خطاب المرحلة: ( 344) عشرة ذي الحجة شهر رمضان الأصغر
(خطاب المرحلة: 344) عشرة ذي الحجة شهر رمضان الأصغر(1)
العشرة الأولى من ذي الحجة في الأيام كشهر رمضان في الشهور بحيث يمكن اعتبارها شهر رمضان الأصغر، ليست هذه دعوى ندعيها، وإنما دلّت عليها كلمات المعصومين (عليهم السلام) والوجوه العديدة للتشابه بينهما.
فقد ورد في دعاء شهر رمضان (وهذا شهر عظمته وكرّمته وشرّفته وفضّلته على الشهور) وورد في دعاء العشرة الأولى من ذي الحجة (اللهم هذه الأيام التي فضّلتها على الأيام وشرّفتها) فتلاحظ وحدتهما في التشريف والتفضيل.
والسمة البارزة لأعمال كل منهما واحدة وهو –بعد الذكر والدعاء والاستغفار والعبادة- الصوم فهو محبوب ومطلوب في كليهما الا انه في شهر رمضان على نحو الوجوب وفي عشرة ذي الحجة على نحو الاستحباب عدا يوم العيد لحرمة الصوم فيه.
وكل منهما وصف بأنه أيام معدودات ومعلومات، قال تعالى عن شهر رمضان (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ) (البقرة/184)، وقال تعالى (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) (الحج/28) وقال تعالى (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) (البقرة/203) وورد في بعض الروايات أن المقصود من عشرة ذي الحجة.
والعمل في كل منهما له زمان يبلغ فيه الذروة من حيث العطاء الإلهي ومضاعفة الجزاء، ففي شهر رمضان ليلة القدر، وفي عشرة ذي الحجة يوم عرفة، وكل منهما عيد لأولياء الله الصالحين، بحيث يمكن أن يقال أن يوم عرفة في الأيام كليلة القدر في الليالي.
ويشترك الزمانان بأن الشياطين فيها مغلولة كما ورد في خطبة النبي (صلى الله عليه واله) في استقبال شهر رمضان، وفي بعض الأخبار أنه ما من زمان يكون فيه الشيطان طريداً ذليلاً غضوباً أكثر من يوم عرفة، ووضع الشيطان في الأغلال أي الحد من تأثيره في غواية الإنسان وتزيين المعاصي له فيكون إقباله على الطاعة أكثر وهمّته فيها أعلى.
ولأن رقّة القلب وانكساره وحزنه تساعد على صفاته وصدق توجهه إلى الله تبارك وتعالى كما ورد في الحديث القدسي (أنا عند المنكسرة قلوبهم)، فقد مضى قلم التخطيط الإلهي بأن تسبق كلا الزمانين الشريفين مناسبة حزينة تتفجر لها قلوب المؤمنين لوعة وحزناً وألما، حيث تتزامن ذكرى شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) مع ليالي القدر، ويسبق شهادة الإمام الباقر يوم عرفة لترّق القلوب وتتنقى فتتهيّأ لتلقي الفيوضات الإلهية في هذه الأزمنة المباركة.
وتشترك ليلة القدر ويوم عرفة بزيارة مخصوصة للإمام الحسين (عليه السلام) ورد فيهما ثواب عظيم، ففي كامل الزيارات لابن قولويه (قده) –استاذ الشيخ المفيد (قده) – عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال (إن الله تبارك وتعالى يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين عشية عرفة قبل نظره لأهل الموقف) وفيه عنه (عليه السلام) قال (إن الله تبارك وتعالى يتجلى لزوار قبر الحسين (عليه السلام) قبل أهل عرفات ويقضي حوائجهم ويغفر ذنوبهم ويشفعهم في مسائلهم ثم يثنّي بأهل عرفات فيفعل بهم ذلك).
وفي مصباح المتهجد عن رفاعة النخّاس قال (دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: يا رفاعة أما حججت العام، قلت: جعلت فداك ما كان عندي ما أحجّ به ولكنني عرّفت عند قبر الحسين (عليه السلام) فقال لي: يا رفاعة ما قصّرت عمّا كان أهل منى فيه، لولا أنّي أكره أن يدع الناس الحج لحدّثتك بحديث لا تدع زيارة قبر الحسين (عليه السلام) أبداً).
ومما تقدّم يتضح أن عشرة ذي الحجة محطة جديدة للتزوّد بالمعنويات اقتضت الألطاف الإلهية جعلها لعلم الله تعالى بأن الإنسان يغتر ويتراجع فيحتاج إلى شحنة جديدة تزيل الرين والقساوة عن قلبه بعد مرور شهرين على شهر رمضان، وان يوم عرفة لا ينحصر فضله وشرفه بمن كان على صعيد عرفات الطاهر وان كانوا اولئك يحظون بامتيازات ذلك المكان، الا ان عباد الله تعالى في كل أصقاع الأرض يحظون بشرافة الزمان وفضل العمل فيه كما سمعنا ما لزوّار الحسين (عليه السلام) من الكرامة.
وإذن يكون من الطبيعي جعل عيد الأضحى في نهاية هذا الموسم الكريم من الطاعة والعبادة كما يأتي عيد الفطر في نهاية موسم عبادي حافل في شهر رمضان.
وعلى هذا فإن عيد الأضحى عيد جميع عباد الله الصالحين الذين فازوا بضيافة الله تعالى في هذا الزمان الشريف واستثمروا عروف هذه النفحات، ولا يختص بمن كانوا في المشاعر المقدسة.