عوامل ازدهار التشيّع بين الأمس واليوم

| |عدد القراءات : 5167
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

عوامل ازدهار التشيّع بين الأمس واليوم [1]

تشهد هذه الأيام توسعاً ملحوظاً وازدهاراً للتشيّع ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن كان أهل البيت وشيعتهم مبعدين محاصرين لا يسمح لهم بتحرك معتدٍ به وكان مصيرهم القتل والسجن والتعذيب والحرمان ومصادرة الممتلكات، يتحدث الإمام الباقر (عليه السلام) عن هذه المحنة المهولة بقوله (وقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطّعت الأيدي والأرجل على الظنّة وكان من يُذكر بحبنا والانقطاع إلينا سُجن أو نُهب ماله أو هُدّمت داره)[2] وسُئل كيف أصبحت؟ قال(عليه السلام): (أصبحت برسول الله (صلى الله عليه وآله) خائفاً وأصبح الناس كلهم برسول الله (صلى الله عليه وآله) آمنين).[3]

وقد تعرض شيعة أهل البيت لألوان القتل والتعذيب والتنكيل، كتب معاوية إلى عماله نسخة واحدة جاء فيها: انظروا إلى من قامت عليه البيّنة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه[4] وأوعز إليهم بهدم دور الشيعة فقاموا بنقضها[5] وعهد إلى جميع عماله بعدم قبول شهادتهم في القضاء وغيره مبالغة في إذلالهم، وأجلى زياد بن أبيه خمسين ألفاً من الشيعة من الكوفة إلى خراسان.[6]

وروى أبو بصير قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السلام) جعلت فداك اسم سُمّينا استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا، قال ما هو؟ قال: الرافضة، قال (عليه السلام) ذلك اسم قد نحلكموه الله).[7]

لذا كانت حركة التشيّع محدودة جداً كالنقش في الحجر روى الشيخ الكليني بسنده عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأبي جعفر الأحول وأنا أسمع: أتيتَ البصرة؟ فقال: نعم، قال (عليه السلام): كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر ودخولهم فيه؟ قال: والله إنّهم لقليل، ولقد فعلوا وإنّ ذلك لقليل، فقال (عليه السلام): عليك بالأحداث، فإنّهم أسرع إلى كل خير).[8]

هكذا كان الإمام (عليه السلام) يتفقّد حركة المبلّغين والمرشدين ويطّلع على نتائج أعمالهم ويعطيهم التوجيهات المناسبة حتى لا يدخلهم اليأس من الحصار الخانق المفروض عليهم واليوم وصل صوت أهل البيت (عليهم السلام) إلى العالم كلّه ويأوي إلى هذا الكهف الشريف الناس أفواجاً.

ونجد من مسؤوليتنا البحث في جواب السؤال الذي يستحق التأمل فيه عن سر ديمومة هذا الكيان الشريف وصموده رغم كل تلك الحرب الجهنّمية التي أحاطت به حتى حافظ على وجوده بل نمى وازدهر وتوسّع وفرض نفسه على الجميع مما أصاب الحاسدين والحاقدين من بعض طوائف المسلمين الأخرى أو غير المسلمين بالذهول والدهشة، ولم يجد أعداء هذا الكيان الشريف حلاًّ إلاّ استخدام الوسائل الوحشية من القتل والتدمير والتفجير والتخريب بلا أي خطوط حمراء من أجل إيقاف زحف هذا التمدّد المبارك وتطويقه لأنّهم يجدون في مبادئ هذه المدرسة السامية وثقافتها العدوّ الوحيد والخصم العنيد لمشاريعهم الاستكبارية واتخاذ مال الشعوب دولاً وعباده خولاً أما غير أتباع أهل البيت (عليهم السلام) –مسلمين كانوا أو غير مسلمين- فلم يعبأوا بهم كثيراً لإمكان ترويضهم وامتلاك زمامهم بشكلٍ من الأشكال.

وإنّما جعلنا إثارة هذا السؤال والبحث في الجواب عنه واجباً علينا لأنّه يحمّلنا مسؤولية إدامة عناصر القوة والازدهار هذه، والتحرّك بها لإقناع الآخرين وهدايتهم إلى هذا الحق المبين.

