آفاق العمل المشترك بين المرجعية الدينية والأمم المتحدة في العراق

| |عدد القراءات : 1117
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save


 
الخميس 3 محرم الحرام 1435

الموافق 7/11/2013

بسمه تعالى

آفاق العمل المشترك بين المرجعية الدينية والأمم المتحدة في العراق

 

بمناسبة تسلّمه لعمله الجديد كرئيس لبعثة الامم المتحدة في العراق، قام السيد نيكولا ميلادينوف[1]  بزيارة مراجع الدين في النجف الاشرف ومنهم سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي (مد ظله) للاستماع الى توجيهاتهم ونصائحهم.

وبعد الترحيب بالضيف تحدّث سماحة المرجع اليعقوبي عن الدور المهم  والبنّاء لممثل الامم المتحدة في العراق كوسيط بين الفرقاء السياسيين الذين يعانون من ازمة ثقة كبيرة فيما بينهم ويساعد على تقريب وجهات النظر وحلحلة المواقف الخلافية، وكعامل ضاغط لجلب الكتل النافذة الى الحلول الوطنية والانسانية التي تراعي مصلحة البلد والشعب لانشغال تلك الكتل بحسابات مصالحها الخاصة وتغليبها على المصالح الوطنية العامة، كما ان للأمم المتحدة وعموم المجتمع الدولي دوراً بناءاً في عملية التنمية التي يشهدها العراق الجديد من اجل تحقيق التقدم والازدهار باستقدام الخبراء وعقد المؤتمرات والندوات والمساهمة في وضع الخطط الادارية والاستراتيجية .

وذكر سماحة المرجع ضمن توجيهاته عدة نقاط (منها) مراعاة خصوصيات الشعب العراقي والظروف التي يعيشها عند تبني بعض المواقف (ومنها) التأكيد على الوحدة الوطنية وحفظ النسيج الاجتماعي ورفض كل مشاريع التقسيم والتناحر (ومنها) المساعدة على اتخاذ القرارات التي تحفظ  حقوق الشعب جميعاً على اساس المواطنة وتحقق العدالة الاجتماعية (ومنها) التروي في النظر للقضايا الخلافية وعدم التعجل في اتخاذ مواقف بإزائها لتكون البعثة جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة (ومنها) المساهمة الفاعلة في عملية التنمية والقضاء على الظواهر التي يعاني منها الشعب العراقي والدولة العراقية كالفساد والفقر والأمية والصراعات المتنوعة والتخلف في جميع المجالات.

وأثنى سماحة المرجع على جملة من الانجازات التي حققتها البعثة في عدة مجالات ومنها المساعدة في اقرار قانون الانتخابات البرلمانية مؤخراً.

 ثم بدأ السيد الضيف بطرح اسئلته التي كان يعبّر من خلالها عن القلق من عدة مخاطر حالية او مستقبلية تحيط بالعراق، كالانزلاق بالحرب الطائفية وإمكان قيام الشيعة بردود افعال واسعة رداً على ما يتعرضون له من تفجيرات وقتل او التصعيد وتفجّر الاوضاع قُبيل الانتخابات ومساهمة اقرار بعض القوانين في استقرار الوضع في العراق وحل مشاكله كالمجلس الاتحادي وقانون الاحزاب، وماذا علينا ان نعمل لإصلاح الاوضاع في العراق.

واجاب سماحته عن احتمال الحرب الطائفية بأن الشيعة متدينون وملتزمون بأحكام ربهم، والله تعالى يقول : (ولا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى) فلا يؤاخذون البريء بجريرة المجرم ولا يمكن معاقبة اي واحد من ابناء السنة لمجرد ان حثالة من القتلة والمجرمين يقومون بأفعال وحشية ويدّعون انتسابهم الى هذه الطائفة، والشواهد على ذلك كثيرة كالذي حصل بعد سقوط نظام صدام الذي قتل وعذّب مئات الاف الشيعة الا ان احداً منهم لم يجعل ذلك مبرراً للانتقام أو تصفية الحسابات وكانت المرجعية حازمة وواضحة في بيان هذا الموقف ومرّت تلك الفترة بهدوء وسلام ووئام .

لكن هذا الموقف العام والثابت للمرجعية واتباعها لا يغلق الباب نهائياً لاحتمال قيام البعض بردود افعال انتقامية نتيجة الالام التي يعانونها او بدفع وتحريض من بعض الجهات .

