معالم النجاح في الزيارات المليونية

| |عدد القراءات : 3595
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

معالم النجاح في الزيارات المليونية([1])

ونحن نودّع الموسم الحسيني لهذا العام 1435 على مدى شهرَي محرم وصفر وما تضمنه من شعائر مباركة وأهمّها زيارة الأربعين المليونية ومليونية عاشوراء، لا ينبغي أن نطوي هذه المناسبات دون أن نسجّل الدلالات والمعطيات التي ترشّحت عن هذا الموسم المبارك، ومنها:

1- عمق الولاء وصدق المودّة التي يحملها شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لأئمتهم (عليهم السلام) التزاماً بقوله تعالى (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى/23) وبالوصايا الكثيرة من النبي (صلى الله عليه وآله) بأهل بيته (عليهم السلام) الذين جعلهم عدلاً للكتاب، وقد كانت هذه المودّة دافعاً للتفاني والإقدام على الموت وبذل الغالي والنفيس وتحريك هذه الملايين ليأتوا مشياً على الأقدام من مسافات تجاوزت خمسمائة كيلومتر أحياناً في ظل البرد القارس والمطر الشديد مما أذهل العقول عن إدراك تفسيرها وانعدم نظيرها.

2- ازدهار التشيّع وانتشاره في أصقاع العالم بحيث تجد ملايين الزوّار قدموا من عشرات الدول من قارات العالم وقد سجّلنا في خطبة سابقة العوامل التي ساعدت على هذا الانتشار والازدهار وكان على رأسها هذه الشعائر الحسينية المباركة، وهذه المسيرة المليونية التي أوصلت صوتها إلى العالم أجمع، وهذا يفسِّر كون شعار الإمام المهدي الموعود (عليه السلام) في إقناع العالم بدولته المباركة هو (يا لثارات الحسين).

3- الزيادة المطرّدة سنوياً في عدد المشاركين في الزخم المليوني الهادر حيث قُدّرَ الزوار الذين وصلوا كربلاء على مدى أسبوعين تقريباً بـ(عشرين مليون) زائر بزيادة عدة ملايين عن العام الماضي، ففي كل سنة تُحفّز المشاهد المنقولة عبر الفضائيات المزيد للقدوم وكان الملفت هذا العام مشاركة أكثر من نصف مليون زائر من محافظة ديالى في المسيرة رغم ما يهدّد هذه المحافظة من أخطار إلاّ أنّهم أبوا إلاّ أن يجاهروا بولائهم للعترة الطاهرة.

وكذا المشاركة الفاعلة من إيران ولبنان ودول الخليج ودول أخرى لم يعهد قدوم الزوار منها، وأيضاً مشاركة موكب رجال الدين المسيحيين من هولندا.

4- التحسّن النوعي في الأداء، فأصحاب مواكب الخدمة بدءوا يراعون تخميس أموالهم والتأكد من تذكية اللحوم ليطعموا الناس حلالاً، ومراعاة الحاجات المتنوّعة للزائرين، وانتشارها على طول المسافات التي يقطعها الزوار من أقصى البصرة جنوباً إلى كربلاء بحيث يشعر الزائر انه بين أهله وأحبّائه طول أيام السفرة.

ونلاحظ الهيبة والوقار على الزائرين والزائرات والحجاب العفيف لدى النساء والالتزام بالصلاة في أوقاتها، وأداءها جماعة عند توفّرها.

كما لوحظ انتشار طلبة الحوزة العلمية في مراكز الإرشاد والتوجيه وإجابة الاستفتاءات وشرح الأحكام الشرعية وإقامة صلوات الجماعة.

وكان الإبداع والتفنّن في أداء الأدوار وملئ مساحات العمل الفارغة حاضراً فوُجدت مواكب للتنظيف ورفع النفايات، ومواكب للتوعية تُقيم معارض الكتُب وتوزّع المنشورات، وأخرى تنصب لوحات فيها آيات كريمة وأحاديث شريفة وكلمات حكيمة تهذّب سلوك الإنسان وتوثّق علاقته بربّه، وتحوّل بعضها إلى مراكز توعية سيّارة إذ طبعوا خمسين ألف لوحة تُعلّق على ظهر الزائر فيها كلمات مباركة فيستفيد من قراءة كل واحدة الآلاف خلال المسير وهكذا.

وإذا كانت هناك مخالفات فهي نادرة جداً ولا تكاد تُذكر كقيام بعض الأنفار بابتداع حركات وأزياء وطرق غنائية رياءً من أجل لفت الأنظار وقد أثاروا الازدراء والسُخرية.