وما يمكن أن نذكره من أسباب الديمومة والازدهار والتوسّع ما يلي: -

1-  الحفظ الإلهي، فقد تعهّد الله تبارك وتعالى بحفظ كتابه الكريم وعترة النبي (صلى الله عليه وآله) الذين هم عدل الكتاب، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/9) والذكر شامل لأهل البيت (عليهم السلام) لأن ذكرهم ذكر الله تعالى، قال تعالى (قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً . رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ) (الطلاق/10-11)، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ شيعتنا الرحماء بينهم، الذين إذا خلوا ذكروا الله، إنّ ذكرنا من ذكر الله، إنّا إذا ذكرنا ذُكر الله وإذا ذُكر عدوّنا ذُكر الشيطان).[9]

وفي روايتين عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) (في قول الله عز وجل (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الذكر أنا والأئمة أهل الذكر وقوله عز وجل (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) قال أبو جعفر (عليه السلام): نحن قومه ونحن المسئولون)[10].

وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) عن هذا الحفظ في حديث الثقلين المشهور (إنّي مخلّفٌ فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وقد نبأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة).

2-  رعاية إمام العصر كل عصر ودعاؤه، في الكافي (عن عبد الله بن أبان الزيّات وكان مكيناً عند الرضا (عليه السلام) قال: قلتُ للرضا (عليه السلام): ادعُ الله لي ولأهل بيتي فقال: أولستُ أفعل؟ والله إنّ أعمالكم لتُعرض عليّ في كل يومٍ وليلة، قال: فاستعظمتُ ذلك فقال لي: أما تقرأ كتاب الله عزّ وجل (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/105) قال: هو والله عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)).[11] وفي رواية أخرى (هم الأئمة (عليهم السلام)).

وفي الرسالة المروية عن الإمام المهدي (عج الله فرجه) للشيخ المفيد (إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء- أي الشدّة وضيق المعيشة- أو اصطلمكم الأعداء).

3-  أصالة هذه المدرسة واقترانها بالإسلام نفسه فهي محفوظة بحفظ الإسلام لأنها ليست شيئاً آخر غير الإسلام المحمدي الأصيل فالتشيّع هو الإسلام وليس مذهباً من مذاهبه التي نشأت لاحقاً.

 فقد غرس النبي (صلى الله عليه وآله) نبتة التشيّع لأمير المؤمنين (عليه السلام) منذ الأيام الأولى للإسلام عندما نزل قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء/214) وبقي يصرّح بفضل علي (عليه السلام) وإنّه خليفته ووارثه والإمام بعده حتّى حسم الأمر في يوم الغدير وألزم أصحابه بأن يبايعوا علياً بإمرة المؤمنين قبيل وفاته (صلى الله عليه وآله) وكان الله يبارك هذه الحركة وينزل الآيات تلو الآيات ومنها البشارة لعلي وشيعته في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ . جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة/7-8)، فقد روى الفريقان أنّها نزلت في عليّ وشيعته.

وكان من شيعته أعيان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) الآخذين بسنّته كسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وأبي ذر الغفاري وعمّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وأبي أيوب الأنصاري وخالد بن سعيد بن العاص الأموي وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبي الهيثم بن التيهان ونظرائهم، وروى الخطيب الخوارزمي في مناقبه بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أقبل عليٌ قالوا: جاء خير البرية).[12]

وتأكيداً لهذا الانتماء الأصيل روى جابر قال (قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إذا حدثتني بحديث فأسنده لي، فقال: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن الله تبارك وتعالى، وكلما أحدّثك بهذا الأسناد)[13] ولذلك لم يحتج الأئمة إلى ذكر سند أحاديثهم كما يفعل غيرهم، روى حفص بن البختري قال (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): نسمع الحديث منك فلا أدري منك سماعه أو من أبيك فقال: ما سمعته مني فاروه عن أبي وما سمعته مني فأروه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)).[14]

ومن آثار هذه الأصالة جعل الكتاب الكريم وسنة النبي (صلى الله عليه وآله) المعيار لقبول روايات أهل البيت (عليهم السلام) فقد روى عبد الكريم بن أبي يعفور قال (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، ومنهم من لا نثق به قال (عليه السلام): إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله وإلا فالذي جاءكم به أولى به)[15]

4-  سموّ المبادئ والقيم الإنسانية العليا التي احتوت عليها مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والتي تُلهم البشرية السعادة وتضمن لها العدالة والحياة الكريمة خُذ مثلاً عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر لمّا ولاّهُ مصر أو الأهداف التي أعلنها الإمام الحسين (عليه السلام) لثورته المباركة[16] أو رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام) وهكذا كلمات الأئمة الآخرين (عليهم السلام) وفي ذلك يقول الإمام (عليه السلام): (فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا) [17].

