الشهيدان الصدران: تنوع أدوار ووحدة هدف

| |عدد القراءات : 4532
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الشهيدان الصدران: تنوع أدوار ووحدة هدف

 نستقبل خلال أيام الذكرى السنوية السابعة لاستشهاد سيدنا الأستاذ الشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره) في الثالث من شهر ذي القعدة، وأعتقد أننا إلى الآن لم نحتفل بالسيد الشهيد (قدس سره) احتفالاً واعياً يستلهم من أفكاره ومشاريعه ورؤاه ومنهجيته في العمل ما يوجّه مسيرتنا الحاضرة والمستقبلية.

وقد قلنا أن الماضي إنما يكتسب أهميته ويكون ذا قيمة إذا وُظِّف لحل مشاكل الحاضر والمستقبل ومعالجة قضاياهما، أما الاقتصار على الاحتفال العاطفي وتعداد المناقب والانجازات فهذا وإن كان فيه وفاءاً لصاحب الذكرى إلا أنه يعود إليه وقد لقي جزاءه الكريم عند ربّه الكريم فماذا قدّمنا نحن وماذا استفدنا من ذلك كله؟  

ولا نعني باستلهام التجربة والاستفادة منها استنساخها وتكرارها مهما كان صاحب التجربة عظيماً؛ لأن الظروف الموضوعية وتغيّر الزمان والمكان لها كل التأثير في رسم خطة العمل وهذه ليست متطابقة، وإذا كان الأئمة (عليهم السلام) وهم معصومون لهم أدوار متنوعة وإن كان الهدف واحداً مشتركاً فما بالك بغير المعصوم؟

إذن ليس من المعقول أن يعيش اللاحق نفس منهج السابق وبرنامجه فالشهيد الصدر الأول (قدس سره) له ظروفه ومنهجيته، والشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وكذا من يأتي بعده، وأشير هنا إلى بعض الفروق بين المنهجيتين:

1- نظم الشهيد الصدر الأول (قدس سره) عمل الأمة وخصوصاً الشباب الرسالي في تشكيل هو (حزب الدعوة الإسلامية) لمّـا رأى ضرورةً لمشاركة الإسلاميين في الحراك السياسي وتنظيم عمل الحركة الإسلامية وكانت الفرصة مؤاتية لذلك حتى قُمع بكل بطش وقسوة واستشهد هو (قدس سره) وخير أبناء الأمة، فليس من المعقول أن يسير الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) على نفس الخط، لذا فإنه عبّأ الأمة ونظّمها بآلية أخرى هي صلاة الجمعة وخلق الوعي العام والحركة الجمعية التي حشّدت مئات الآلاف من المؤمنين يعجز عن تحشيده أكبر الأحزاب حجماً وأكثرها تنظيماً من دون أن يعطي للسلطة مبرراً لضربها.

2- إن الشهيد الصدر الأول (قدس سره) ركّز على بناء عقول أبناء الأمة ووعيها فكتب لهم في الاقتصاد والفلسفة والأسس المنطقية للاستقراء وغيرها ولكنه لم يركّز على تهذيب النفس وتطهير القلب مما يُعرف بعلم الأخلاق لا لغفلةٍ منه (قدس سره) عن الحاجة إليه! كيف وهو يرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسميه (الجهاد الأكبر) وكان (قدس سره) يجسّد كل الأخلاق الكريمة في حياته الشريفة، لكنه ربما كان يعتقد أن التربية العامة من خلال الخطباء والمواعظ وكتب الأخلاق كافية لتأمين هذا الجانب.

لكنه فوجئ بعد ثلاثة عقود من العمل الإسلامي ومن بعض المواقف التي شهدها في أواخر حياته التي رواها الشيخ النعماني في كتاب (سنوات المحنة وأيام الحصار) أنه كان حسن الظن أكثر مما ينبغي، وعليه أن يركز على هذا الجانب أكثر من غيره فألقى خطبته المدوّية عن حبّ الدنيا فبكى وأبكى الحاضرين من طلبته في مسجد الطوسي قبيل استشهاده (قدس سره).

