت في الجنة، والخامسة بذل مالك ودمك دون دينك، والسادسة الأخذ بسنتي في صلاتي وصيامي وصدقتي، أما الصلاة فالخمسون ركعة، وأما الصوم فثلاثة أيام في كل شهر خميس في أوله، وأربعاء في وسطه، وخميس في آخره، وأما الصدقة فجهدك حتى يقال: أسرفت ولم تسرف، وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الزوال، وعليك بقراءة القرآن على كل حال، وعليك برفع يديك في الصلاة، وتقليبهما، وعليك بالسواك عند كل وضوء وصلاة، وعليك بمحاسن الأخلاق فاركبها، وعليك بمساوئ الأخلاق فاجتنبها، فإن لم تفعل فلا تلومنّ إلا نفسك)([1][2]).

          ونعود إلى الحديث الذي بدأنا به وأن علياً (عليه السلام) بلغ ما بلغ بالصدق وأداء الأمانة، وحينئذٍ قد يقال بأن هاتين الخصلتين مما يتيسر الاتصاف بهما مع أن منزلة علي مما لا يبلغها أحد من بعده كما قال (عليه السلام): (ألا وأنكم لا تقدرون على أن تصيروا مثلي) لذا فإن الأمر يحتاج إلى شيء من الإيضاح والتفصيل، وسنتحدث هنا عن أداء الأمانة، حيث ينصرف الذهن إلى قضية وضع أموال الناس وممتلكاتهم عند بعضهم واستردادهم عند مطالبة أصحابها، فأداء الأمانة يعني رد الحقوق وإيصالها إلى أهلها.

          وبهذا المعنى يتساوى كثيرون مع علي بن أبي طالب، لكن الأمانة لها معنى أوسع من هذا بكثير وأداء الأمانة يقتضي مسؤوليات كبرى.

          وأول أمانة وأعظمها هي تلك التي عرضها الله تبارك وتعالى على جميع المخلوقات فاعتذرت عن تحملها وحملها الإنسان قال تعالى: [إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً] (الأحزاب:72) وهي أمانة العهد والميثاق الذي أخذه الله تبارك وتعالى على عباده ليمنحهم بمقتضاه خلافة الله تعالى في الأرض بأن يكون الإنسان مخلوقاً عاقلاً رشيداً ويُسخَّر له الكون كله على أن يكون موحداً لله تبارك وتعالى ومن ثم تعريضه للجزاء والحساب ليثاب على إحسانه بجنة عرضها السماوات والأرض ويحاسب على سيئاته، قال تعالى: [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ] (الأعراف:172).

          ويعيد الإنسان التأكيد على هذا الميثاق عندما يصافح الحجر الأسود فيقول: (اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة).

          تلك الخلافة التي تعني أن يكون الإنسان مظهراً للصفات الإلهية والأسماء الحسنى فيجعل الله تعالى المثل الأعلى الذي يبذل وسعه للاتصاف بصفاته [وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى] (النحل: 60) وورد في الحديث الشريف (تخلقوا بأخلاق الله) وهي لا تقتصر على الأسماء الحسنى كالرحيم والكريم والغفار والعليم، بل تشمل كل الصفات الإلهية التي نطق بها القرآن الكريم والأدعية الشريفة والروايات المأثورة كقوله (عليه السلام) في دعاء الافتتاح: (فلم أرَ مولىَ كريماً أصبرَ على عبدٍ لئيمٍ منك عليّ يا ربِّ إنك تدعوني فأولّي عنك، وتتحبب إليّ فأتبغّضُّ إليك، وتتودد إلي فلا أقبل منك، كأن لي التطول عليك، فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إلي، والتفضل علي بجودك وكرمك)، فهذه صفة لله تبارك وتعالى علينا أن نسعى للتخلق بها وهكذا غيرها.

          وباداء هذه الأمانة أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) من خطبة له: (ثم أداء الأمانة، فقد خاب من ليس من أهلها، إنها عُرضت على السماوات المبنية والأرضين المدحوة، والجبال ذات الطول المنصوبة، فلا أطول ولا أعرض ولا أعلى ولا أعظم منها. ولو امتنع شيء بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن، ولكن أشفقن من العقوبة، وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن، وهو الإنسان [إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً])([1][3]).

