خطاب المرحلة (333)... الأمراض المعنوية للنساء

| |عدد القراءات : 6348
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمراض المعنوية للنساء([1]) 

           الإنسان –كل إنسان سواء كان ذكراً أو أنثى- مكرَم عند الله تعالى [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] (الإسراء:70) وهو خليفة الله تعالى في الأرض بكل ما تعني الخلافة الإلهية من امتيازات وتشريفات ومن مسؤوليات وتكاليف [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] (البقرة:30) وسخّر له كل ما في الأرض [هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً] (البقرة:29).

          وبنو آدم – ذكوراً كانوا أو إناثاً- متساوون في الحقوق والواجبات [أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى] (آل عمران:195) وقال تعالى [وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً] (النساء:124) وقال تعالى [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ] (النحل:97) وقال تعالى [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] (الحجرات:13) بلا فرق بين المرأة والرجل.

          في مجمع([2]) البيان أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار! فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ومِمَّ ذلك؟ قالت: لأنهنّ لا يذكرنَ بخير مما يذكر فيه الرجال، فأنزل الله تعالى [إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً] (الأحزاب:35).

          وفي الدر المنثور: أخرج البيهقي عن أسماء بنتَ يزيد الأنصارية أنها أتتِ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهوَ بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي إني وافدةُ النساء إليك، واعلم –نفسي لك الفداء- أنه ما من امرأة كائنة في شرق أو غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنّا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معاشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فُضِّلتم علينا بالجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربّينا لكم أولادكم فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟.

          فالتفت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأةٍ قط أحسن من مُساءلتها في أمر دينها من هذه؟

فقالوا: يا رسول الله ما ظنّنا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا!

          فالتفت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة، وأعلِمي من خلفكِ من النساء أن حسن تبعّل إحداكنّ لزوجها وطلبها مرضاته واتّباعها موافقته يعدِل ذلك كله فأدبرت المرأة وهي تهلّل وتكبّر استبشاراً([3]).

          فالآيات الشريفة واضحة وصريحة في تكافؤ الفرص والاستحقاقات بين المرأة والرجل، إلا أنه قد يختلف الرجال عن النساء بنوع المسؤوليات والواجبات بحسب اختلاف تركيبتهم التكوينية أي الفسيولوجية، وبحسب الدور الذي أنيط بهم في هذه الحياة قال تعالى [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ] (النساء:34).

          فالقيمومة لم تُعطَ للرجال من باب تفضيل الذكور على الإناث، وإن المجتمع الإسلامي (ذكوري) كما يزعمون، بل لأمرين: بعض الخصائص التي اتّصفوا بها مما يؤهلهم للقيام بهذه المسؤوليات، ولأنّهم المسؤولون عن الإنفاق على الأسرة، ولكن هذا لا ينافي العدالة في توزيع المسؤوليات ومنح الاستحقاقات من الثواب والعقاب، لأن العدالة لا تعني بالضرورة المساواة أي التماثل بنحوٍ مطلق، والمطلوب هو تحقيق العدالة، أما المساواة فقد تكون من العدالة وقد لا تكون([4])، مثلاً هل من العدالة أن يساوى المحسن بالمسيء؟ أو أن يعطى الطلبة الذين يجرى لهم امتحان درجات متساوية؟ أو أن يعطي الطبيب لجمع المرضى الذين يراجعونه دواءً موحداً وإن اختلفت أمراضهم؟ فلا معنى للمساواة إلا إذا تحققت بها العدالة، وهي متحققة بين الرجال والنساء، فهذه الصيحات المطالبة بالمساواة إما منافقة أو جاهلة أو مأجورة تنفّذ أجندات معيّنة.

هذه مقدمة لما نريد أن نقوله، وهو أنه إذا كانت المرأة لا تختلف عن الرجل في الحقوق والواجبات ولهما فرص متكافئة لنيل الكمالات والقرب من الله تعالى وقد زُوِّد الرجل والمرأة على حد سواء بما يعينهم على التكامل من قوى ذهنية وجسدية.

          إذن كيف نفهم الأحاديث الكثيرة الواردة في ذم النساء، خصوصاً ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ وهل هي عبارة عن رد فعل –كما قيل- لما لاقاه من مصائب من بعض النساء اللاتي لهنّ عنوان كبير في المجتمع الإسلامي؟

والجواب: لا بالتأكيد لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) منزّه عن تأثير الأهواء والعواطف ولا يفعل ولا يتكلم إلا بأمر الله تعالى، فهو مع الحق والحق معه وهو لا ينطق عن الهوى.

          وهنا يمكن أن نعرض أكثر من وجه لحمل جملة من الأحاديث الشريفة بعيداً عن الانتقاص من النساء.

