مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ: قدوة رسالية في مدرسة النبوة

| |عدد القراءات : 3093
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ: قدوة رسالية في مدرسة النبوة[1]

في ذكرى ولادة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أحببنا أن نتعرف على عظمة النبي  (صلى الله عليه واله وسلم) من خلال تأثيره في أصحابه والقمم السامية التي صنعها وربّاها بالقرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى عليه وبأخلاقه الكريمة، حيث نقرأ في كتب التاريخ والسير مواقف مشرّفة وعظيمة وُفـِّق لها عدد من أبطال الإسلام فنمتلئ زهواً ونشوةً بهذه الإنجازات التي حققها الدين العظيم، ونفتخر بهم.

ومن تلك القمم الرسالية في مدرسة النبوة (مصعب بن عمير) وهو من بني عبد الدار إحدى بطون قريش الأربعين، وكانوا حملة لواء قريش، ويذكر المؤرخون أنهم تعاقبوا على حمل اللواء في معركة اُحد، وفي كل مرة كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يبرز لحامل اللواء ويقتله حتى أفنى أبطالهم قبل أن يلتحم الجيشان، وهند بنت عتبة ترتجز الشعر بين الصفين وتحرّض حملة اللواء (إيهٍ بني عبد الدار         إيهٍ حماة الاخيار) كما تدّعي.

نشأ مصعب في بيت مترف تـٌغدق عليه النعم وكان شاباً مرفـّهاً تتوفر عنده كل الملذات. في كتاب الإستيعاب، كان مصعب بن عمير فتى مكة شبابا وجمالا وتيها وكان أبواه يحبانه وكانت امه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وكان أعطر أهل مكة وكان رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) يذكره ويقول (ما رأيت بمكة أحسن لمّة ولا أرقّ حلـّة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير)، وما ان علم ببعثة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ودعوته الى التوحيد الخالص في مكة -وهو لا يزال يتكتم بالدعوة- حتى سارع مصعب الى الايمان به فكان من اوائل المسلمين السابقين، في كتاب الاصابة ((اسلم قديما والنبي (صلى الله عليه واله وسلم) في دار الأرقم –أي قبل اعلان الدعوة- وكتم اسلامه خوفا من امه وقوه فعلمه عثمان بن طلحة فاعلم اهله فأوثقوه فلم يزل محبوسا الى ان هرب مع من هاجر الى الحبشة ثم رجع الى مكة)).

ولما سمع اهل يثرب (المدينة لاحقا) من الاوس والخزرج بالدين الجديد خرج مجموعة منهم الى مكة واستمعوا الى النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، روي ((أَنَّ الأَنْصَارَ ، لَمَّا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ ، وَأَيْقَنُوا وَاطْمَأَنَّتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى دَعْوَتِهِ فَصَدَّقُوهُ وَآمَنُوا بِهِ ، كَانُوا مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ ، وَوَاعَدُوهُ الْمَوْسِمَ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ " ، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلا مِنْ قِبَلِكَ فَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ أَدْنَى أَنْ يُتَّبَعَ " فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، فَنَزَلَ بَنِي غَنْمٍ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ، يُحَدِّثُهُمْ وَيَقُصُّ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ، فَلَمْ يَزَلْ مُصْعَبٌ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ يَدْعُو وَيَهْدِي اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ إِلا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ لا مَحَالَةَ ، وَأَسْلَمَ أَشْرَافُهُمْ ، وَأَسْلَمَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ ، وَكُسِّرَتْ أَصْنَامُهُمْ ، وَرَجَعَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ يُدْعَى الْمُقْرِئَ[2])).

واكن اول من هاجر من المسلمين الى المدينة وقد اُشرِبَ حبّ الله تبارك وتعالى وحبّ رسوله الكريم حتى امتلأ ايماناً وتجرد عم كل سوى الله تعالى، وصاحب القرآن حتى خالط لحمه ودمه.

