أحكام الوصية
أحكام الوصية
(مسألة 540): الوصية على قسمين:
أ ـ الوصية التمليكية وهي ان يجعل الإنسان شيئاً مما له من مال أو حق لغيره بعد وفاته.
ب ـ الوصية العهدية وهي ان يعهد الإنسان بتولي شخص بعد وفاته أمراً يتعلق به أو بغيره كدفنه في مكان معين أو تمليك شيء من ماله لأحد أو القيمومة على صغاره ونحو ذلك.
(مسألة 541): يعتبــر في الموصــي البـلوغ والعقــل والرشد والاختيار، فلا تصح وصية المجنون والمكره، ولا وصيــة السفيــه في أموالــه وتصــح في غيرهــا كتجهيزه ونحوه مما لا تعلق له بمال، وكذا لا تصح وصية الصبي إلا إذا بلغ عشر سنين فانه تصح وصيته في المبــرات والخيــرات العامــة كمــا تصــح وصيتــه لأرحامه وأقربائه، وأما الغرباء ففي نفوذ وصيته لهم اشكال، كما يشكل نفوذ وصية البالغ سبع سنين في الشيء اليسير، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.
ويعتبر في الموصي أيضاً أن لا يكون قاتل نفسه متعمداً على وجه العصيان، فإذا أوصى بعد ما احدث في نفسه ما يجعله عرضة للموت من جرح أو تناول سم أو نحو ذلك لم تصح وصيته في ماله وتصح في غيره من تجهيز ونحوه مما لا تعلق له بالمال، وكذا تصح فيما إذا فعل ذلك خطأ أو سهواً أو على غير وجه العصيان مثل الجهاد في سبيل الله أو مع ظن السلامة فاتفق موته به، وكذا إذا عوفي ثم أوصى، أو أوصى بعد ما فعل السبب ثم عوفي ثم مات، أو أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثم احدث فيها وان كان قبل الوصية بانياً على أن يحدث ذلك بعدها.
(مسألة 542): لا يعتبر في صحة الوصية التلفظ بها أو كتابتها، بل يكفي كل ما يدل عليها حتى الإشارة المفهمة للمراد وإن كان الشخص قادراً على النطق، ويكفي في ثبوت الوصية وجود مكتوب للميت يعلم من قرائن الأحوال أنه أراد العمل به بعد موته، وأما إذا علم أنه كتبه ليوصي على طبقه بعد ذلك فلا يلزم العمل به.
(مسألة 543): إذا ظهرت للإنسان علامات الموت وجب عليه أمور:
(منها) ردّ الأمانات إلى أصحابها أو من ينوب عنهم او إعلامهم بذلك او الايصال على نحو يطمئن بوصوله اليهم.
و(منها) الاستيثاق من وصول ديونه إلى أصحابها بعد مماته، ولو بالوصية بها والاستشهاد عليها، هذا في ديونه التي لم يحل اجلها بعد أو حلّ ولم يطالبه بها الديان أو لم يكن قادراً على وفائها وإلاّ فتجب المبادرة إلى أدائها فوراً وإن لم يخف الموت.
و(منها) الوصية بأداء ما عليه من الحقوق الشرعية كالخمس والزكاة والمظالم إذا كان له مال ولم يكن متمكناً من أدائها فعلاً أو لم يكن له مال واحتمل ـ احتمالاً معتداً به ـ أن يؤدي ما عليه بعض المؤمنين تبرعاً واحساناً، وأما إذا كان له مال وكان متمكناً من الأداء وجب عليه ذلك فوراً من غير تقيد بظهور إمارات الموت.
و(منها): الاستيثاق من اداء ما عليه من الصلاة والصوم والكفارات ونحوها بعد وفاته ولو بالوصية به إذا كان له مال، بل إذا لم يكن له مال واحتمل ـ احتمالاً معتداً به ـ أن يقضيها شخص آخر عنه تبرعاً وجبت عليه الوصية به أيضاً، وربما يغني الاخبار عن الايصاء كما لو كان له من يطمئن بقضائه لما فات عنه ـ كالولد الأكبر ـ فيكفي حينئذٍ اخباره بفوائته.
