نظام ألادارة والحكم في الاسلام
نظام الادارة والحكم في الاسلام
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ...
تلبية للدعوة التي وجهناها في مقدمة سلسلة (قبسات من نهج البلاغة) في جزءها الأول للكتّاب والمثقفين من طلبة الحوزة العلمية الشريفة ومن خارجها لعرض وتحليل كلمات أمير المؤمنين في نهج البلاغة لأجل الوقوف على المضامين العالية التي حواها بين دفتيه في مختلف المجالات كالنصح والموعظة والمفاهيم التوحيدية والعبادية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية رفدنا الشيخ حسين الطائي بما يمتلكه من قلم يُنبأ عن إحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتق كل من يملك القدرة والامكانية العلمية والثقافية لبيان معالم مدرسة الامام علي في مختلف المجالات والاصعدة وبما يتلائم مع ما يعانيه المجتمع المسلم من ابتلاءات كبيرة وتحديات جسيمة منشأها الاول الابتعاد عن المفاهيم الحقيقية للقرآن الكريم وعن التراث الفكري العظيم الذي تركه أهل بيت العصمة للأجيال الذي لا يتحدد بعصر من الاعصار وزمن دون آخر التي أعظمها وأغناها كتاب (( نهج البلاغة)) بما اشتمل عليه من كلمات علي ذات المعاني المتجددة بتجدد الوقائع وتعدد الطوارئ فكلما تصفحنا نهج البلاغة نجد علي معنا يشاركنا الآلام ويقدم لنا المشورة ويهدينا السبل ونير بكلماته الشريفة الظلمات التي تحيط بنا من كل جانب ، فهو لا يزال يقول كما كان وسيبقى: (سلوني قبل أن تفقدوني ) وعندما نهجر كتاب نهج البلاغة ونبتعد عن مضامينه العلوية فقد ابتعدنا عن أمير المؤمنين علي وهجرنا طريقه السوي وضيعنا إمامته الحقة.
ونحن قد تعهدنا للقارئ الكريم بأن لا نقدم له إلا ما هو بحاجة ماسّة إليه وبما يعالج ما يمر به من أزمات أخلاقية وفكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية تعصف بمقدراته التي لا نجد علاجاتها إلا باستنطاق آيات الكتاب العزيز وروايات أهل البيت التي حدّدت العلاجات المتناسبة مع كل مشكلة وبما يضمن حلها بشكل فعال وجذري وبما يتلائم مع روح العصر، فقد اتحفنا شيخنا الاستاذ حسين الطائي ـ دام عزه ـ بكلمات من نهج البلاغة هي ما كتبه أمير المؤمنين في عهده الذي عهده إلى عامله على مصر مالك بن الحارث الاشتر الذي يعد من أطول العهود في التاريخ وأكثرها غنىً واثراها فائدة فهو بحق أعظم وثيقة اجتماعية وسياسية وإدارية وأخلاقية وأعظم وثيقة لحقوق الإنسان شهدها التاريخ، ولهذا السبب ارتأى شيخنا الاستاذ آية الله محمد اليعقوبي (دام ظله) أن يكون هذا الكتاب حلقة من حلقات سلسلة(نحن والغرب ) بعد اجراء بعض التعديلات عليه وبما يجعله متوائماً مع الغرض الأساس من هذه السلسلة وهو عرض المفاهيم الاسلامية الحقيقية وإبراز الوجه الناصع للفكر الاسلامي الأصيل وبيان عالمية الاسلام وصلاحيته كمنهج فكري رصين ونظام قادر على قيادة المجتمعات الإنسانية وإيصالها إلى بر الامان في مقابل إضهار عجز وفشل كل الانظمة الأرضية عن الوفاء بالحاجات الإنسانية في مختلف المجالات الاجتماعية والادارية والسياسية والاقتصادية والاخلاقية وحقوق الإنسان .
وهذا العهد الشريف يحتوي مضامين جليلة قسّمناها بحسب الموضوع إلى أقسام ثلاثة:ـ
القسم الاول: يتعلق بواجبات الحاكم وما يجب أن يتمتع به من صفات نفسية وشمائل خلقية تحدّد علاقته مع نفسه وربه وأبناء مجتمعه.
القسم الثاني: واجبات الحاكم تجاه طبقات الهيئة الاجتماعية، والارتباط بينها، ووظيفة كل منها في البنية الاجتماعية، ومواصفات العاملين في كل طبقة.
القسم الثالث: خصائص مستشاري وبطانة الحاكم، وما يجب على الحاكم مباشرته في سياساته الداخلية الخارجية .
ويحسن بنا التنبيه على أن معنى الحاكم هنا ليس فقط الحاكم السياسي الذي يتولى إدارة أمور البلاد وإن كان المقصود الاول من كلام الامام أمير المؤمنين ، بل الحكومة لها صور وأشكال متعددة ومدلولها واسع وكبير يشمل كل من له حكومة على غيره ابتدءاً بأعظم المقامات وهو مقام المرجعية الدينية أو مقام الحاكم الشرعي الذي يعينه الامام لإدارة أمور المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والذي ينظم له حياته الفردية والاجتماعية ويعرض له مرادات المشرع الحكيم تعالى شأنه بشكل رسائل عملية ووصايا اجتماعية وغيرها من الوسائل التي تبصره بوظيفته العلمية في هذه الحياة ودوره في بناء المجتمع الإنساني، هذا الحاكم لا يختلف عن الحاكم الذي يوليه الامام على أحد الأقاليم الاسلامية في عصر الامام غاية الأمر أن تعيين هذا الحاكم يكون على وجه الخصوص أي بالتعيين من قبل الامام على وجه العموم أي إذا توفرت فيه شرائط محددة كالاجتهاد والعدالة وغيرها من الشرائط المذكورة في محلها، وتكون دائرة حكومة هذا الحاكم واسعة والمسؤوليات الملقاة على عاتقه كبيرة ووظائفه متعددة وعلى ذلك يجب أن يكون اتصافه بالصفات والميزات التي ذكرها أمير المؤمنين أعمق وأشمل وأكثر تركيزاً من غيره من الرعاة.
