خطاب المرحلة: (401) اعتراف الغرب بعظمة التشريع الإسلامي
اعتراف الغرب بعظمة التشريع الإسلامي(1)
نشرت بعض مواقع التواصل الاجتماعي يوم 7/2/2014 صورة لجدارية ضخمة تزيّن المدخل الرئيسي لكلية القانون في جامعة هارفارد الأمريكية، على حائط مخصّص لأهم العبارات التي قيلت عن العدالة عبر الأزمان، وقد كُتب على هذه الجدارية باللغة الإنجليزية وبخط كبير ترجمة قوله تعالى في الآية 135 من سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) ووضعوا شرحاً للآية ومعناها ولمحة صغيرة عن السورة التي وردت فيها فكُتب عن الآية أنها ((تؤكد على أهمية الصدق في الشهادة)) وكُتب عن سورة النساء ((أنّها تتعامل بشكل رئيسي مع التزامات ومسؤوليات المرأة في المجتمع الإسلامي، وتشرح أيضاً أصول الميراث وقانون الأسرة)).
وقد أحسن هؤلاء الاختيار لأنّ الآية تؤسس قاعدة مهمة في قانون تطبيق العدالة في جميع المجالات وبناء الدولة العادلة والمجتمع الصالح، إذ تبدأ بتوجيه الأمر إلى جميع الناس وتخصّ الذين آمنوا بالذكر تشريفاً لهم أو لأنّهم هم المتوقع منهم الالتزام بالأوامر الإلهية أكثر من غيرهم، تأمرهم أن يكونوا قوامين بالعدل، فاستعمل صيغة المبالغة (قوّام) لتدل على حالة دائمة وصفة راسخة لدى الإنسان، وليست وضعاً طارئاً، وبذلك يكون إقامة العدل منهجاً ثابتاً في حياة الإنسان.
ومعنى القيام هنا تحمّل المسؤولية والنهوض بها والالتزام بمتطلباتها فلا يقبل بترك تحمّل الشهادة وعدم الإدلاء بها، وبنفس الوقت يعني القيام الاستقامة ولذا سُمّيت الزاوية القائمة والمستقيمة لعدم وجود أي انحراف فيها عن المحور، فالمطلوب أنّ الشهادة خالصة لله تعالى لا تتأثّر بأي ضغط للمصالح أو الميول أو الأهواء فعليكم أن تراقبوا الله تعالى فقط في شهاداتكم من دون انحراف فيها إلى اليمين ولا إلى الشمال حتى بمقدار شعرة، مهما كانت الجهة اليمنى أو اليسرى حتى على نفسه أي كانت على خلاف مصلحة نفسه أو والديه أو الأقربين، أو كان المشهود له غنياً أو فقيراً فلا قيمة لهذه الاعتبارات ولا يجوز أن تكون محل اهتمام بنحو يوجب الانحراف والميل نحو الغني ضد الفقير.
وإنّما ذكر الغنى والقرابة باعتبارهما أوضح سببين للمجاملة والمداهنة والانحراف عن الحق، وإلاّ فإنّ القيام بالحق مطلوب في مقابل كل المؤثرات التي تضغط على الإنسان، فعليه أن يؤدي تكليفه، أما ما هو الواقع وكيف تكون النتائج فبيد الله تعالى (فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا) وبكل المخلوقات وهو مدبّر الأمور.
ثمّ تشير الآية إلى العنوان الكلّي الجامع لأسباب عدم القيام بالشهادة لله تعالى وهو إتباع الهوى فينهى عنه (فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى) ويحذّرهم أن إتباع الهوى يؤدي بهم إلى العدول عن الحق (أَن تَعْدِلُواْ) ويمكن أن يكون معناها أنكم إذا أردتم أن تعدلوا وتقيموا الشهادة بالحق فطريق ذلك أن لا تتبعوا الهوى، ونصل بذلك إلى نتيجة أن إتباع الهوى هو الأصل في حصول الظلم والجور في المجتمعات البشرية.
ويحذرهم مرة أخرى ويلفت نظرهم إلى أنهم إذا أغمضوا في الشهادة وانحرفوا عن الحق أو لم يشهدوا أصلاً بالحق لصاحبه، فإنّ الله خبير بما يعملون وعليم بما يفعلون لا يخفى عليه شيء و (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر/19) للتشديد في أمر هذه القاعدة الأساسية في إقامة الحق والعدل.
هذه بعض جوانب العظمة في الآية الشريفة التي دعت أرصن كليات القانون في العالم تجعلها شعاراً على بابها ليستفيد منها كل داخل وخارج، أما المسلمون فإنهم غافلون لا يدركون قيمة هذه الجواهر التي منّ الله تعالى بها بواسطة نبيه الكريم (صلى الله عليه واله)، وقد استغل أعداء الإسلام غفلة المسلمين وجهلهم فأقنعوهم بضرورة تطبيق القوانين الوضعية ونبذ قوانين الإسلام لينفرد أولئك بهذه الغنائم ويصدروا إلينا بضاعتهم الكاسدة، وإلى الآن لا زالت المناهج التي تُدرَّس في كليات القانون هي القوانين الوضعية فيتخرج الطالب وهو لا يفقه من دينه العظيم شيئاً ولا يأخذ من دينه إلاّ القشور ويترك اللّب لأولئك الأجانب حتى يؤسسوا بها حضارتهم.
بل أن الأمر أسوأ من ذلك حيث يواجه بالتشنيع من يستثمر فرصة حكم الأغلبية الشيعية في العراق لتقديم قانون شرعي ينظم حياة الناس في أحوالهم الشخصية وفق شريعة الله وهو حقّ كفله الدستور، وتتعالى أصوات المعترضين من داخل الأوساط الدينية والاجتماعية الشيعية لتتهم وتعرقل وتجعل العقبات وتحرّض على عدم إقامة شرع الله تعالى.
كما تعرّض السيد الشهيد الصدر الأول (قده) إلى الحرب الشرسة من قبل بعض أقطاب المدرسة الدينية وأتباعها عندما قدّم للعالم بعض جوانب عظمة الإسلام في الفلسفة والاقتصاد والاجتماع وحاصروه وضيّقوا عليه وسقّطوه حتى استضعفه أعداء الله تعالى فقتلوه.
هذا شكل من أشكال عدم الإنصاف الذي يتعامل بها المسلمون مع شريعتهم حيث لا يسعون إلى تطبيقها والاستفادة منها بل يعرقلونها، بينما يفتخر الغرب بهذه الآية الكريمة والمسلمون عندهم القرآن الذي فيه أكثر من ستة آلاف آية كريمة وعشرات الآلاف من الأحاديث الشريفة للمعصومين (عليهم السلام).
فتمسكوا أيها الأحبة بدينكم وصلتكم الوثيقة بالله تعالى ولا تعطوا الفرصة لأي أحد حتى يسلبكم دينكم فإنّه أعظم النعم الإلهية، وهم لهم طرقهم في سلب الدين من أهله ولكل شريحة بحسبها، فالشباب الجامعي بالإغواء والفتنة وإثارة الشهوات، وعلماء الدين بالحسد والغيرة وحب الجاه وصراع الزعامات وشراء الولاءات بالأموال ونحو ذلك والغرض واحد هو سلخكم من هذا العز والكرامة وشرف الدنيا والآخرة.
([1]) من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من طلبة كلية القانون في جامعة البصرة وعدد من منظمات المجتمع المدني من بغداد وكربلاء وذي قار يوم السبت 15/ع2/1435 المصادف 15/2/2014.