(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)

| |عدد القراءات : 11006
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[1]

                        (الضحى/11)

إذا حصلت للإنسان نعمة ما مادية كانت او معنوية فان هذا يوجب عليه أموراً([2]) عديدة :

(منها) شكر هذه النعمة باللسان وبالفعل كسجدة الشكر او صلاة الشكر.

(ومنها) استعمالها في طاعة المنعم ونيل رضاه وأداء ما افترض الله تعالى من حقوق فيها كالحقوق المالية او حق الزوج والزوجة أو حق الوالدين او المعلم او القائد الصالح كما رسمها الامام السجاد (عليه السلام) في رسالة الحقوق.

(ومنها) بذلها للناس وعدم التقصير في سد احتياجاتهم منها، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (إن لله عباداً أختصهم بالنعم يقرّها فيهم ما بذلوها للناس فإذا منعوها حوّلها منهم الى غيرهم) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:(من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس اليه، فمن قام لله فيها بما يجب فيها عرّضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزوال والفناء).

(ومنها) ما ذكرته الآية الشريفة من وجوب التحديث بهذه النعمة، اذ الامر فيها لا يختص بالمخاطب وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  كما هو واضح في آيات القران الكريم، وقد يبدو الأمر غريباً إذا تعلق بالأمور المادية إذ من غير المألوف أن يتحدث الانسان في مجالسه بما عنده من اموال أو بنين او عقارات او نفوذ اجتماعي ونحو ذلك، وكذا الحديث في الأمور المعنوية فقد يدخل في باب الرياء او العجب ان يتحدث الانسان عن الطاعات التي قام بها من صلاة او صوم او صدقة ونحو ذلك، إذن كيف نفهم هذا الامر بالتحديث بالنعمة.

 والجواب يتحقق من خلال فهم معنى (النعمة) او (التحديث) يناسب الامر الوارد في الآية، والتأمل فيهما يؤدي الى عدة وجوه :-

1- ان التحديث بالنعمة لا يكون بعنوان كونها إنجازاً شخصياً للاستعلاء والتفاخر وإنما بما هي منسوبة الى الله تبارك وتعالى لبيان فضله وكرمه وابتداءه بالنعم لتحبيبه تعالى الى الناس وتذكيرهم بما أنعم الله تعالى عليهم، لذلك أضافت الآية النعمة الى الرب (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).

2- ان التحديث بالنعمة لا يقتصر على الحديث اللساني وإنما يشتمل التحديث العملي بإظهار تلك النعمة أمام الآخرين روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) وعن الامام الصادق (عليه السلام) قال : (إذا أنعم الله على عبده بنعمة فظهرت عليه سُميّ حبيب الله محدثاً بنعمة الله، وإذا أنعم الله على عبد بنعمة فلم تظهر عليه سمّي بغيض الله مكذباً بنعمة الله) ويكون ثمرة هذا التحديث للتأسي في فعلها أو السعي بنفس المقدمات التي تؤدي الى تحصيل تلك النعم ونحو ذلك روي عن الامام الحسين (عليه السلام) قوله: (إذا عملت خيراً فحدّث إخوانك ليقتدوا بك)([3]).

3- يحتمل في التحديث معانٍ آخر غير معنى التكلم بها وإطلاع الآخرين عليها، قال السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره الشريف) (( أمكن أن يُراد بمادة (حدّث) أمران أخران :

 الأول : الحدوث.

 والثاني : التحديث بمعنى الجدة.

فعلى الاوّل يعني: أوجد نعمة ربّك، أي :سبّب إلى وجودها في حدود إمكانك، وهو أمر معنوي.

وعلى الثاني يعني: جدّد نعمة ربّك: إما بالتسبيب إلى تكرارها وإما بتذكّرها. وإما أن يكون الحديث بمعنى التذكّر يعني: حدّث نفسك أو حدّث ربّك، ولم يقل حدّث الآخرين، وهو مجازٌ في التذكّر، وفيه ثوابٌ وتكاملٌ، أو إنَّك إنَّما تفعل ذلك كلّه بنعمة الربّ سبحانه.

وبتعبيرٍ آخر: تارةً يكون التركيز على النعمة وأخرى على التحديث بها، ويكون الآخر تابعاً نحو: العيش برزق الله))([4]).