و(منها): اعلام الورثة بما له من مال عند غيره أو في ذمته أو في محل خفي لا علم لهم به إذا عد تركه تضييعاً لحقهم، ولا يجب على الأب نصب القيم على الصغار إلاّ إذا كان إهمال ذلك موجباً لضياعهم أو ضياع أموالهم فإنه يجب على الأب والحالة هذه جعل القيم عليهم، ويلزم أن يكون أميناً.
(مسألة 544): الحج الواجب على الميت بالاستطاعة والحقوق المالية ـ وهي الأموال التي اشتغلت بها ذمته كالديون والزكاة والمظالم ـ تخرج من أصل المال سواء أوصى بها الميت أم لا، نعم إذا أوصى بإخراجها من ثلثه تخرج من الثلث كما سيأتي.
(مسألة 545): إذا زاد شيء من مال الميت ـ بعد أداء الحج وإخراج الحقوق المالية ان وجب ـ فان كان قد أوصى بإخراج الثلث أو الأقل منه فلا بد من العمل بوصيته، وإلا كان تمام الزائد للورثة ولا يجب عليهم صرف شيء منه عليه حتى في ابراء ذمته مما تعلق بها من الواجبات المتوقفة على صرف المال كالكفارات والنذورات المالية والصلاة والصيام استيجاراً.
(مسألة 546): لا تنفذ الوصية بغير حجة الإسلام والحقوق المالية فيما يزيد على ثلث التركة، فمن أوصى بنصف ماله مثلاً لزيد أو للصرف في الاستيجار للصلاة والصيام عنه توقف نفوذها في الزائد على الثلث على امضاء الورثة، فان امضوا في حياة الموصي أو بعد موته ولو بمدة صحت الوصية، وإلا بطلت في المقدار الزائد، ولو امضاها بعضهم دون بعض نفذت في حصة المجيز خاصة.
(مسألة 547): إذا أوصى بأداء الخمس والزكاة وغيرهما من الديون، وباستئجار من يقضي فوائته من الصلاة، والصيــام، وبالصــرف في الأمــور المستحبة كإطعام المساكين كل ذلك من ثلث ماله، وجب أداء الديون أولاً، فان بقي شيء صرف في أجرة الصوم والصلاة، فان زاد صرف الزائد في المصارف المستحبة، فإذا كان ثلثه بمقدار دينه فقط ولم يجز الوارث وصيته في الزائد على الثلث بطلت الوصية في غير الدين.
(مسألة 548): إذا أوصى بأداء ديونه وبالاستئجار للصوم والصلاة عنه وبالإتيان بالأمور المستحبة ولم يذكر اخراج ذلك من ثلث ماله وجب أداء ديونه من أصل المال، فان بقي منه شيء صرف الثلث في الاستئجار للصلاة والصوم والإتيان بالأمور المستحبة إذا وفى الثلث بذلك، وإلا فان أجاز الورثة الوصية في المقدار الزائد وجب العمل بها، وان لم يجزها الورثة وجب الاستئجار للصلاة وللصيام من الثلث، فان بقي منه شيء يصرف في المستحبات.
(مسألة 549): إذا أوصى بوصايا متعددة وكلها من الواجبات التي لا تخرج من الأصل أو كلها من التبرعات والخيرات فان زادت على الثلث ولم يجز الورثة جميعها ورد النقص على الجميع بالنسبة ما لم تكن قرينة حالية أو مقالية على تقديم بعضها على البعض عند التزاحم.