          وقد تمثلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) كل الصفات الحسنى المتاحة للمخلوقات فقد ورد في الحديث أن أهل البيت (عليهم السلام) حازوا اثنين وسبعين حرفاً من الاسم الأعظم ذي الثلاثة والسبعين حرفاً وبقي حرف واحد اختص تبارك وتعالى به لنفسه وكانوا مظهراً لكل الصفات الإلهية المتاحة لهما كمخلوقات ، فأدى أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه الأمانة خير أداء.

          ويعني أداء هذه الأمانة الإيمان والالتزام بكل العقائد الحقة التي أشهد الله تبارك وتعالى عباده عليها [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ] (الأعراف:172) والأحكام الشرعية التي حدها لعباده والشهادة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة والنبوة ولأمير المؤمنين (عليه السلام) بالولاية ولأهل بيته بالمودة والإتباع، ولذا ورد في الكافي تفسير الآية أن (الأمانة هي ولاية أمير المؤمنين).

          ومن مصاديق الأمانة نفسك التي بين جنبيك، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (عباد الله، الله الله في أعز الأنفس عليكم، وأحبها إليكم: فإن الله قد أوضح لكم سبيل الحق وأنار طرقه، فشقوةٌ لازمة، أو سعادة دائمة! فتزودوا في أيام الفناء لأيام البقاء، قد دُللتم على الزاد وأمرتم بالظعن وحُثثتم على المسير)([1][4]) فهي أعز أمانة استودعك الله إياها أو ائتمنك عليها لتهذبها وتحميها من إتباع الهوى ونزغات الشيطان وأن لا تسلس القياد لها فتوردك موارد الهلكة فإن إعطاءها ما تريد –وهي الأمارة بالسوء- يقود إلى الهلاك. في دعاء الصباح لأمير المؤمنين (عليه السلام): (فبئس المطية التي امتطت نفسي من هواها، فواهاً لها لما سولت لها ظنونها ومناها).

          وهي قد تبدو مفارقة أن تكون رعاية النفس والإحسان إليها بمنعها مما تشتهيه وكبح جماحها، وعدم إطلاق العنان لها في اللهو واللعب كالذين قضوا ساعات شهر رمضان المباركة –التي جعلها الله تبارك وتعالى ميداناً لأوليائه يتسابقون فيها إلى رضوانه- يقضونها بمتابعة المسلسلات الماجنة ولعبة المحيبس وأمثالها، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في المناجاة الشعبانية: (إلهي قد جُرتُ على نفسي في النظر لها، فلها الويل إن لم تغفر لها) ويقول (عليه السلام): (وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبُت على جوانب المزلق)([1][5])، وقال (عليه السلام): (وأيمُ الله –يميناً أستثني فيها بمشيئة الله- لأرُوضَنَّ نفسي رياضةً تَهِشُّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً)([1][6]) وفي ذلك يوصي الإمام الصادق (عليه السلام) شيعته خصوصاً الذين يسوّفون التوبة والندم والاستغفار والذين يتلفون أنفسهم فيما يسمونه (جهاداً) أو (ثورة) أو (مقاومة) ونحوها دون الرجوع إلى البصير بأمور الشريعة وما يصلح الأمة، قال (عليه السلام): (عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لأنفسكم، فوالله إن الرجل لَيكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها، والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها، ثم كانت الأخرى باقية يعمل على ما قد استبان لها، ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة، فأنتم أحقّ أن تختاروا لأنفسكم، إن أتاكم آتٍ منّا فانظروا على أي شيء تخرجون) (فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا)([1][7]).

          ومن مصاديق الأمانة: جسدك الذي ائتمنك الله تبارك وتعالى وصنعه لك بأحسن تقويم لتتخذه وسيلة للكمال والوصول إلى الغاية وأمرك بالاعتناء به وحفظه وتوظيفه لهذا الهدف السامي وهو طاعة الله تبارك وتعالى وعبادته فهو وسيلة وليس غاية، ومما ورد في مناجاة الخائفين للإمام السجاد (عليه السلام): (إلهي هل تسوّدُ وجوهاً خرَّتْ ساجدة لعظمتك، أو تُخرسُ ألسنةً نطقت بالثناء على مجدك وجلالتك، أو تطبع على قلوبٍ انطوت على محبتك، أو تُصِمُّ أسماعاً تلذذت بسماع ذكرك في إرادتك، أو تغلّ أكفاً رفعتها الآمال إليكَ رجاء رأفتك، أو تعاقب أبداناً عملت بطاعتك حتى نحلت في مجاهدتك، أو تعذب أرجلاً سعت في عبادتك).