إضافة إلى ما قيل من أن شاحنات النقل الكبيرة التي أقلّت الزوّار بعد انتهاء المناسبة لم يراعى فيها الفصل بين الجنسين فعادت المشكلة التي نبّهنا لها في العام الماضي وعولجت آنذاك.

5- نجاح ارتفاع مستوى الوعي لدى الأمة ومطالبتها للمرجعية في أن تخرج من سكوتها وأن تكون بمستوى المسؤولية في تشكيل ضغط أحرج المرجعية وهدّد موقعها لدى أتباعها فتحركت المرجعية الساكتة ولو كان بشكل محدود تحت هذا الضغط والحرج الذي وقعت فيه فبادرت إلى إصدار التوجيهات والدعوة إلى تهذيب الشعائر وتناول فقه المواكب والزائرين ونحوه من الفقه الاجتماعي الذي أسّسنا له منذ خمسة عشر عاماً والاهتمام بالصلاة في أوقاتها جماعة كما نبّهنا دائماً، فالحمد لله تعالى على هذه اليقظة وهذه الثمرة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

6- الصفات الكريمة التي جسّدها العراقيون كالكرم والإنفاق بلا حدود والتواضع والإيثار والحبّ  والرحمة والشجاعة والهمّة العالية والتآلف والصبر وسعة الصدر وحبّ النظام وغيرها ممّا حبّبهم إلى جميع الوافدين، وأبرز استحقاق العراقيين لاحتضان دولة العدل الإلهي بحسب الحكمة الإلهية، فكانوا يتسابقون للخدمة وإدخال السرور على الآخرين، وممّا يثير الإعجاب عدم حصول خلاف أو مشكلة رغم تواجد الملايين في مكان واحد وصعوبة الأوضاع العامّة واختلاف التوجهات والانتماءات إلاّ أنّ حبَّ الإمام الحسين وحّدهم.

7- وكان أهالي كربلاء على درجة عالية من المسؤولية والتحلّي بالصفات السامية التي أشرنا إليها آنفاً وفتحوا قلوبهم قبل بيوتهم لملايين الزوّار وأغدقوا عليهم من كرم الضيافة وحسن الإيواء فجزاهم الله تعالى عن الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه أفضل الجزاء فقد أحسنوا جوار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

وعوّضوا حرمانهم من المشاركة في المشي لانشغالهم بالضيافة وخدمة الزوار بالخروج في مسيرة مليونية أخرى من كربلاء إلى أمير المؤمنين لمواساته بوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وليقولوا له (عليه السلام) هل وفّينا يا أمير المؤمنين لولدك الحسين (عليه السلام) بالخدمة المباركة طيلة مدة توافد الزوار.

8- وعلينا أن نشيد بالجهود الاستثنائية التي قدّمتها الجهات الأمنية والصحيّة والخدمية فكانت جهودهم عنصراً مهمّاً في منظومة النجاح التي تكلّلت به زيارة عاشوراء والزيارة الأربعينية وزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكرى وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسائر المناسبات الأخرى.

وإذا كدّر هذه السعادة وهذا النجاح شيء فهو الخذلان الذي صدر من إحدى المرجعيات لمبادئ وأهداف الإمام الحسين (عليه السلام) وعدم احترام إرادة هؤلاء العشرين مليوناً عندما وجّه مكتبها بعدم تمرير قانون الأحوال الشخصية الجعفرية الذي يمثّل إنجازاً شيعياً يُدخل السرور على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار، إلاّ أنّ هذه المرجعية فجعتنا بهذا الموقف واستخفّت بهذه الحشود المليونية وكان عليها أن تتعلّم من شجاعة وصدق وسمو هؤلاء الزوّار، وليتها إذ تقاعست عن نصرة القانون أن تسكت وتدع الآخرين يتحملون المسؤولية، كما سكتت عن تمرير قوانين (تنصف) فدائيي صدام وأزلامه المجرمين، وتعيد إليهم (حقوقهم) بأثر رجعي، ولا أدري بماذا يجيبون ربّهم سبحانه ونبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) إذا سألهم عن فعلهم هذا.

أسأل الله تعالى أن يتقبّل الطاعات من الجميع ويوفّقهم للمزيد ممّا يحبّ ويرضى ويصلح حال الأمة ويختار لها قيادة تتأسّى بما وصف الله تعالى نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله) (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة/128).

 


([1]) كلمة ألقاها سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه الشريف يوم الجمعة 1/ع1/1435 المصادف 3/1/2014 بمناسبة انتهاء الموسم الحسيني في محرم وصفر.