خطاب المرحلة: (353) إلى المشكّكين بجدوى الزيارات المليونية

| |عدد القراءات : 3204
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

إلى المشكّكين بجدوى الزيارات المليونية (1)

يشكّك البعض بجدوى حضور الملايين في الزيارات، كعاشوراء والأربعينية ويناقش في صرف الأموال الطائلة لخدمة الزوار وتوفير احتياجاتهم، وينطلق بعض هؤلاء من التأثر بالأجندات الغربية التي لا تفقه الآثار المعنوية لهذه الحركة المباركة على الفرد والمجتمع.

فيجب أن نكون نحن على ثقة عالية بشريعتنا وشعائرنا التي باركها الشارع المقدّس، فنجيب على هؤلاء بمستويين من الجواب، يُسمى الأول في مصطلح الحوزة العلمية بالجواب النقضي، أي الرد على الإشكال بإشكال مثله من واقعهم وممارساتهم، ويُسمّى الثاني الجواب الحلّي بتقديم الدليل على جدوى هذه الشعائر وبيان الآثار المباركة التي تثمرها.

والجواب على المستوى الأول هو بما يصدر منهم هذه الأيام بمناسبة الاحتفالات برأس السنة، حيث تسود العالم الغربي وغيره احتفالات صاخبة ومهرجانات والعاب نارية وسفرات من غرب الأرض إلى شرقها وشراء هدايا (عمانوئيل) وأمثالها([2]) من الممارسات التي تصرف فيها مليارات الدولارات بلا معنى عقلائي يمكن الاقتناع به إلا تسويلات الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء من المتع واللذات الوقتية الكاذبة، وكان الأجدر بهم صرف هذه المليارات على جياع أفريقيا وتنمية اقتصاديات الدول الفقيرة وإنشاء المشاريع المفيدة في الدول التي يتباكون على فقرها وابتلائها بالأمراض الفتاكة والحروب والمشاكل الاجتماعية.

هذا غير ما يصرف من مليارات أخرى على غيرها من الفعاليات غير العقلائية كالدورات الأولمبية وبطولات كأس العالم مما يثقل ميزانيات الدول بمبالغ طائلة، وبين أيدينا اليونان التي اشترطت عليها الولايات المتحدة أموراً عند تنظيمها الدورة الأولمبية عام 2004 ولم تستطع واردات السياحة سدّها فغرقت في ديون باهضة شارفت بسببها على الإفلاس.

فالأولى بهؤلاء المنتقدين أن يعترضوا على هذه الممارسات والفعاليات التي لا فائدة فيها إلا متعة ولذة –كما يزعمون- وهي وقتية بمقدار لحظتها ووهمية ويبقى الفرد يعاني بعدها من مشاكل نفسية واقتصادية أيضاً لأن أغلب أفرادهم يقترض ليقوم بتلك السفرات أو شراء الهدايا ونحوها. فهؤلاء المعترضون ينطبق عليهم المثل المعروف بأنه يرى القذّة في عين الغير ولا يرى الجمل في عينه.

أما على صعيد المستوى الثاني من الجواب فقد تضمّنت خطاباتنا السابقة ذكر العديد من تلك الآثار المباركة، نشير إليها باختصار، وتُراجَع التفاصيل في مواضعها.([3])

1-    إن التوجّه سيراً على الأقدام من مسافات بعيدة مع ما يرافقه من العناء والمشقّة فيه تعبير عن عميق المودّة والولاء للإمام (عليه السلام) التزاماً بقوله تعالى (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى/23).

2-   إنّ فيه إظهاراً لعظمة الإمام المقصود بما عظّمه الله تعالى، كما سار الإمامان الحسن والحسين (ع) ماشيين إلى مكة المكرمة تعظيماً لبيت الله الحرام.

3-   إنّ فيها إدخالاً للسرور على قلب النبي (صلى الله عليه واله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) ومواساة لهم على عظيم مصابهم، وفيه إحياء لأمرهم والتزام بما وجهوا إلهيا (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).

4-    الثواب العظيم الذي رصد لمن يقصد زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ماشياً وقد وردت في ذلك روايات عديدة منها عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال (من أتى قبر الحسين (عليه السلام) ماشياً كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة).([4])

5-   إنها وسيلة هداية للآخرين، فقد اهتدى بشعائر الحسين (عليه السلام) إلى الحق كثيرون وعادوا إلى الصلاح والرشد في حين عجزت كل الوسائل عن إصلاحهم، وهذه من بركات الإمام الحسين (عليه السلام) فإنه (مصباح هدى وسفينة نجاة).