          فمن الخيانة توظيف الجسد في الحرام كاللواتي يتاجرن به أو الذين يستخدمون بعض جوارحهم في الحرام ومن الخيانة إيلام الجسد وإيذاؤه ولو بمثل التدخين الضار فضلاً عن المحرمات كشرب الخمر والزنا أو إيذاؤه تحت عناوين مبتدعة كبعض ما يأمر به أدعياء السلوك إلى الله تعالى والمعرفة ولو كان في ما يفعلونه خيراً لما توقف الأئمة المعصومون (عليهم السلام) عن بيانه وهم كجدهم (صلى الله عليه وآله وسلم) [بِالمُؤمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ] فلا يحبسون عنهم ما ينفعهم، ومن الإيذاء ما يفعله البعض باسم شعائر الحسين (عليه السلام) والتفجّع لمصابه وهي براءٌ منه [قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ] (يونس: 59).

          ومن الخيانة إغراق الجسد في الراحة والترف والاعتناء بمتع الجسد وكمالياته بعيداً عن الهدف، لأنه وسيلة وليس غاية، فلا يعقل إمضاء الوقت المقرر للسفر بالاعتناء بواسطة النقل وترتيبها وتجميلها حتى ينتهي الوقت المقرر لبلوغ الغاية. وهكذا عمر الإنسان المخصص للسفر إلى الملكوت فلا يقضيه في إمتاع الجسد وراحته، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أريحوا أجسادكم بالتعب ولا تتعبوها بالراحة)،وكان (عليه السلام) لا يعطي لجسده إلا ما يقويه على طاعة الله تبارك وتعالى لذلك كان جسده قوياً متيناً قادراً على الانسجام مع ما يقتضيه مقام أمير المؤمنين (عليه السلام) من الفناء في طاعة الله تبارك وتعالى والجهاد في سبيله حتى قال بعض المتخصصين عندما اطلع على نظام حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) وغذائه: ((لولا ضربة ابن ملجم لكان من الممكن أن يعيش علي (عليه السلام) إلى آخر الدهر)) ويجيب (عليه السلام) على من يستشكل عليه ويرى أن قوة الجسد في الترف والتنعم، قال (عليه السلام): (وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان، ألا وإن الشجرة البرّيّة أصلب عوداً والروائع الخضرة أرق جلوداً والنباتات البدوية أقوى وقوداً وأبطأ خموداً)([1][8])، ويقول (عليه السلام): (فما خُلقتُ ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقمُّمها تكترش من أعلافها وتلهو عما يُراد بها، أو أترك سدى، أو أهملَ عابثاً، أو أجُرُّ حبل الضلالة أو أعتسف طريق المتاهة)([1][9]).

          وإذا انتقلنا إلى أداء الأمانة للآخرين؛ فمن مصاديقها الزوجة فإنها أمانة عند زوجها كما ورد في الدعاء المأثور عند إدخال الزوجة على زوجها: (اللهم على كتابك تزوجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها) إلخ، ولم تأتِ إلى بيت الزوج إلا بعقد وصفه الله تبارك وتعالى بأنه ميثاق غليظ قال تعالى: [وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً] (النساء: 21) وهو وصف ميثاقه تبارك وتعالى مع الأنبياء والرسل [وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً] (الأحزاب:7) وواجبه تجاه هذه الأمانة إكرامها ومعاشرتها بالمعروف ففي الحديث: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله) (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم) فمن ظلم زوجته وقصّر في إكرامها فقد خان الأمانة.

          وعيالك أمانة عندك تنفق عليهم وتهذبهم وتحسن تربيتهم وتوجيههم إلى الأخلاق الفاضلة وفعل الخير.

          والزوج أمانة عند زوجته تحفظه في ماله ونفسها وتطيعه إذا أمرها.

          والعلم أمانة تعمل به وتبذله لمن يستحقه فإنّ بذل العلم لأهله صدقة وفي قصص بني إسرائيل أن جليساً لموسى (عليه السلام) وعى علماً كثيراً عذّبه الله تبارك وتعالى بمسخه قرداً في عنقه سلسلة فسأل موسى (عليه السلام) ربه عنه فأوحى إليه: (إني كنت حمّلته علماً فضيّعه وركن إلى غيره).