4- إن الآية لم تذكر صاحب النعمة التي يجري التحديث بها فقد لا يكون المقصود التحدث بنعمة الله على المتحدث نفسه بل على الآخرين لتذكيرهم ولتقريبهم الى الطاعة او لتسليتهم عن أمر فقدوه ولامتصاص غضبهم وسخطهم على ما فاتهم فيذكرهم بالنعمة التي أستفادوها ونحو ذلك، ورد أن الله تعالى قال لموسى (عليه السلام): (حبّبني الى خلقي وحبّب خلقي اليّ، قال: يا رب .. كيف أفعل ؟ قال : ذكرّهم آلائي ونعمائي ليحبّوني)([5]).

النعمة هي الاسلام وولاية اهل البيت (عليهم السلام):.

5- الوجوه السابقة كلها مقبولة ومفيدة الا ان الوجه الادق والاهم هو أن نفهم من نعمة الرب مصداقاً يتناسب مع الأمر بالتحديث بها، وهذا موجود، لأن آيات عديدة وروايات كثيرة أفادت بأن هذه النعمة هي الاسلام وولاية أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها قوله تعالى (فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران/103) ونعمة الله التي ألفت بينهم ووحدّت قلوبهم هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) برسالة الاسلام، عن الامام الحسين (عليه السلام) قال في تفسير هذه الآية (أمره أن يحدِّث بما أنعم الله عليه من دينّه) ويكون هذا المعنى ظاهرا بمقتضى المقابلة بين الآيات في سورة الضحى فان هذه الآية قابلت قوله تعالى (وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى) (الضحى/7) فالنعمة التي امر بالتحدث بها هي نعمة الهداية الى دين الله تبارك وتعالى.

 وتمام هذه النعمة وكمال هذا الدين ولاية علي ابن ابي طالب (عليه السلام) لقوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (المائدة/3)، وورد عن الامام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر/8) قول الامام الصادق (عليه السلام) إلى أبي حنيفة: (نحن – أهل البيت – النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألفّ الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداءاً وبنا هداهم الله الى الاسلام وهي النعمة التي لا تنقطع والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته)([6])، وقد يكون هذا المعنى هو المقصود لا غيره إذا لم نفهم اطلاق النعم وعمومها من قوله تعالى (بنِعْمَةِ رَبِّكَ) بأن يكون المراد التنويه بنعمة معينة فتكون هذه لا غيرها واكتفى بالإشارة اليها لعظمتها واهميتها على سائر النعم.

وورد عن الامام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان/20) قال: (النعمة الظاهرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء به النبي من معرفة الله عز وجل وتوحيده، وأما النعمة الباطنة ولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا).

وقد عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الآية المباركة وتحدّث بفضل اهل بيته ومقاماتهم الرفيعة وجعلهم صنو القرآن والزم الامة بالرجوع اليهم فظن بعض الاصحاب انه منحاز الى قومه ويتحدث بدافع العاطفة نحو اهل بيته (عليهم السلام) وهو المنزّه عن كل ذلك (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم3/4) فعمله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا كان التزاماً بالآية الكريمة.

فالتحديث بهذه النعمة يكون بالتعرف عليها والتفقه فيها ثم نشرها بين الناس ودعوتهم اليها، وإذا أردنا أن نكون من الشاكرين على هذه النعمة فلابد أن نظهرها ونعظّمها ونبّين فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ومناقبهم ومكارم أخلاقهم وننشر مواعظهم وأحكامهم ومحاسن كلامهم ونوصلها الى البشرية جمعاء بكل صنوفها ولغاتها، وعلينا أن نحيي شعائرهم وأمرهم كما دعوا (عليهم السلام) الى ذلك (احيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا) ومن قصَّر في إظهار نعمة ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ولم يدعُ الناس اليها وإقناعهم بها بأي وسيلة ممكنة، أو لم يحفظ حرمة أهل البيت (عليهم السلام) في سلوكه وصفاته فهو ممن لم يؤدِ حق هذه النعمة ولم يشكرها.

وكما تقدّم في قول الامام الصادق (عليه السلام) فأنه أعتبر من لم يحدث بنعمة الله ولم يظهرها مكذباً بنعمة الله وبغيض الله، فليتفقه كل شيعة اهل البيت (عليهم السلام) في دينهم وليطلعوا بعمق ووعي على سيرة أئمتهم (عليهم السلام) ليستطيعوا إيصال هذه الرسالة العظيمة الى العالم كله بأمانة وإتقان (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لأتبعونا)([7]).