6-   إنها توحّد الأمة بكل طوائفها وقومياتها وتوجهاتها الاجتماعية والسياسية ومختلف انتماءاتها الجغرافية والعشائرية، وهذا واضح حيث يذوب الجميع في حب الإمام الحسين (عليه السلام) وبعضهم لبعض مما يستحيل تحقيقه في غير هذا الهدف قال تعالى (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (الأنفال/63).

7-   إنّ المسيرات السلمية وسيلة حضارية تتبعها كل الأمم المتحضرة لإلفات النظر إلى قضاياها والمطالبة بحقوقها ودفع الآخرين للسؤال والفحص عن المشروع المحرِّك لها، وهذا ما تحقق إذ صار العالم كله يتساءل اليوم عن الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) والشيعة، والسؤال مفتاح الوصول إلى الحقيقة.

8-   إنها تحبط محاولات الأعداء المتنوعين التي تستهدف الشعب العراقي الأبي وهذا البلد الكريم، لإفساده وإخضاعه وإرعابه وتدجينه وسلخه من هويته الإسلامية الأصيلة، فقد حاول الإرهابيون بكل وسائل القتل والتدمير والجريمة إخافته، وحاول الاحتلال تدجينه وتحويله إلى جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير بل رأس الحربة فيه، وحاولت تقنيات الإغراء والغواية والتضليل إفساده وإبعاده عن إسلامه الأصيل ففشل الجميع، ببركة هذه المسيرات المليونية.

9-   إنها ممارسة تعبوية تحافظ على جاهزية الأمة وحضورها في الميدان على الدوام وبدونها يصاب الشعب بالخمول والكسل والاسترخاء فيكون مكشوفاً وهدفاً سهلاً لكل استهداف.

10-  إنها تقوّي الإرادة والتحمل وتوطين النفس على الصعاب مما يعجز عن تحقيقه أي ممارسة أخرى وتشكّل بذلك فقرة مهمة من عملية الاستعداد لنصرة الإمام الموعود (عجل الله تعالى فرجه) والمشاركة الفاعلة في التمهيد لدولته المباركة ونصرته.

11-  إن أجواء الزيارة والمشاعر الروحية فيها تعطي للنفس زاداً معنوياً وحصانة وغذاءاً روحياً يبقى تأثيره ولذته إلى أمد بحسب استحقاق كل شخص واستعداده، وكما يقال بحسب سعة إنائه ووعائه فإنه يغترف من هذه الألطاف الإلهية (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) (الرعد/17).

12-  بهذه الحركة المليونية يبرز الشعب العراقي انتماءه للإسلام ولمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ويبرز هويته في عملية إحصاء سكّاني صادق ودقيق لا يقبل الخطأ والتزوير وليردّ بذلك على بعض الجهات التي تحاول القفز على الواقع وتدّعي خلافه.

وقد وردت الإشارة إلى جملة من هذه الآثار المباركة في دعاء الإمام الصادق (عليه السلام) لزوار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في الرواية المعتبرة عن معاوية بن وهب البجلي وفيها (اغفر لي ولإخواني ولزوّار قبر أبيَ الحسين بن علي صلوات الله عليهما الذين أنفقوا أموالهم واشخصوا أبدانهم رغبة في برِّنا ورجاءاً لما عندك في وصلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيك محمد (صلى الله عليه واله)، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوِّنا، أرادوا بذلك رضوانك، فكافئهم عنّا بالرضوان)([5]) إلى آخر الدعاء.



([1]) من حديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشود الزائرين الذين وفدوا مشياً على الأقدام من المحافظات الجنوبية متوجهين إلى كربلاء المقدسة يومي 16- 17/ صفر/1434 الموافق 30- 31/ 12/2012.

([2]) من تلك المراسيم في فرنسا احراق السيارات حيث أحرقت 1193 سيارة ليلة 1/1/2013 بحسب وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالز وقال: إن العدد قريب من عدد السيارات التي أحرقت في سنوات سابقة حيث تحوّل إحراق السيارات ليلة رأس السنة إلى عادة لدى الفرنسيين منذ بضع سنوات وأحرقت ليلة 1/1/2010 (1147) سيارة ولم تُعلن إحصائيات 2011، 2012 حيث تحفظ وزراء اليمين في حينها عن إعلان الأرقام.

([3]) راجع خطاب المرحلة: 4/14، 227- 238 وفي مواضع أخرى من الكتاب.

([4]) راجع الروايات في وسائل الشيعة: كتاب الحج، أبواب المزار وما يناسبه، باب 41.

([5]) مفاتيح الجنان: 484 فضل زيارة الإمام الحسين (ع).