المرحوم الشيخ الآصفي: مثال العالم العامل

| |عدد القراءات : 4413
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

المرحوم الشيخ الآصفي: مثال العالم العامل

إنا لله وإنا اليه راجعون (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) (النحل128)

فُجِعَتْ الحوزات العلمية الدينية  اليوم بفقد أحد رجالها الذين حملوا رسالتها في العلم والعمل أكثر من خمسين عاماً وهو سماحة آية الله المرحوم الشيخ محمد مهدي الآصفي (أعلى الله درجته).

لقد حمل الفقيد راية الإصلاح في الحوزة العلمية والمجتمع منذ أوائل شبابه متأثرا بأفكار ومشاريع أُستاذه المجتهد المصلح المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر (قدس الله سره)، وعكس تأثره هذا في كتاب أصدره  بمناسبه وفاة أُستاذه المظفر عام 1963 بعنوان "مدرسة  النجف وتطور الحركة الإصلاحية فيها"  فلم يكن تعبيره عن مصابه بأُستاذه عاطفياً مؤقتاً، وإنما بتقديم أُطروحةٍ رائدةٍ في هذا المجال وهو في منتصف العشرينيات من عمره (مواليده عام 1939) وقد نصحتُ طلبةَ العلوم الدينية مراراً بالاستفادة منه.

كان (رحمه الله تعالى) متميزاَ في عطائه وسابقاً لأقرانِهِ، عندما أصدر والدي الشيخ موسى (رحمه الله تعالى) مجلة الإيمان في النجف عام 1383/ 1963 وخصّصَ العدد الأول لذكرى الإمام الصادق (عليه السلام) بمناسبة مرور ثلاثة عشر قرناً على ميلاده الميمون، لم تكُنْ مشاركة المرحوم الشيخ الآصفي تقليدية وإنما كانت تأصيلية في بابها بعنوان (عوامل النمو في مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام)) وهو أول ما لفت انتباهي الى كتابات هذا الرجل المبارك، وكان يساعد والدي (رحمهما الله تعالى) في مراجعة ما يُكْتَبْ في المجلة قبل نشرها.

كرّسَ حياته للدعوة الى الله تبارك وتعالى ودينِهِ القويم والجهاد لإعلاء كلمته تبارك وتعالى وإقناع الامة بالمشروع الإسلامي وقيادته المباركة فكانت طلائع كتبه  عن الإمامة وأسرار التشريع الإسلامي ودور الدين في حياة الإنسان، ورأى ضرورة المشاركة في العمل السياسي الحزبي لإقامة البديل الصالح وهو نظام الحكومة الإسلامية، ولنشاطه هذا فقد كان على رأس القائمة التي استهدفها جلادو البعث عند عودتهم الى السلطة في العراق عام 1968 فاضطر الى مغادرة العراق.

أقام في عدة دول إسلامية وسافر الى  كثير من دول العالم يدعو الى الله تبارك وتعالى وإحياء مشروع الإسلام ووحدة المسلمين، ولا أنسى له شعوره بالصدمة عندما أُعيق تشريع قانون الأحوال الشخصية على الفقه الجعفري قبل اكثر من عام مما يدل على غيرته على الدين وشعوره بالمسؤولية.

وهو خلال ذلك لم يتخلَّ عن عطائه العلمي والفكري والحركي فكان يدرِّس البحث الخارج في المسائل الفقهية التي تُؤصّلُ لمشروع الإسلام في بناء الدولة والحكم، واستمر على إصدار الكراريس والكتب في مختلف العلوم والمعارف الإسلامية كالتفسير والعقائد والأخلاق وسيرة الأئمة المعصومين والسياسة والاجتماع حتى تعسّرَ ضبطها وعدُّها، وبقي رافداً مهماً ومعيناً صافياً  ينهل منه أبناء الامة الإسلامية خصوصا الشباب.

عاد (رحمه الله)  الى العراق بعد سقوط الصنم صدام عام 2003 وتفرّغ للعمل الإنساني والفكري ونشر تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن اعتزل العمل السياسي الحزبي قبل ذلك بسنين، لكنه واصل جهاده، ورغم كِبًر سنّهِ وتكاثر أمراضه إلا أن ذلك لم يعقه عن تفقد المجاهدين في ساحات القتال ضد الارهابيين والتكفيريين وأعداء الحضارة والإنسانية.

وقد عرفتُهُ ضنيناً بدينه لم تخلُبْ لبّه بروق المطامع التي كان فيها مصارع الرجال، ولا أغرته البهارج الزائفة للعناوين الدينية والسياسية مع أنه كان أهلاً لها، لكنه (رحمه الله) زهد فيما رغب فيه الآخرون من حطام الدنيا وكان متواضعاً بسيطاً في معاشه وهو ما يعرفه عنه كل من عاشره، وكان كثير الصوم حتى في السفر ويصححه بالنذر، وأتذكر أني في أحدى الزيارات المتبادلة معه قدّمتُ له كتابي عن صوم المسافر من موسوعة فقه الخلاف فكان أول سؤال له عن تصحيح صوم رمضان بالنذر في السفر ولو رجاءاً.

فجزاه الله تعالى عن الإسلام وأهله خير جزاء المحسنين، وجعل ما قدّمه الفقيه الراحل صدقةً جاريةً ينتفع منه المؤمنون وأفرغ عليه من شآبيب رحمته، وأسأله تبارك وتعالى أن يعوّض الحوزة العلمية والامة الإسلامية بمن يقرن العلم النافع بالعمل الصالح ويهديه الى سبيل الرشاد

 

                                 

                    محمد اليعقوبي - النجف الاشرف

                     16/شعبان/1436

                         4/6/2015