ولذلك وجدنا التفاف الناس حول هذه المدرسة كلما أعطيت فرصة للناس لكي ينصتوا إليها ويأخذوا منها كالذي حدث في زمان الإمام الصادق (عليه السلام) حيث وجد فرصة لبثّ علوم آبائه وأجداده الطاهرين فوجد العلماء من شتى الاتجاهات عنده ما لم يجدوا عند غيره لأن هذا الصوت كان محجوباً ومحاصراً فالتفوا حوله وأخذوا منه حتى من صاروا بعد ذلك أئمة للمذاهب.

وكشاهد على اعتراف المجتمع الدولي بريادة وسبق أهل البيت (عليهم السلام) في تثبيت حقوق الإنسان فقد اعتمدت الأمم المتّحدة عام 2000 عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر كوثيقة تأسيس لمبادئ حقوق الإنسان.

5-  السلوك السامي وطريقة التعامل المثالية التي كان يظهرها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلى درجة كان يذهل العدو قبل الصديق ويجعل الجميع يذعن لهم بالتقدّم على كلّ الناس، حيث كانوا يتعاملون برحمة ونبل وشهامة مع الأعداء والأصدقاء.

والروايات في ذلك كثيرة من سيرة الأئمة (عليهم السلام)، فالإمام الحسين (عليه السلام) يسقي الجيش المعادي الذي اعترضه في الطريق بقيادة الحر الرياحي وهم ألف فارس مع خيولهم وكان آخرهم منهكاً فسقاه الإمام بيده الشريفة مما أثّر في قلب القائد الحر وجعله ينقلب على قيادته ويلتحق بالإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء.

هذا السمو والعفاف والطهارة والنبل جعل الأمة تعشق أهل البيت (عليهم السلام) وإن لم يكونوا من شيعتهم لأنّ أغلب الناس على دين ملوكهم كما قيل، لاحظ كمثال انفراج الناس سماطين عن الإمام السجاد (عليه السلام) عندما تقدّم إلى الكعبة لاستلام الحجر الأسود بينما عجز الأمير الأموي بجيشه الكبير عن تحقيق ذلك، ومن اعترافات أعدائهم بذلك قول هارون العباسي لولده المأمون عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): (هذا إمام القلوب وأنا إمام الأبدان).

يقول أبو حنيفة إمام مذهبه (ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، لما قدم المنصور بعث إليّ، فقال: يا أبا حنيفة إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من المسائل الشداد)[18] إلى آخر الرواية.. ومحل الشاهد اعتراف المنصور العباسي بافتتان الناس بالإمام الصادق (عليه السلام).

6-  التعاطف الإنساني الذي تجاوز حدود الطائفة والدين مع أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم بسبب شدة الظلم والبطش والقسوة التي تعرض لها أهل البيت (عليهم السلام) وارتكبت في حقّهم أبشع الجرائم:

أنست رزيتكم رزايانا التي           سلفت وهوّنت الرزايا الآتية

من دون أن يرتكبوا جريمة أو يصدر منهم فعل مشين لذا ألّف غير الشيعة من المسلمين وغير المسلمين كثيراً في أهل البيت وصدرت منهم كلمات رائعة فيهم، فكانت هذه المظلومية سبباً لاجتذاب كثيرين إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) خصوصاً قضية أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والإمام الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين).

7-  تواصل وجود القيادة المتمثلة بالمرجعية الدينية الرشيدة العارفة بزمانها والتي تتوفر فيها شروط الشرعية التي أعطاها الأئمة (عليهم السلام) لورثتهم من العلماء الذين يقومون مقامهم في ولاية أمور الأمة وقد صدرت من الأئمة كلمات مهمة في وجوب طاعة نوّابهم المستحفظين على شريعتهم وحرمة التمرّد عليهم كقول الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله عليهم)[19] وقوله (عليه السلام) (الراد عليهم،  كالراد علينا وعلى الله تعالى، وأنه شرك بالله)[20].

