رجب شهر المعرفة بالله تعالى

| |عدد القراءات : 3980
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 

بسمه تعالى

رجب شهر المعرفة بالله تعالى[1]

لشهر رجب أسماء عديدة أطلقت عليه لخصائص وميّزات فيه، ومنها انه شهر الله تعالى سماه به النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ففي كتاب ثواب الاعمال للشيخ الصدوق عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال : (ألا إن رجباً شهر الله الأصمّ، وهو شهرٌ عظيمٌ، وإنما سُميّ الأصمّ لأنه لا يقارنه شهرٌ من الشهور حرمةً وفضلاً عند الله تبارك وتعالى)([2]) الى آخر الحديث.

    ويمكن أن نفهم معنى كونه  شهر الله بعدة وجوه من خلال تقدير المضاف، فهو شهر رحمة الله تعالى حتى كان من اسمائه رجب الأصبّ لان الرحمة تصّب فيه على الأمة صباً([3])، وهي الرحمة الخاصة لا الرحمة العامة الموجودة في كل زمان، وهو شهر كرم الله تعالى لان العطاء الالهي والموائد التي اعدت للطائعين لا نظير لها كما في الحديث السابق والاتي ونحو ذلك فهذه المعاني كلها صحيحة .

لكن الذي اريد عرضه الآن من معنى شهر الله هو انه شهر معرفة الله تعالى، التي هي غاية الغايات كما يقال وبها يتفاضل العباد وتتفاوت درجة قربهم من الله تعالى، والذي يؤيد هذا الوجه تركيز اذكار وتسبيحات وأدعية شهر رجب على هذه المعرفة فشهر رجب فرصة لتحصيل هذه المعرفة، ومن طرق تحصيلها التأمل في الادعية الرجبية التي تعرّف الله تعالى الى عباده ومن تلك الادعية الدعاء المروي عن الامام الصادق (عليه السلام) : (يَا مَنْ أَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْر، وَ آمَنُ سَخَطَهُ عِنْدَ كُلِّ شَرٍ، يَا مَنْ يُعْطِي الْكَثِيرَ بِالْقَلِيلِ، يَا مَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ، يَا مَنْ يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تُحَنُّناً مِنْهُ وَ رَحْمَةً).

تصّور لو ان أنساناً بهذه الصفات : ترجو منه كل خير يخطر على بالك وتتوقع منه أي عطاء مهما عظم، وتأمن شرّه وعقوبته مهما صدرت منك من اساءة وجرم وتقصير، لا يكتفي بإعطاء من سأله بل يعطي إبتداءاً لمن لم يسأله بل ومن لم يعترف به ويضعه في المنزلة التي يستحقها ومع ذلك يعطيه ويفيض عليه من كرمه لا لشيء إلا لأنه كتب على نفسه الرحمة، فكم ستحب مثل هذا الانسان وتعشقه وتتودد اليه وتقترب منه وتلهج بذكره والثناء على جميل صنعه، هذا مع ان عطاء المخلوق مهما عظم لا يقاس بعطاء الخالق.

أو في الدعاء الاخر عن الامام الصادق (عليه السلام) :(بابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرّاغِبينَ، وَخَيْرُكَ مَبْذُولٌ لِلطّالِبينَ وَفَضْلُكَ مُباحٌ لِلسّائِلينَ، وَنَيْلُكَ مُتاحٌ للآمِلينَ، وَرِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصاكَ، وَحِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ ناواكَ، عادَتُكَ الاْحْسانُ اِلَى الْمُسيئينَ، وَسَبيلُكَ الاِبْقاءُ عَلَى الْمُعْتَدينَ).

أي صفات وأي اسماء أحسن من هذه الصفات: وهكذا يمكن استفادة المزيد من المعرفة الآلهية من خلال أدعية رجب المباركة.

وهنا فائدة اخرى لا نغفل عنها وهي أن نتخذ هذه الصفات والأسماء الحسنى مثلاً أعلى نتأسى به ونعمل على تزيين سلوكنا وتهذيب مشاعرنا بهذه الصفات، قال تعالى (وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى) (النحل60)، فهل المتدينون متصفون بهذه الصفات: ترجوهم لكل خير تقصدهم فيه، وتأمن غضبهم وسخطهم اذا اسأت لهم او قصّرت في حقهم وهكذا.

ومن جانب اخر فان شهر رجب يمثل بيئة ومناخاً مناسباً لتحصيل هذه المعرفة لأنه من محطات النفحات الالهية الخاصة ومن الأسباب التي جعلها الله تبارك وتعالى لنيل رضوانه، فمن طلب هذه المقامات من الله تعالى وسعى لها سعيها أعطاه الله تبارك وتعالى ذلك، وهذا وعد بلغه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقد روي عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال: (إنّ الله تعالى نصب في السماء السابعة ملَكاً يقال له الداعي، فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملك كلّ ليلةٍ منه إلى الصباح طوبى للذاكرين طوبى للطائعين، ويقول الله تعالى: أنا جليس من جالسني، ومطيع من أطاعني، وغافر من استغفرني، الشهر شهري، والعبد عبدي، والرحمة رحمتي، فمن دعاني في هذا الشهر أجبته، ومن سألني أعطيته، ومن استهداني هديته، وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي، فمن اعتصم به وصل إليّ)([4]).

هذا بعض عطاء الله تبارك وتعالى في شهر رجب، فطوبى لمن ازداد معرفة بالله تعالى وتقرباً اليه سبحانه .

ايها الاحبة :

ذكرت هذه الخاطرة او النفحة الرجبية لألفات نظركم الى الجوانب المعنوية والاخلاقية في عملكم بل في حياتكم عامة لتتصفوا بالموضوعية والانصاف في نقل الحقيقة من دون تحريف فيها لان في ذلك ظلماً للمتقين، كما ادعوكم الى الالتفات الى هذه الجوانب من الاخبار عند نقلكم وتحليلكم لها، كما حللّنا هنا خبراً منقولاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).



[1] ) كلمة القاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على مجموعة طلبة جامعيين مسؤولين عن العمل الاسلامي في الجامعات العراقية خلال دورة اقيمت لهم بالنجف الاشرف لتدريبهم على العمل الاعلامي يوم الجمعة 12/رجب/1436 المصادف 1/5/2015

[2] ) ثواب الاعمال : 54 باب : ثواب صوم رجب.                                   

[3] ) بحسب الحديث المروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، راجع مفاتيح الجنان : 180.

[4] ) بحار الانوار : 98/377.