          (منها) أن بعض الأحاديث محمولة على امرأة معيّنة ضلّت وأضلّت مستفيدة من عنوانها الكبير في المجتمع الإسلامي، فيوجد في كلماته (عليه السلام) تقييم لهذه المرأة كقوله (عليه السلام) (وأما فلانة فأدركها رأي النساء، وضغن غلا في صدرها كمرجل القين –أي الحداد-، ولو دُعيت لتنال من غيري ما أتت إليَّ لم تفعل)([5]).

          وإن كان الحديث الشريف لا يخلو من تعميم للسلوك، فإن الإمام (عليه السلام) يعلل صدور تلك الأفعال منها بأنها أدركها رأي النساء وكأن هذه النوازع والدوافع والانفعالات أصبحت حالة عامة مميزة للنساء وراسخة فيهن.

          (ومنها) أن أحاديث شريفة أخرى ظاهرها ذم النساء إلا أنها في الحقيقة لا تحمل هذا المعنى وإنما وردت لتحذير الرجال من الوقوع في فتنة النساء وارتكاب المعصية بسببهنّ، كالحديث النبوي الشريف (ما لإبليس جند أعظم من النساء والغضب)([6]) وعن الصادق (عليه السلام) قال (في كتاب علي (عليه السلام) الذي أملى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن كان الشؤم في شيء ففي النساء)([7]) وفي غرر الحكم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (ليس لإبليس وهق –وهو الحبل- أعظم من الغضب والنساء)([8]) فهذه الأحاديث ليس فيها منقصة أو ذم للمرأة، لأن مسؤولية الافتتان والوقوع في حبائل الشيطان ومصائده تقع على الرجل نفسه الذي فشل في الاختبار، كما لو سقط في امتحان المال أو أي فتنة من فتن الدنيا فلا يلومنَّ إلا نفسه ولا ذنبَ للمال نفسه ولا شرّ فيه، وكذا التحذير من الدنيا مع أنّها مزرعة الآخرة، فاللوم على من افتتن واغترّ بها.

          وكذا أيضاً يمكن فهم بعض الأحاديث الشريفة بعيداً عن الانتقاص من المرأة كقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (المرأة شر كلّها، وشرُّ ما فيها أنّه لابد منها)([9]) لأن الرجل هو المسؤول عن الوقوع في هذا الشر فلماذا لم يعصم نفسه؟   ويمكن توجيه الكلمة بحملها على امرأة معينة تقدمت الإشارة إليها بأن تكون اللام عهدية.

          (ومنها) أن تكون الأحاديث غير مطلقة وإنما ناظرة إلى حالات معينة، كالنهي عن مشاورة النساء وقد تكرّرت هذه النصيحة كثيراً، ومنها ما ورد في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام) (وإياك ومشاورة النساء فإن رأيهنّ إلى أفن –أي النقص- وعزمهنّ إلى وهن- أي ضعف)([10])، ومما دلّ على عدم عمومية هذه النصيحة الاستثناء الوارد في كلام له (عليه السلام) قال (إياك ومشاورة النساء إلا من جُرِّبت بكمال عقل فإن رأيهنّ يجر إلى الأفن وعزمهنّ إلى الوهن)([11]).

          أقول: وبذلك فقد تحصّل عندنا أكثر من فهم لهذه الروايات ليس فيها انتقاص من النساء، خلاصتها:

1-    إنّها تشير إلى امرأة معيّنة لا كل امرأة كحديث (فلانة) و (المرأة شرٌ كلها).

2-   إنّها موجّهة لتحذير الرجال من الوقوع في فتنة النساء كأي فتنة دنيوية أخرى كوصفهن بحبائل الشيطان.

3-  إنّ الروايات ليست مُطلقة وإنما مقيّدة بحالات معيّنة فلا تشمل كل النساء كالنهي عن مشاورتهنّ.

          وبالرغم من هذه التوجيهات لكلام المعصومين (عليهم السلام) إلا أنه مما لا يمكن إنكار حقيقة في النساء تمثّل الوجه الرابع الذي هو ظاهر بعض هذه الأحاديث، وهي أن الحالة العامة للنساء عدم الاهتمام بالأمور المعنوية والنزوع إلى الارتقاء في مدارج الكمال.

          فهذا الذم للنساء بلحاظ الحالة الغالبة وليس بالضرورة أنه يشمل كل امرأة، فمن لا تردّ أن تكون مشمولة بهذا الذم فلتكن من الاستثناء لا الحالة العامة كما كانت خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد استثناءً من نساء قريش([12]).