مما أعطى لحركة المرجعية زخماً كبيراً في حياة الأمة وهيبة وطاعة عظيمة عزّزها ما يتمتع به هؤلاء النوّاب من علمٍ جم وأخلاقٍ رفيعة وشفقة كبيرة على رعاياهم.

8-  الانفراج السياسي وتخفيف قبضة السلطات الجائرة وقد تصل الفرصة أحياناً إلى حد التمكين في الأرض من خلال الحصول على السلطة والحكم أو الحضور فيها أو وجود ظروف سياسية مناسبة كالفترة التي عاشها الإمام الصادق (عليه السلام) بين ضعف الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية فاستثمر الإمام (عليه السلام) تلك الفرصة واتسعت مدرسته حتى سمي المذهب باسمه.

أما التمكن من السلطة والحكم النافذ فإنه من أقوى مصاديق قوله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال/60) وقد كان التمكين في الأرض وتهيئة الأسباب (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) (الكهف/84) من أعظم الوسائل التي آتاها الله أنبيائه العظام لنشر دعواتهم، ولنأخذ مثلاً النبي (صلى الله عليه وآله) فقد وصف الله تعالى أصحابه عندما كانوا في مكة بأنّهم (قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) ثمّ حصل التمكين (فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ) (الأنفال/26) وتحقق هذا التأييد بالهجرة إلى المدينة وتأسيس دولة الإسلام الكريمة المباركة حتى انتشر الدين ودخل فيه الناس أفواجاً.

وقد حظي التشيّع على مدى القرون بدول اتخذته شعاراً –بغضّ النظر عن مصداقيتها في تبنّي هذا الشعار- وأعطت فرصاً ثمينة لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) بالانتشار والتوسّع، والمتابع لتاريخ المدارس الفقهية وتطورها يجد ازدهارها مقترناً بالوضع السياسي الملائم كالعصر الذهبي أيام الصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي الذي زامن نفوذ الدولة البويهيّة في بغداد، ومثله ما حصل في أيام الدولة الحمدانية في الشام والفاطمية في مصر والصفوية في إيران والأدارسة في المغرب، وما نشهده اليوم من انطلاق صوت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن تمكن الشيعة في بعض بلدان المنطقة.

9-  الشعائر الدينية، فقد كان لهذه الشعائر وخصوصاً الشعائر والمجالس الحسينية وزيارات مراقد المعصومين (عليهم السلام) الأثر الفاعل في هداية الكثير من الناس وإلفات أنظارهم إلى مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) ومناقبهم وفضائلهم وتوضيح مبادئ وأصول هذه المدرسة المباركة، خصوصاً بعد التطور التكنولوجي  الهائل في وسائل الإعلام والاتصالات حتى صار العالم كلّه يرى ويتابع هذه الحركة المباركة ويتساءل عنها ويتفاعل معها.

كما أنّ لهذه الشعائر والمجالس الأثر الكبير في تمسّك الشيعة بعقيدتهم والتعرّف على تفاصيل مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عقيدةً وأحكاماً وأخلاقاً وأفكاراً، وكانوا كلما شرّقت بهم الأهواء وغرّبت أعادتهم هذه الشعائر إلى هذه الجنة المباركة.

10-انتشار المبلغين والدعاة والمؤمنين المتحمّسين لنشر مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) حيث شيّدوا المساجد والحسينيات وأقاموا الشعائر الدينية ورفعوا شعارات أهل البيت (عليهم السلام) في كل بقاع الأرض، وعلى طريقة الآية الكريمة (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) والمثل المعروف (ربّ ضارة نافعة) فقد كان تشريد وتهجير أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم في بقاع الأرض سبباً لانتشار هذا الصوت الإلهي المقدّس، ويحيى ذكر أهل البيت (عليهم السلام) الآن في أقصى نقطة من شمال شرق الكرة الأرضية في روسيا وفي أبعد نقطة غرب الأرض في الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وما بينهما.

