واجعل الحياة زيادة لي في كل خير
بسمه تعالى
واجعل الحياة زيادة لي في كل خير[1]
الأدعية الشريفة مدرسة ننهل منها المعارف الحقيقية والدروس التي تنظم حياتنا وتصلح نفوسنا، وليست هي فقط نصوصاً مباركة نقرأها لطلب الثواب الجزيل المرصود لها وإن كان هذا بحد ذاته غرضاً نبيلاً يستحق التعب.
وقد استمعنا الآن بعد صلاة الظهرين دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) الخاص بهذا اليوم الثلاثاء، وكل فقرة منه هي مدرسة كقوله (عليه السلام) (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير) ولكي يستجاب هذا الدعاء لابد من عمل الفرد وقبول واستجابة من الله تعالى، كمن يدعو بالرزق مثلاً من دون سعي لطلبه، أو يطلب الولد الصالح وهو لا يسعى لاختيار الزوجة الصالحة وهكذا، وإن كان الله تعالى يُنعم على العباد تفضّلاً وابتداءاً من غير استحقاق.
فيعلمنا الإمام (عليه السلام) في الدعاء أن نجعل بتوفيق الله تعالى وكرمه ورحمته حياتنا كلها خيراً وعطاءاً ونفعاً للنفس وللأهل وللآخرين، وفي زيادة مستمرة من التزود والخير من دون توقف الذي يعني هدر رأس المال الذي منحنا إياه وهو العمر وسائر النعم الإلهية من دون استثمار، فضلاً عن الرجوع إلى الوراء والخسارة باجتراع السيئات والعياذ بالله، ويبيّن الحديث الشريف هذه الحالات الثلاث (عن الصادق (عليه السلام) " من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان. ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة)[2] وهذا الطلب أدب قرآني أدّب الله تعالى به نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله) قال تعالى (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) (طه/114) والعلم المراد هو العلم النافع الذي يقترن مع العمل الصالح وفعل الخير وإلاّ فإنه لا قيمة له.
والخير الذي يدعو بالزيادة منه هو كل عمل صالح فلا يقتصر على العبادات المعروفة كالصلاة والصوم وقراءة القرآن وزيارة المعصومين (عليهم السلام) وإن كانت هذه من أصول الخير، بل له معنى واسع فالبرّ بالوالدين والإحسان إليهم من أعظم الخير، ومساعدة الآخرين كذلك، والجلوس مع العائلة والتلطّف معهم والتودّد إليهم ومتابعة شؤونهم من الخير، وكسب الرزق الحلال من الخير ففيه التوسعة على الأهل والتصدق في سبيل الله وإغناء النفس عما في أيدي الناس وإخراج الخمس من الفائض عن المؤونة في نهاية السنة وهذا كله من الخير، والزواج خير والإنجاب خير بل من أعظم الخير، ذهابك إلى المسجد والمشاركة في صلاة الجماعة والجمعة وحضورك في الشعائر والفعاليات خير، تفقّهك في الدين وتعلّمك مسائل الحلال والحرام لتصحيح سلوكك خير، اجتماعك هذا مع أخوانك وتبادلكم الأحاديث النافعة في دنياكم وآخرتكم خير يحبّه الإمام (عليه السلام) ويترحم على فاعله، روي أن الإمام الصادق (عليه السلام) قال للفضيل بن يسار (يا فضيل؛ أتجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم جُعلت فداك، فقال (ع): إني أحبّ تلك المجالس، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا).[3]
وهكذا تستطيع أن تحوّل حياتك كلها إلى مصنع لإنتاج عمل الخير قال تعالى (يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) (المؤمنون61) وقال تعالى (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ) (المائدة/48) حتى حالات الاعتيادية كتناول الطعام يكون خيراً لأن فيه حفظ الصحة والتقوّي على طاعة الله والقيام بأعمال الخير، والنوم المقتصد يكون خيراً لأن فيه راحة واستجماماً وتجديد النشاط للاستمرار في الاستزادة من الخير بل يكون النوم شكلاً من أشكال العبادة بحسب ما أفاد الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (من تطهّر ثم أوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده)[4]، قد يقول البعض إننا لا نستطيع أن نكون بهذه الفاعلية دائماً لأن غير المعصوم تعتريه الغفلة والنسيان والضعف فيحصل تراجع ولا يمكن أن يكون دائماً في حالة زيادة من الخير، وهذا التساؤل موجود، لكن الله تعالى عالج هذا القصور الذاتي بأكثر من علاج:
1- أن ينوي الإنسان فعل الخير ويعزم عليه كلما تيسّر له، فهذه النية بحد ذاتها خير، وان الله تعالى بكرمه يعطي لصاحب النية الصادقة والعزم الأكيد ما يعطي للعامل كما في الحديث النبوي الشريف (نية المؤمن خير من عمله)[5]وإيجاد هذه النية وهذه الإرادة ليس صعباً على الإنسان فيحصّل بها ما يفوته من الأعمال.
2- إن الله تعالى تكفّل للإنسان الذي يستيقظ من غفلته ويعود إلى العمل الصالح وفعل الخير عند تذكره والالتفات إليه، أن يمحو كل ذلك التقصير والقصور ويثبّت بدلاً عنه حصيلة هذا الالتفات، قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) (هود/114) وقال تعالى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) (الفرقان/70) أي ليس فقط يمحو السيئات بل يبدلها إلى حسنات في صحيفة الأعمال، ومن معاني هذا التبديل أن يجعل حياته ما قبل التغيير بمثل حياته بعد التغيير، فلو كان تاركاً لصلاة الليل أو لا يلتزم بأداء الصلاة في أوقاتها ثم قام بذلك فإنه يجعل حياته السابقة على هذه الصورة الجديدة، كالمدرّس الشفيق الرحيم الذي يقول لطلابه سأعيد لكم الامتحان فإذا جئتم بدرجات أفضل فإنني سأعتبر درجاتكم السيئة في الامتحان السابق على طبق هذه الدرجات الجيدة الجديدة، ولا شك أن الله أشفق على عباده وارحم به وهو أرحم الراحمين، وهو تعالى الذي جعل هذه الرحمة في قلوب عباده فكيف لا يكتبها على نفسه؟ فما على الإنسان إلا أن ينتبه من غفلته ويعود إلى منهج الزيادة من الخير.
[1] من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع وفود من مناطق متعددة من بغداد يوم الثلاثاء 18/ع2/1435 المصادف 18/2/2014.
[2] معاني الاخبار: ص 342 باب معنى المغبون.
[3] بحار الأنوار: 44/278، 282.
[4] وسائل الشيعة: 1/265 باب9 ح1.
[5] الكافي: 2/84.