          ولتقريب الفكرة نأخذ مثلاً قوله تعالى [إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ] (العصر:2) ثمّ استثنى منها فئة خاصة، فليس الإنسان بمفهومه وتكوينه في خُسر لكثرة من تكامل من بني الإنسان وإنّما الغالب في الإنسان، بحسب المصاديق الخارجية الموجودة له هي أنّهم في خُسر لتغليبهم جنبتهم الشهوية الحيوانية على الإلهية الروحية.

          فالنساء كذلك بحيث يرد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)([13])، وما ذلك إلا لكثرة ابتلائهنّ بالأمراض المعنوية من دون همّة ملحوظة لعلاجها.

          لذا نحن بحاجة إلى نساء يتخصصن بطب الأمراض المعنوية للنساء كما تخصصت الكثير منهن في الأمراض الجسدية للنساء، مع أهمية الحقل الأول لتعلقه بالحياة الباقية.

          ويُعوّل عليكن –يا طالبات العلوم الدينية في الحوزات العلمية- في التصدي لهذه الوظيفة الإلهية، ابتداء من تشخيص هذه الأمراض ومعرفة عللها وأسبابها ومناشئها، ثم وضع العلاجات النظرية والعملية لها.

          وكما أن أمراض الجسد لها أدوات وآثار لتشخيصها يعرفها المختصون، فإن هذه الأمراض المعنوية يمكن التعرّف عليها وتشخيصها بعدة وسائل:

1-  الاستفادة مما ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) من إشارات لمناشئ هذه الأمراض في النساء كالذي ورد في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المرأة فإنهم الأطباء الذين يدلّونا على ما خفي علينا.

2-  استقراء الحالات الموجودة ودراستها وتحليلها وضم المعلومات بعضها إلى بعض للوصول إلى السبب مستعينين ببعض الدراسات والبحوث النفسية والاجتماعية والسلوكية.

3-  مطالعة كتب أهل الفن في مجال السلوك الصالح والأخلاق.

          ونذكر هنا مجموعة من مناشئ تلك الأمراض المعنوية وأسبابها، بحسب ما أفادته بعض الروايات الشريفة.

1-  قلة التفقّه في الدين، بل الجهل حتّى في الأمور الأساسية، ومع هذا الجهل كيف يتوقّع منها التكامل، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أوّل الدينِ معرفته).

2-  تركيز الأنا الأنثوية عندها وحب الذات عندها والتفاتها إلى ما يبرّزها ويلفت الأنظار إليها، وليس إلى الأهداف الواقعية التي خُلقت لأجلها، أي أنها تلتفت إلى كونها أنثى أكثر من كونها إنساناً، فتحب أن تمدح ويثنى على جمالها ومظهرها الخارجي وتفوّقها على قريناتها، وهذا ما يُسبب للكثير من النساء الوقوع في الخطيئة بسبب كلمة مدح أو إطراء يلقيها هذا الرجل العابث أو ذاك، فتفقد عقلها وحكمتها، ومن كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا ينبغي لعاقل أن يمدح امرأة حتى تموت)([14]) ونتيجة لهذه الصفة فإنّها تعطي اهتماماً زائداً بتزيين وتجميل الظاهر، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (وإن النساء همهنّ زينة الحياة الدنيا والفساد فيها)([15]).

3- الغيرة إلى حد الاندفاع نحو الظلم والعدوان وانظروا كمثال فلانة التي قادت الجيوش ضد أمير المؤمنين (عليه السلام) والبيت النبوي الطاهر حسداً وحقداً وغيره من خديجة الكبرى التي كان يذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكل حب ووفاء فيشتد غيظ فلانة وواجهته بعدة كلمات كما ذكرنا في حديثنا عن خديجة بنت خويلد، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (غيرة المرأة عدوان) وقال (عليه السلام) (غيرة المرأة كفر وغيرة الرجل إيمان)([16]).

4-  عدم القناعة والرضا بما عندها ومدّ عينيها إلى ما عند الأخريات، خلافاً لقوله تعالى [وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً] (النساء:32) وقال تعالى [وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى] (طه:131). فتجد الواحدة منهنّ لها ما لا يعد ولا يُحصى من النعم التي حباها الله تعالى، ومع ذلك فإنّها تعرض عنها وتُركّز على شيءٍ موجود عند غيرها فتحسدها وتكيد لها أو تنتقص منها لتحط من منزلتها ونحو ذلك فتقع في عدة كبائر.

     فالتصرف الصحيح أن تشكر الله تعالى على ما أعطاها وتسأل الله من فضله كما وجّهت الآية.