          والموقع السياسي والإداري والاجتماعي والعشائري هو أمانة يُسأل الإنسان عن أدائها والقيام بحقوقها وليس غنيمة يستأكل بها، وإن الله تبارك وتعالى مسائله عن حسن سيرته مع من ولاه عليهم، وهذا المعنى ركّز عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) لرسوخ معنى الغنيمة و (تقاسم الكعكة) –بمصطلح الحكام والسلطات- ففي كتابه إلى عامله على آذربيجان أشعث بن قيس يقول (عليه السلام): (وإن عملك ليس لك بطعمةٍ ولكنه في عنقك أمانة، وأنت مسترعىً لمن فوقك. ليس لك أن تفتات في رعية، ولا تخاطرَ إلا بوثيقة، وفي يديك مالٌ من مال الله عز وجل، وأنت من خزانه حتى تسلمه إليّ، ولعلي ألا أكون شرّ ولاتك لك، والسلام)([1][10])

          ويعلّم (عليه السلام) مالك الأشتر أوصاف الذين يختارهم للولاية والإدارة والحكم: (ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولّهم محاباةً وأثَرة، فإنهم جِماعٌ من شعب الجور والخيانة، وتوخَّ منهم أهل التجربة والحياء)([1][11]).

          وكان يحاسب عماله أشدَّ المحاسبة إذا علم منهم تقصيراً أو خيانة، ولم ينقل التأريخ خيانة بعض عمال بعض عمال أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا من خلال كشفه (عليه السلام) لهم، في حين أن الحكام الآخرين كانوا فاسدين لكنهم لم يحاسبهم من هو فوقهم، فقد كتب إلى زياد بن أبيه وهو خليفةُ عاملِه على البصرة وتوابعها كالأهواز وفارس وكرمان عبد الله بن عباس: (وإني أقسم بالله قسماً صادقاً، لئن بلغني أنك خُنتَ من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً لأشدَّنَّ عليك شدةً تدعك قليل الوفر ثقيل الظهر ضئيل الأمر، والسلام)([1][12]).

          وكتب (عليه السلام) إلى المنذر بن الجارود العبدي، وقد خان في بعض ما ولاه من أعماله: (أما بعد، فإن صلاح أبيك غرني منك، وظننت أنك تتبع هديه وتسلك سبيله، فإذا أنت –فيما رُقِّيَ إليّ عنك - لا تَدَعُ لهواك انقياداً ولا تُبقي لآخرتك عتاداً، تعمر دنياك بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك، ولئن كان ما بلغني عنك حقاً، لَجَمَلُ أهلك وشسع نعلك خير منك، ومن كان بصفتك فليس بأهل أن يُسَدَّ به ثغر أو يُنفَذَ به أمر، أو يُعلى له قدر أو يُشركَ في أمانة، أو يؤمن على جباية، فأقبل إليَّ حين يصل إليك كتابي هذا، والسلام)([1][13]).

أيها الأحبة:

          هذا بعض ما يمكن أن نفهمه من معنى الأمانة التي أُمرنا بأدائها، قال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا] (النساء:58) والتي ورد في فضلها وأهميتها الكثير كقول الصادق (عليه السلام): (لا تغترّوا بكثرة صلاتهم ولا بصيامهم فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة)([1][14]).

          وبإزاء هذا المعنى الواسع للأمانة وأدائها يكون معنى الخيانة واسعاً فهي تشمل كل تفريط أو تقصير في أداء حق واجب على الإنسان، وهو ظاهر قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] (الأنفال:27) فعن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير الآية: (فخيانة الله والرسول معصيتهما، وأما خيانة الأمانة فكل إنسان مأمون على ما افترض الله عز وجل)([1][15]).

          وقد وردت في الروايات أمثلة لخيانة الأمانة تتجاوز المعنى المتعارف كقول الصادق (عليه السلام): (أيما رجل من أصحابنا استعان به رجل من إخوانه في حاجة فلم يبالغ بكل جهده فقد خان الله ورسوله والمؤمنين)([1][16]) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (الخائن من شغل نفسه بغير نفسه وكان يومه شراً من أمسه)([1][17]).

          وأعظم الخيانة خيانة الأمة في أي موقع ديني أو اجتماعي أو سياسي أو مالي أو إداري.

          ومما كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بعض عماله بعد أن بيّن له ما يجب فعله قال (عليه السلام): (وإلا تفعل فإنك من أكثر الناس خصوماً يوم القيامة، وبؤسىً لمن خصمه عند الله: الفقراء والمساكين والسائلون والمدفوعون والغارمون وابن السبيل.