روي ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) نظر الى مصعب بن عمير مقبلاً وعليه إهاب كبش قد تنطّق به، فقال (صلى الله عليه واله وسلم) (انظروا الى هذا الرجل الذي نوّر الله قلبه، لقد رأيته بين ابويه يغذونه بأطيب الطعام والشراب فدعاه حب الله وحب رسوله الى ما ترون)[3]، وروى الترمذي بسنده عن علي (عليه السلام) قال (رأى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) مصعب بن عمير فبكى للذي كان فيه من النعمة ولما صار اليه).

شهد (رضوان الله تعالى عليه) معركتي بدر واحد ومعه اللواء وقاتل حتى استشهد فيها، وفي الاصابة ((ان مصعباً لم يترك الا ثوبا فكان اذا غطـّوا رأسه خرجت رجلاه واذا غطـّوا رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) اجعلوا على رجليه شيئا من الأذخر)).

روي انه ((لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ ، مَرَّ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ مَقْتُولا عَلَى طَرِيقِهِ ، فَقَرَأَ : " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ سورة الأحزاب آية 23  ))[4].

وروي ايضا انه ((: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ حِينَ رَجَعَ مِنْ أُحُدٍ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : " أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ ، فَزُورُوهُمْ وَسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إِلا رَدُّوا عَلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))[5]

حينما نقرأ سيرة هؤلاء العظماء من اصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الذين عاشوا احداث صدر الاسلام وعصر نزول القرآن الكريم وتفاعلوا مع احداثها، ومن خلال سيرتهم نفهم الكثير من تعاليم الاسلام المباركة، نستشعر الخسارة بإهمال هذه الحقية من تاريخ الاسلام واعراضنا عن هذا المعين الثرّ حتى تركناهم لغيرنا فصاروا وكأنهم حصتهم مع إننا اولى بهم لأننا اتباع اهل بيت النبوة (عليهم السلام)، ولا يمكن تبرير ذلك بوجود قمم امثالهم في مدرسة اهل البيت عليهم السلام.

وحينما نتعرف  على هذه القمم الرسالية نتساءل هل يمكن ان نكون مثل اولئك القمم الرسالية، او هل يجود الزمان بمثلهم لتستعيد الامة امجادها، وتستطيع ان تقدم الاسلام نقيا من الشوائب والتحريف والتزييف الذي لحق به؟

والجواب نعم هذا ممكن، ولا زالت الامة تنجب بفضل الله تعالى وجهود قيادتها الرسالية العاملة، ونحن في خضم المواجهة مع عصابات الارهاب والتكفير والقوى المستكبرة التي تقف وراءهم فاننا نتعرف على نماذج رسالية نفخر بها ونسوّقها  كقدوات تستحق التأسي بها بين يدي شبابنا الاعزاء.

ومنهم الشهيد الملازم احمد حميد السعدي[6] الذي قضى نحبه في معركة شرسة قادها مع اربعة من زملائه في مواجهة حشد كبير من الاشرار قرب الحدود الغربية للعراق لتحرير المعابر الحدودية، وقد كان مثالا للشاب المتدين والاخلاق الكريمة الطيبة، وقد تربى في مدرسة الشهيد شهاب السعدي (ابي مجتبى) الذي قضى في اللطيفية مع كوكبة من اخوانه عام 2005.

 



[1] من حديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع اسرة الشهيد الملازم احمد السعدي وزملائه وحشد من الزوار في مكتبه الشريف يوم السبت 11/ ربيع الاول / 1436 الموافق 3/1/2015

[2] حلية الاولياء لابي نعيم الاصبهاني. رقم الحديث 331

[3] المحجة البيضاء للفيض الكاشاني، كتاب مقامات القلب:- 114

[4] حلية الاولياء لابي نعيم الاصبهاني. رقم الحديث 333

[5] حلية الاولياء لابي نعيم الاصبهاني. رقم الحديث 334

[6] من مواليد 1987، حصل على شهادة بكالوريوس  التربية في اللغة العربية، تخرج من الكلية العسكرية برتبة ملازم في 6/1/2014 واستشهد يوم 23/12/2014 واخلي جثمانه عبر منفذ طريبيل الى منطقة الرويشد ثم نقل جواً مع اخوانه الى مطار بغداد يوم 25/12/2014  وهو والشهيد  ابو مجتبى من قرية السندية التابعة لقضاء الخالص في محافظة ديالى.