وان الصراعات والنزاعات التي يشهدها العراق هي سياسية بامتياز - نتيجة تقاطع المصالح واصطدام الارادات وتدخل الدول الخارجية – وانما تغلف بأطر طائفية وقومية لتسويقها على الناس وتحشيد اكبر عدد منهم كوقود لهذه الصراعات، وشهد تأريخ العراق بعدم وجود مشكلة طائفية تمزّق النسيج الاجتماعي ولكن صراعات السياسيين والمتطرفين من الطوائف والاعراق كافة وتأجيجهم وتحريضهم عبر وسائل الاعلام هو الذي يهدد هذا النسيج ويقطع حبال المودة .

كما ان تدخل القوى الخارجية ومحاولتها تسيير الاحداث وتوجيه مؤيديها بما يخدم مصالحها ويعزز نفوذها وهيمنتها في العراق ، يصب الزيت على النار ويزيد  هذه الصراعات اشتعالاً ، وان كثيرا من العنف والصراع الذي يجري بالعراق هو قتال بالنيابة عن مصالح تلك الدول وتصفية للحسابات بينها، وقد ارتضى عدد من قيادات البلاد ان يقبل بهذا العمل الدنيء ويلحق بنفسه الذل والهوان .

وامام هذه المشكلة التي نواجهها فأن سن القوانين مهما كانت صالحة بذاتها ونافعة في اصلاح الاوضاع الا انها اما لا تمرّر اصلا ككثير من القوانين المفيدة للشعب والتي اهملت في ادراج الحكومة والبرلمان ، او تُقرّ الا انها تبقى حبرا على ورق لأنها لا تحقق المصالح الضيقة للأحزاب والشخصيات المهيمنة على القرار ، او ان العمل بها بكون انتقائياً وبمكيالين كالدستور الذي يفصّله كل كيان على مقاس مصالحه وتصفية خصومه وإضعافهم .

وحينئذ يتضح الدور المشترك للمرجعية الدينية والأمم المتحدة في إيجاد الحلول لإنقاذ العراق وشعبه من الازمات الخانقة التي تعصف به وتزيد من آلامه وجروحه وخسائره ، ومن تلك الخطوات العملية :

إلزام قادة البلاد بمسؤولياتهم امام الشعب التي اقسموا عليها، والضغط عليهم لإقرار كل القوانين التي تنصف كل شرائح الشعب العراقي وتعطي كل ذي حق حقه فان هذا وحده الذي يجعل كل مواطن يحس بالانتماء الى وطنه ودولته ويدافع عنها ويزيل الاحتقانات ويحاصر الإرهابيين والمتطرفين ويقضي عليهم ، وهو بنفس الوقت يؤدي إلى تحسين العلاقات مع الدول المجاورة وإزالة سوء الظن والاتهامات التي تعكر صفوها .

اجراء الانتخابات في موعدها المحدد وبكل شفافية وصدق ومهنية ، ويضمن قانونها فرصة مناسبة لصعود قوى جديدة مؤثرة يمكن ان يكون لها دور مهم في تحريك التوازنات وتغيير المعادلات وضمان مشاركة اوسع بالعملية السياسية كالذي حصل في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة ، وقد قدّمنا مقترحات وقمنا بحركة دؤوبة لتعديل القانون بما يحقق ذلك وهو ما حصل فعلا بفضل الله تعالى .

تشجيع الحوار والتواصل بين كل مكونات الشعب وفعالياته السياسية والاجتماعية والدينية والاستماع الى كل الاطراف لجمعهم على قواسم وطنية مشتركة .

احداث نهضة تنموية تستقطب كفاءات البلد وطاقاته وايديه العاملة وإجراء اصلاح اداري شامل وفق التقنيات الحديثة لمكافحة الفساد و المحسوبية وهيمنة الاحزاب المتنفذة .

التحرك على الدول التي تمارس دوراً سلبياً في العراق لتحذيرهم من مغبّة اللعب بالنار ، لأنها اذا اشتعلت فإنها سوف لا تبقى داخل الحدود العراقية وانما تحرق اولئك ايضا، فليقوموا بدور ايجابي وليساعدوا العراق على مداواة جراحه واستعادة عافيته .

 


[1] وزير الشؤون الخارجية البلغارية (2010-2013) ولد عام 1972 وحصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة الاقتصاد الوطني والعالمي في لندن ، عمل مستشار للبنك الدولي (2005-2007) وعضوا في البرلمان الاوربي عن بلغاريا (2007-2009) ووزيرا للدفاع (2009-2010) وكلّف بعدة مهام في عدة دول منها العراق حيث كان عام 2006 مستشارا للجان الدفاع والسياسة الخارجية في البرلمان العراقي ، عُيّن في 2/8/2013 رئيسا لبعثة الأمم المتحدة في العراق.