    أقول: بناءاً على هذه المسؤولية الكبيرة التي حملّتنا هذه الآية مع توفر أثمن فرصة اليوم لنشر تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) والتمهيد لدولة العدل الإلهي بسبب:

1- عظمة ما أحتوت عليه كلمات أهل البيت (عليهم السلام) من احكام وإرشادات ومواعظ قال الامام الرضا (عليه السلام) (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لأتبعونا) وهذا ما تشهد به التجارب التي حدثنا بها الاخوة المبلغون في شرق الارض وغربها وما لمسوه من إقبال واسع وسريع لمذهب أهل البيت (عليهم السلام).

2-   فشل الأنظمة المادية التي صنعتها البشرية وعجزها عن توفير السعادة للإنسان.

3- الصورة المشوهة للإسلام التي طرحتها المدارس البعيدة عن أهل البيت (عليهم السلام) حيث كان نتاجها التكفير والقتل والارهاب والتدمير وتخريب الحضارة. 

   فتوجهت الانظار كلها الى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لذا كان لزاماً علينا في الحوزات العلمية والنخب الفكرية والثقافية والمراكز العلمية والبحثية أن تضع البرامج والآليات للتحرك بهذه الرسالة العظيمة وسيفتح الله تعالى لهم العالم بأسره ولا نتخوف من الحكومات فإننا إذا توجهنا بخطابنا الى الرأي العام وصنعنا قضية أمامه من خلال مراكز اعلامية وفكرية وبحثية صانعة للمواقف ومقنعة للرأي العام على شكل (لوبيات) مؤثرة وفاعلة في مختلف دول العالم ، فان الرأي العام سيقتنع بها ويضغط على أصحاب القرار ويجبره على الانصياع للرأي العام الذي تخشاه الحكومات.

وأذكر كمثال مظلومية الشعب العراقي وإضطهاد صدام المقبور له، فعندما تحركت المعارضة العراقية يومئذٍ وشرحت هذه المظلومية كوّنت رأياً عاماً متعاطفاً معها وارتقى بهم الأمر حتى أقنعوا حكومات الدول الكبرى بضرورة إتخاذ إجراء وهذا ما حصل، كما ان القناعة حصلت لاثنتين من كبريات الصحف البريطانية والامريكية فنشرت مقالين عن زيارة الاربعين هذا العام واشارت الى الارقام القياسية المتحققة فيها من حيث عدد المشاركين في المشي وعدد المتطوعين للخدمة المجانية وعدد وجبات الطعام المجانية المقدّمة (قدروها ب 200 مليون وجبة) واطول مائدة طعام في العالم في اكبر حشد بشري، كما عتب كاتبا المقالين على وسائل الاعلام العالمية لإغفالها هذا الحدث مع انها تغطي تجمعا لعشرات في هذه الدولة او تلك.

وهذا كله يثبت اننا قادرون على صناعة وتوجيه الرأي العام العالمي اذا توفرت الارادة والعزم والسعي.

فلماذا نتخلى عن مشروعنا هذا بمجرد الوصول الى السلطة، فهل السلطة غايتنا أم إنها وسيلة لإحقاق الحق وإزالة الظلم والفساد.

 

 

 



[1]) تقرير لحديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع الضيوف المشاركين في مؤتمر الطف الدولي السابع الذي اقامته كلية الآداب في جامعة المستنصرية وقد زاروا سماحة المرجع يوم الاربعاء 26/صفر/1437 المصادف 9/12/2015 وهم من دول عربية واسلامية واجنبية.

[2]) شرحناها بتفصيل أوسع في خطاب (ولتسألن يومئذٍ عن النعيم) (خطاب المرحلة: 7/101) وخطاب (الذين بدلوا نعمة الله كفراً) (خطاب المرحلة : 8/333).

[3])  مفاتيح الغيب :31/201.

[4]) منة المنان في الدفاع عن القرآن: 2/ 96.

[5]) الأمالي : 484.

[6]) راجع مصادر هذه الأحاديث في خطاب المرحلة: 8/333 و7/101.

[7]) معاني الاخبار للشيخ الصدوق.