          ومن استهان بالأمانة، ورتع في الخيانة ولم ينزه نفسه ودينه عنها؛ فقد أحل بنفسه الذل والخزي في الدنيا وهو في الآخرة أذلّ وأخزى، وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأفظع الغش غش الأئمة، والسلام)([1][18]).

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

دور المسجد في حياة الأمة والفرد[1][19] (*)

 

          الحمد لله  رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى ائمة المسلمين من آله الطيبين الطاهرين.

          أجرينا استطلاعاً عن الحالة الدينية والالتزام بشريعة الله تبارك وتعالى خلال شهر رمضان المنقضي وقد اتفقت الإجابة على وجود تحسن قياساً بشهر رمضان العام الماضي الذي شهد انتهاكاً واضحاً لقدسية الشهر ولحرمات الله تبارك ناقشنا أسبابه في خطبة عيد الفطر يومئذٍ.

          ومن مظاهر التحسن الإقبال على المساجد ومجالس الوعظ والإرشاد وانحسار ظاهرة الإفطار العلني والحفلات والتجمعات التي ترافقها محرمات.

          وكان لهذا التحسن أسباب نشير إلى بعض أسبابها بإيجاز:-

1-       ارتفاع الهمة والحماس لدى ثلة من المؤمنين للقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ هذه الفريضة التي بها تقام الفرائض وتحيى السنن وتأمن المذاهب وتحل المكاسب ويستجاب الدعاء ويحكم الأخيار وغيرها من الآثار المباركة.

2-       الاحتفالات والحملات الإعلامية التي جرت لاستقبال شهر رمضان والتعريف بحرمته والحث على طاعة الله تبارك وتعالى فيه مما خلق أجواءً محفزّة على الطاعة.

3-       تفعيل دور المساجد والحسينيات وتجمعات المؤمنين مما ساهم في جذب الناس إليها والتفاعل مع الشعائر الدينية ولو من منطلق السلوك الجمعي.

4-                استجابة بعض الجهات الحكومية لمطالب المؤمنين واتخاذ قرارات تمنع انتهاك قدسية هذا الشهر الشريف.

          وعلى أي حال إتضاح الفرق لدى الناس بين الدين والجهات الدينية من جهة وبين الأحزاب الحاكمة والمتسلطين باسم الدين الذين اساؤوا وافسدوا وظلموا مما قلّل من تحول الاستياء والنفور والرفض لهؤلاء الى نفوذ ورفض للدين والتدين فنحن من واجبنا كمؤمنين دعم الحالة الإيمانية وتنميتها والمحافظة عليها، واتخاذ كل التدابير الكفيلة بذلك ونحن سنتحدث هنا عن نقطة واحدة من المجموعة أعلاه وهي أثر المساجد في دعم وانتشار التدين والالتزام بالأخلاق وإن كان هذا الدور للمساجد مما لا يخفى على أحد ولكن الذكرى تنفع المؤمنين.

          للمساجد أهمية كبيرة في الشريعة من خلال الحث الأكيد على إعمار المساجد مادياً –ببنائها وتشييدها- ومعنوياً –بإقامة الصلوات والشعائر الدينية والحلقات العلمية ونحوها فيها- وفضل الصلوات فيها خصوصاً لصلاة الجماعة، وثواب المواظبة على الحضور فيها حتى أن مجرد الوجود في المسجد عبادة يثاب عليها وإن لم يفعل شيئاً، ومن خلال بيان بركة الآثار المترتبة على التواصل مع المساجد وغيرها، وسأنقل لكم بعض الروايات الشريفة في ذلك:-

1-       في بناء المساجد ولو برصف أحجار لتحديد أرض المسجد، صحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة. قال أبو عبيدة: فمر بي أبو عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجداً فقلت له: جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ قال: نعم)([1][20]).

2-       فضل صلاة الجماعة والسعي إليها في المساجد، صحيحة زرارة قال: (قلت لأبي عبد الله: ما يروي الناس أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة، فقال: صدقوا)([1][21]).

    وفي خبر آخر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلا خفف الله عليه أهوال يوم القيامة، ثم يؤمر به إلى الجنة).

    وفي فضل المشي إلى المساجد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من مشى إلى المسجد لم يضع رجلاً على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة)([1][22]) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (ما عُبد الله بشيء مثل الصمت والمشي إلى بيته) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات).