وقد عبّر هو عن هذا النقص في التربية حين قال (إننا استطعنا أن نربي الناس إلى نصف الطريق) وقد نقلها الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في بعض رسائله لي التي طبعتها بأنه (قدس سره) يقصد أنه ربّى عقول الناس ولم يربِّ قلوبهم ونفوسهم.

وهذا ما التفت إليه الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فكان يغتنم الفرص لإلقاء المحاضرات الأخلاقية، ورسائله لي التي جمعتها في كتاب (قناديل العارفين) خطوة كبيرة في هذا المجال وقد استفدنا بفضل الله تبارك وتعالى من هذه التجارب وغيرها وحاولنا بلطف الله تعالى أن نختط المنهج المناسب للظروف التي نعيشها.

وما نعانيه اليوم من كوارث ومظالم من الأقربين قبل الأبعدين إنما يعود إلى النقص في تربية النفس وتهذيبها ومخالفة هواها، حتى انه مرّت حوالي ثلاث سنين على سقوط الصنم ولا زال الناس يشعرون بالإحباط من عدم وجود تغيّر ملحوظ في حياتهم بسبب وجود هذا النقص عند الكثير من المتصدّين للحكم وإدارة البلد من دون أن نغمط المحسنين حقّهم التزاما بقوله تعالى (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، فالعمل في هذا الاتجاه –اتجاه تربية النفس وتهذيبها- من الأسس الرصينة للحركة الإسلامية بالاتجاه الصحيح.

كنت قد كتبت كلمة بعنوان (لو كان الشهيد الصدر الأول (قدس سره) بيننا الآن لفعل ماذا؟)([1]) وتحدثت عن عدة مشاريع استشرافية مستفادة من معالم هذه المدرسة الرسالية، وهي إحدى الآليات التي تفعّل هذا المنهج من دراسة سيرة العظماء والقادة والمصلحين، فلنكرر السؤال في ذكرى استشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سره) لنستلهم منه (قدس سره) المشاريع والأفكار التي تبرمج حياتنا الحاضرة، وأنتم كلكم أكاديميون وربما عاش أكثركم الحركة الإصلاحية للشهيد الصدر (قدس سره) وتأثّر بها، فمساهمتكم في إجابة استبيان بهذا السؤال ستغني هذه الفعالية وتأتي بنتائج مباركة.

وقد جرّبنا مثل هذه الآلية فحصلنا على جهود رائعة مثلاً كتاب (ثمار الخطابة بين المنبر الحسيني ومنبر الجمعة) والذي كان حصيلة استبيان عن الفرق بين المنبرين والنقلة الكبيرة التي أحدثها منبر الجمعة خلال فترة سنة وخرجنا بثلاثة وعشرين خصيصة لمنبر الجمعة، والكتاب مطبوع ويمكن الرجوع إليه.

مضافاً إلى أن مثل هذه الفعاليات ستنشّط الحركة الإسلامية في الجامعات وتعزز موقفها؛ لأني أسمع عن نشاط العلمانية والدعاة إلى الانحلال في أروقة الجامعات ويغذّيها بعض الأساتذة مع الأسف، وأحد أسباب ذلك خمول الإسلاميين وضعف أدائهم وعجزهم عن تقديم برامج مقنعة للشباب الجامعي، وكلما تراجع العمل الإسلامي نشط الآخر لأن الساحة لا تبقى فارغة فأما أن يملأها الصلاح أو الفساد والعياذ بالله، والمواجهة مفتوحة بين النور والظلام فكلما انسحب النور انتشر الظلام.

وكنت قد ألقيت قبل سنتين في مثل هذه المناسبة كلمة بعنوان (عوامل نجاح الحركة الإصلاحية للشهيد الصدر الثاني (قدس سره)) وهي تندرج في هذا الاتجاه.

وحينما نطالب بالاحتفال الواعي في مثل هذه المناسبات فإننا لا نريد أن ننتقص من أهمية العاطفة واستثارتها فإنها عنصر قوة لا تقل عن قوة الوعي وإذا اجتمعا –كما اجتمعا في قضية الثورة الحسينية- تولد محرّك كبير للأمة وقدرة على صنع المعجزات.

 

محمد اليعقوبي



([1])  تقدمت في المجلد السابق.