5-  الانسياق وراء الانفعالات العاطفية مما يجعلها عرضة للانخداع والزلل بكلمة معسولة، وهذه العاطفة الجياشة والمشاعر المتدفقة إنما أعطاها الله تعالى لها لتؤدي وظيفتها في رعاية الأسرة والأطفال وتربيتهم على أكمل وجه، وليس لتنساق وراءها بلا تعقّل، قال تعالى في سبب جعل شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد [أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى] (البقرة:282) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (المرأة إذا أحبتك آذتك، وإذا أبغضتك خانتك وربما قتلتك، فحبّها أذى وبغضها داء بلا دواء)([17]).

6- القصور الذاتي، من خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد فراغه من حرب الجمل (معاشر الناس، إن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول. فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن، وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد، وأما نقصان حظوظهن فمواريثُهن على الأنصاف من مواريث الرجال. فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر، ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر)([18]).

     وقد تقول: أن هذه أمور خارجة عن إرادتها فليس من العدل أن تكون معوّقاً لها، والجواب أن هذا صحيح إلا أن معوقيتها من جهة عدم قيامها بما يتدارك هذا النقص الذاتي، فلو كانت مواظبة على صلاة الليل أو صوم ثلاثة أيام في الشهر فإنه يكتب لها أجر العمل إذا طرأ عليها العذر، مع أن طاعات كثيرة لا ترتبط بالأعذار كالذكر والتفكّر فلتداوم عليها.

7- الثرثرة وكثرة اللغو في الكلام، وهذا الفضول من الكلام يوقع في الباطل بلا ريب، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أكثر الناس ذنوباً أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيه)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إيّاك والهذّر فمن كثر كلامه كثرت آثامه) وعنه (عليه السلام) لمّا مرّ برجل يتكلّم بفضول الكلام (إنّك تملي على حافظيك كتاباً إلى ربّك، فتكلّم بما يعنيك ودع مالا يعنيك)([19]).

          إن تشخيص هذه النقائص في النساء إلاّ من عصم الله تعالى يُراد منه قطع الخطوة الأولى في طريق التكامل، فلا ينبغي أن يُقابل بالاحتجاجات والاعتراضات ودعاوى امتهان المرأة وظلمها واحتقارها، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (أحبّ إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي)([20]).

          وما من شريحة في الأمة إلاّ وقد ورد فيها كلمات التحذير والتهديد، خُذ مثلاً العلماء الذين فضّلهم الله تعالى على سائر الناس حتى الشهداء وانظر ماذا ورد في ذم المُستأكل بعلمه، والذي يطلب الدنيا به، أو يماري به السفهاء، أو العالم غير العامل بعلمه وهكذا، فهذا لا يوجب تحسساً وشعوراً بالإذلال إن خوطبوا بذلك، لأنه تحذير وموعظة.

          بل حتى الأنبياء الذين هُم أشرف الخلق وأكرمهم خوطبوا بهذه اللغة قال تعالى مخاطباً نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): [وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ] (الزمر:65) وقال تعالى [وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ] (الأحزاب:37).

          فالموقف الصحيح من هذه البيانات والتوجيهات وعيها واستيعابها والاستفادة منها لتكون المرأة من الاستثناء لا الحالة العامة.

          أعاننا الله تعالى وإياكم على طاعته وبلّغنا رضاه إنه ولي النعم.



([1]) حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) في الملتقى العام لإدارات وتدريسيات فروع جامعة الزهراء (عليها السلام) للعلوم الدينية في النجف الأشرف ومختلف المحافظات، الذي عُقد في النجف الأشرف يوم الأربعاء 22رجب 1433 المصادف 13/6/2012.

([2]) مجمع البيان: 8/560.

([3]) الدر المنثور: 2/518.

([4]) راجع كلمتنا في ذكرى وفاة العقيلة زينب (عليها السلام).

([5]) نهج البلاغة، خطبة 156 خاطب بها أهل البصرة.

([6]) فروع الكافي: 5/515، الدرجات.

([7]) البحار: 103/ 227 عن بصائر الدرجات.

([8]) غرر الحكم: 547.

([9]) نهج البلاغة، قصار الكلمات، رقم 238.

([10]) نهج البلاغة، قصار الكلمات، رقم405.

([11]) بحار الأنوار: 103/ 253 عن كنز الكراجكي.

([12]) راجع أحاديثنا عن هاتين المرأتين الجليلتين.

([13]) مجمع البيان: 10/ 320.

([14]) غرر الحكم: 574.

([15]) نهج البلاغة: خطبة 153.

([16]) غرر الحكم: 464، 467.

([17]) غرر الحكم: 100.

([18]) نهج البلاغة، خطبة 80.

([19]) هذه الأحاديث في منتخب ميزان الحكمة 552 رقم الموضوع 348.

([20]) تحف العقول: 366.