3-       المتواصل مع المسجد ولو بالنية في ظل الله تبارك وتعالى، فعن رسول الله ص: (سبعة في ظل عرش الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل تصدق بيمينه فأخفاه عن شماله، ورجل ذكر الله عز وجل خالياً ففاضت عيناه من خشية الله، ورجل لقي أخاه المؤمن فقال: إني لأحبك في الله عز وجل ورجل خرج من المسجد وفي نيته أن يرجع إليه، ورجل دعته امرأة ذات جمال إلى نفسها فقال: إني أخاف الله رب العالمين)([1][23]).

4-       سر عظمة المساجد وكرامة زائرها: عن أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العلة في تعظيم المساجد فقال: إنما أمر بتعظيم المساجد لأنها بيوت الله في الأرض)([1][24]) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: مكتوب في التوراة أن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي ألا أن على المزور كرامة الزائر) وعن الصادق (عليه السلام) أيضاً أنه قال: (عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه وكُتب من زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء وصلوا من المساجد في بقاع مختلفة فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة)([1][25]).

5-       الجلوس في المسجد عبادة: عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (صلوات الله عليهم) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث، قيل: يا رسول الله وما الحدث؟ قال: الاغتياب)([1][26]). وعنه (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتاً في الجنة)([1][27]).

6-       فوائد التردد على المساجد: عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه كان يقول: (من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو يسمع كلمة تدل على هدى، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يترك ذنباً خشيةً أو حياءً)([1][28]).

7-       تحير من لم يحضر الصلاة في المسجد من غير علة: عن علي (عليه السلام): (لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغاً صحيحاً)([1][29]) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (اشترط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جيران المسجد شهود الصلاة وقال: لينتهين أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرنّ مؤذناً يؤذّن ثم يقيم ثم لآمرن رجلاً من أهل بيتي وهو علي بن أبي طالب فليحرقنذ على أقوام بيوتهم بحزم الحطب لأنهم لا يأتون الصلاة).

8-       الجلوس في المسجد خير من الجلوس في الجنة: عن علي (عليه السلام) قال: (الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنة، لأن الجنة فيها رضا نفسي والجامع فيه رضا ربي)([1][30]).

9-       المسجد أحب البقاع إلى الله وفضل تطويل البقاء فيها: ففي الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لجبرائيل (عليه السلام): يا جبرائيل أي البقاع أحب إلى الله عز وجل؟ قال: المساجد وأحب أهلها إلى الله أولهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها)([1][31]).

 

أيها الأحبة:

          هذا بعض ما ورد في عظمة المساجد وبركتها على الفرد والمجتمع، وقد لمسنا ذلك على أرض الواقع، لذا فنحن مطالبون اليوم بـ (صحوة) و (يقظة) من هذه الغفلة والتقصير في حق المساجد بل في حق أنفسنا إذ لم نستثمر هذه الفرصة العظيمة للطاعة التي أتاحها الله تبارك وتعالى حتى لا نكون ممن يشكوهم المسجد كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام): (ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه)([1][32]).

          إن الفرصة متاحة اليوم لنشر المساجد ومحالّ العبادة وإقامة الشعائر الدينية ومجالس الوعظ والإرشاد في كل مكان ولو بأبسط صورها من دون تصور الأبنية الضخمة، مثلا يوجد كثير من الساحات المتروكة يمكن تسويتها وتحديدها أو تسقيفها لتكون محلاً لاجتماع المؤمنين، أو تهيئة بعض غرف الاستقبال والمضايف في الدور لتؤدي الغرض، أو الوصول إلى مستوى تبرع الأشخاص أو الجهات بإنشاء المساجد وتأسيسها على التقوى [لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ] (التوبة:108).

          والأهم من الإعمار المادي هو الإعمار المعنوي الذي تشكو منه المساجد في الحديث المتقدم، وإعمارها يكون بإقامة الصلوات فيها والذكر والدعاء وبيان الأحكام الشرعية والأخلاق الفاضلة وتهذيب النفوس ومجالس الوعظ والإرشاد وذكر فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ومظلوميتهم والشعائر الدينية وتجنيبها ما ينافي قدسيتها من المحرمات واللغو واللهو وأعمال الدنيا، وفي ذلك ورد عن أبي ذر (رضوان الله عليه)عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (يا أبا ذر الكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، يا أبا ذر من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة، فقلت: كيف يعمر مساجد الله؟ قال: لا ترفع الأصوات فيها ولا يُخاض فيها بالباطل ولا يشترى فيها ولا يباع واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك)([1][33]).