إن الالتفات إلى عناصر القوّة والديمومة والإقناع في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تزيد إيماننا بصحتها وأحقيتها وبنفس الوقت توجب علينا مسؤولية المحافظة على هذه العناصر وإدامتها وتنميتها، وتجنّب كل ما يضعفها ويحجّم دورها وأثرها، فنكون –والعياذ بالله- سبباً في خيانة هذه الرسالة العظيمة وخذلان أئمتنا الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).

ومن أشكال هذا الخذلان:

1-   توظيف هذه العقيدة الحقّة لمكاسب دنيوية كالذي يفعله بعض السياسيين الشيعة مما يوجب النفور من هذه العقيدة وسوء الظن بها للارتباط الوثيق بين الأيديولوجية وسلوك حاملها فلابد من فضح المتاجرين بالدين وتبرئة الدين من أفعالهم.

2-   تسقيط العلماء وامتهان كرامتهم وانتهاك حرماتهم وتشويه صورتهم والافتراء عليهم مما يؤدي إلى توهين المذهب وسقوطه في أعين الناس.

3-      سوء تصرف أتباع المذهب وابتعادهم عن تعاليم هذه المدرسة الشريفة إلى حدّ المباينة بحيث يصبحون شيعة بلا تشيّع أي بالاسم فقط فيجلبون العار للتشيّع ويصبحون عائقاً دون انتشاره لأنهم يعرضون مثلاً سيئاً.

4-   ترويج الأخبار المكذوبة والممارسات المبتدعة ظناً منهم أنه زيادة في إظهار الولاء والتعصّب للمذهب مما يوجب استفزاز الآخر ونفوره كبعض أخبار الغلو والحكايات الخيالية والطقوس الدخيلة على الشعائر الحسينية ونحو ذلك.

إن من المؤسف التفات أعداء التشيّع إلى مكامن القوّة فيه أكثر من أبنائه فعملوا بجد على إضعافها من خلال تشويه صورة المذهب و تسقيط المرجعية وتحجيمها والقضاء على العاملين الرساليين وإلقاء الفتن بين الشيعة واستدراجهم وإبعادهم عن الصورة الناصعة لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ونحوه من الأساليب والشيعة غافلون عن ذلك منشغلون بلعق شيء من العسل غطوا به سمومهم ولكن الله تعالى يقيض لهذا المذهب الشريف ولأتباع أهل البيت (عليهم السلام) من يوقظهم من غفلتهم وفاءاً بوعده الحق في الحفظ والتمكين.



[1] - خطبتا صلاة عيد الأضحى للعام 1434 التي أقامها سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) يوم الأربعاء 16/10/2013.

[2] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 11/ 420.

[3] - موسوعة سيرة أهل البيت (عليهم السلام) للمرحوم الشيخ باقر القرشي: 18/132، عن ميزان الاعتدال: 4/160.

[4] -5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 11/45.

[6] - راجع المصادر في موسوعة أهل البيت للمرحوم القرشي: 13/179.

[7] - المحاسن للبرقي: 119 كتاب الصفوة وصور، باب24: الرافضة.

[8] - الكافي: 8/93 ح66.

[9] - الكافي: ج2، باب: تذاكر الأخوان، ح1.

[10] - وسائل الشيعة، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي باب7، ح4، 6.

[11] - أصول الكافي، ج1، كتاب الحجة، باب عرض الأعمال على النبي (صلى الله عليه وآله) ح4.

[12] - المناقب للخوارزمي: 3/ 69.

[13]- 14- وسائل الشيعة، باب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب8 ح67ـ 86.

 [15] - وسائل الشيعة، باب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب9 ح11.

[16] - راجع كمثال خطابنا عن (ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وتأصيل مبادئ حقوق الإنسان).

[17] - جواهر البحار: ج2 كتاب العلم، ص30.

[18] - جامع مسانيد أبي حنيفة 1 / 222، تذكرة الحفاظ للذهبي 1 / 166.

[19] - كمال الدين وإتمام النعمة: 484 الباب(45) ذكر التوقيعات، وسائل الشيعة 27: 140 الباب(11) حديث (33424) من أبواب صفات القاضي.

[20] - الكافي: 7 / 412 الحديث 5، الاحتجاج للطبرسي: 2 / 356.