ومن أشكال الحكومة حكومة أصحاب المناصب الحكومية الادارية والتنفيذية من رؤساء ومدراء الدوائر الخدمية والتنفيذية من رؤساء ومدراء الدوائر الخدمية والتنفيذية والعسكرية والموظفين والعمال والجنود بل حتى أصحاب المناصب الادارية غير الحكومية كأصحاب المؤسسات الاقتصادية وأصحاب رؤوس الاموال وأصحاب المعامل والمزارع على اختلاف مستوياتهم الادارية واختلاف حجم استثماراتهم، فالموظف في الدوائر الخدمية الصحية كالطبيب والممرض وعلى اختلاف اختصاصاتهم له وظائف مهمة يقوم بها غايتها حفظ الصحة العامة لأبناء الشعب والتقليل من الآمهم وأوجاعهم فيجب أن يتوفر على مجموعة من الصفات النفسية التي تؤهله للقيام بهذا الواجب الإنساني الكبير والمقدس والذي يكتسب قدسيته من وظيفته وهي حفظ أرواح الناس وكذا المعلم الذي دوره الاساسي تربية الاجيال تربية صحيحة اسلامياً وعلمياً وأخلاقياً وكذلك المهندس والفلاح والعامل والسائق والجندي وغيرها من الوظائف فكل واحد منهم له حكومة على مجموعة من الناس يجب القيام بواجباته تجاههم كما ينبغي و الا يعد ظالماً لهم، وتزداد هذه الوظائف وتتعمق المسؤولية حسب طبيعة الوظيفة وحجم المحكومين أو الرعية التي يتولى هذا الحاكم رعايتها فإمام الجماعة مثلاً تكون مسؤوليته كبيرة وتتناسب مع طبيعة هذه الوظيفة فيجب عليه أن يتمتع بصفات نفسية عالية ويشتمل على مواصفات علمية وثقافية تمكنّه من النهوض بالمستوى العلمي والثقافي والنفسي لأبناء منطقته، وتتّسع دائرة الحكومة بالنسبة لإمام الجمعة الذي يجب أن أن تكون صفات إمام الجماعة فيه أكثر تركيزاً وسعة وعمقاً وثقافته العامة ووعيه الاجتماعي والسياسي يجب أن يكون أكبر ليتلائم مع طبيعة وظيفته الكبيرة وسعة حكومته، ولو قصّر في أداء وظيفة من وظائفه يعتبر حاكماً جائراً وظالماً لمن كان داخلاً في حكومته، وأيضاً فإن رب الاسرة الذي له حكومة على زوجته وأولاده يجب عليه رعاية هذه الاسرة رعاية مبتنية على أساس عقلية ونفسية صحيحة، وتربيتهم تربية اسلامية وتبصرتهم بمنلاشئ الانحراف التي من الممكن أن يقعوا بها وتدريبهم وإعدادهم لأن يكونوا أناساً صالحين يساهمون في بناب مجتمع اسلامي سليم ومعافى من كل مظاهر الفساد والانحراف وبذلك يهيئون القاعدة الاسلامية الصالحة التي ينتظرها الامام الحجة المنتظر والتي تشكل شرطاً أساسياً لظهوره المبارك.
وأيضاً فإن من مظاهر الحكومة حكومة الإنسان على جوارحه وجوانحه فجوارح الإنسان لا يمكن ان تقوم بشيء من الاشياء الصالحة إلا بعد أن يأذن لها حاكمها والمتصرف بها، وكذا الحال لجوانح الإنسان أو قواه النفسية الداخلية فعلى الإنسان بمقتضى كونه حاكماً عليها أن يعدل في حكمه ويحاول الوصول بقواه النفسية إلى حالة التكامل المنشودة لها والتي بها تتحقق انسانيته عن طريق السعي الجاد لتوازن وتعادل القوى، فعلى الإنسان أن يحافظ على هذه الجوارح والجوانح ويمنعها من الوقوع في المخالفات الشرعية والاخلاقية والتي سيجد نتائجها بشكل متجسد يوم تجسد الاعمال فتكون هذه الجوارح والجوانح محلاً لتلقي الجزاء والعقاب في يوم المعاد على ما اقترفته في الحياة الدنيا من مخالفات وبذا يكون الإنسان حاكماً ظالماً لأنه لم يراع حقوق محكوميه ويعدل بها....
فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.
راجين منه تعالى شأنه أن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح، ومنه تعالى نستمد العون والسداد .
مهدي المالكي
ـ النجف الأشرف ـ
الكتاب متوفر في دار جامعة الصدر للطبع والنشر والتوزيع/ النجف الاشرف