          وفي الحديث الشريف: (يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد فيقعدون حلقاً ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، لا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة)([1][34]).

          ومن وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر (رضوان الله عليه): (يا أبا ذر: كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصلٍّ أو ذكر ذاكر الله تعالى أو سائل عن علم)([1][35]).

          إن من بركات إعمار المساجد وإحيائها دفع البلاء عن الأمة وما أحوجنا إليه، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إن الله تبارك وتعالى ليريد عذاب أهل الأرض جميعاً حتى لا يحاشي منهم أحداً إذا عملوا بالمعاصي واجترحوا السيئات، فإذا نظر إلى الشيّب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات، والوُلدان يتعلمون القرآن رحمهم اله فأخّر ذلك عنهم)([1][36]) ومن وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر: (يا أبا ذر: يقول الله تعالى: إن أحب العباد إليّ المتحابون بجلالي المتعلقة قلوبهم بالمساجد المستغفرون بالأسحار، أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم)([1][37]).

          فسارعوا أيها المؤمنون [إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] (آل عمران:133) [إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ] (التوبة:18) [وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً] (الجـن:18).

          ولنستثمر التوجه الحاصل في شهر رمضان فنديمه ونخلق الحوافز الإضافية له وليقم طلبة العلوم الدينية والخطباء والمبلغون بدورهم وواجبهم في هذه الحركة المباركة. ويحسن مراجعة كتاب (شكوى المسجد) وآخر فصل من كتاب (نحن والغرب) لمعرفة أسباب عزوف الناس عن المساجد وكيفية علاجها وأمور مفيدة أخرى والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 


(*) الخطبة الأولى لصلاة عيد الفطر السعيد عام 1430 المصادف 21/9/2009، وأصلها كلمة تحدث بها سماحته إلى حشد من الزوار ليلة استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) في 21/رمضان/1430.

([1][1]) وسائل الشيعة: كتاب الوديعة، باب 1، ح1.

([1][2]) وسائل الشيعة: كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب 4، ح2.

([1][3]) نهج البلاغة من الخطبة (199).

([1][4]) المصدر، الخطبة (157).

([1][5]) نهج البلاغة، قسم الرسائل، العدد: 45.

([1][6]) المصدر السابق، نفس الموضع.

([1][7]) وسائل الشيعة: كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، باب 13، ح1.

([1][8]) نهج البلاغة قسم الرسائل، العدد: 45.

([1][9]) نهج البلاغة، قسم الرسائل ، نفس الموضع.

([1][10]) المصدر، العدد: 5.

([1][11]) المصدر، العدد 53.

([1][12]) المصدر، العدد 20.

([1][13]) المصدر، العدد 71.

([1][14]) وسائل الشيعة: كتاب الوديعة، باب 1، ح2.

([1][15]) تفسير نور الثقلين:2/144.

([1][16]) بحار الأنوار: 72/177.

([1][17]) غرر الحكم للآمدي، الحديث 2013.

([1][18]) نهج البلاغة، قسم الرسائل، العدد 26.

[1][19] الخطبة الثانية لصلاة عيد الفطر السعيد عام 1430هـ المصادف 21/9/2009

([1][20]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 8، ح1.

 

([1][21]) هذا الحديث والذي يليه تجدهما في وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، باب 1، ح3، 10.

([1][22]) هذا الحديث والحديثان بعده في وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 4، ح1، 2، 3.

([1][23]) بحار الأنوار: 84/2، أبواب مكان المصلي وما يتبعه، باب فضل المساجد وأحكامها وآدابها.

([1][24]) الحديث والذي يليه تجدهما في بحار الأنوار: 84/6.

([1][25]) بحار الأنوار: 83/384.

([1][26]) بحار الأنوار: 83/384.

([1][27]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 3، ح2.

([1][28]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 3، ح1.

([1][29]) الحديثان تجدهما في وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أحكام المساجد، باب 2، ح3، 6.

([1][30]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 3، ح6.

([1][31]) الكافي: ج3، صفحة 489، ح14، باب النوادر.

([1][32]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب حكام المساجد، باب 5، ح1.

([1][33]) المصدر، باب 27، ح3.

([1][34]) المصدر، باب 14، ح4.

([1][35]) بحار الأنوار: 83/370.

([1][36]) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 3، ح3.

([1][37]) بحار الأنوار: 83/370.