(مسألة 550): إذا أوصى بإخراج ثلثه ولم يعين له مصرفاً خاصاً عمل الوصي وفق ما تقتضيه مصلحة الميت، كأداء ما علُقَ بذمته من الواجبات مقدماً على المستحبات، بل يلزمه مراعاة ما هو اصلح له مع تيسر فعله على النحو المتعارف، ويختلف ذلك باختلاف الأموات، فربما يكون الأصلح أداء العبادات الاحتياطية عنه وربما يكون الأصلح فعل القربات والصدقات.
(مسألة 551): إذا أوصى بإخراج ثلثه، فان نصّ على إرادة ابقاء عينه وصرف منافعه أو وجدت قرينة حالية أو مقالية على ذلك تعيّن العمل بموجبه، والا وجب إخراج الثلث عيناً أو قيمة وصرفه في موارده من غير تأخير في ذلك وان توقف على بيع التركة، نعم إذا وجدت قرينة على عدم إرادة الموصي التعجيل في الإخراج جاز التأخير فيه بمقدار ما تقتضيه القرينة، مثلاً لو أوصى بإخراج ثلثه مع الالتفات إلى أن الإسراع فيه يتوقف على بيع الدار السكنية لورثته المؤدي إلى تشردّهم ـ وهو ما لا يرضى به يقيناً ـ كان ذلك قرنية على اذنه في التأخير إلى الزمان الذي يتمكن فيه الورثة أو وليهّم من تحصيل مسكن لهم ولو بالإيجار.
(مسألة 552): إذا أوصى من لا وارث له الا الإمام (ع) بجميع ماله للمسلمين والمساكين وابن السبيل لم تنفذ الا بمقدار الثلث منه كما هو الحال فيما إذا أوصى بجميعه في غير الأمور المذكورة وسبيل الباقي سبيل سهم الإمام (ع) من الخمس.
(مسألة 553): إذا أوصى بوصيةٍ تمليكية أو عهدية ثم رجع عنها بطلت، فلو أوصى لزيد مثلاً بثلث ماله ثم عدل عن وصيته بطلت الوصية، وإذا أوصى إلى شخص معين ليكون قيّماً على صغاره ثم أوصى إلى غيره بذلك بطلت الوصية الأولى وتصح الثانية.
(مسألة 554): يكفي في الرجوع عن الوصية كل ما يدل عليه، فلو أوصى بداره لزيد مثلاً ثم باعها بطلت الوصية، وكذا إذا وكلّ غيره في بيعها مع التفاته إلى وصيته.
(مسألة 555): إذا أوصى بثلثه لزيد ثم أوصى بنصف ثلثه لعمرو كان الثلث بينهما بالسوية، ولو أوصى بعين شخصية لزيد ثم أوصى بنصفها لعمرو كانت الثانية مبطلة للأولى بمقدار النصف.
(مسألة 556): إذا وهب بعض أمواله في مرض موته واقبضه وأوصى ببعضها الآخر ثم مات، فان وفى الثلث بهما أو امضاهما الورثة صحّا جميعاً، وإلاّ يحسب المال الموهوب من الثلث فان بقي شيء حسب منه المال الموصى به.
(مسألة 557): إذا اعترف في مرض الموت بدين عليه فان لم يكن متّهماً في اعترافه يخرج المقدار المعترف به من أصل التركة، ومع الاتهام يخرج من الثلث، والمقصود بالاتّهام وجود امارات يُظن معها بكذبه، كأن يكون بينه وبين الورثة معاداة يظن معها بأنه يريد بذلك اضرارهم، أو كان له محبة شديدة مع المقرّ له يظن معها بأنه يريد بذلك نفعه.
(مسألة 558): إذا اوصى لشخص بمال فقبل الموصى له الوصية ملك المال بعد موت الموصي وان كان قبوله في حياته، ولا يكفي مجرد عدم رفضه للوصية في دخول المال في ملكه بوفاة الموصي إلا إذا كان عدم الرد معبّراً عن القبول.
(مسألة 559): إذا قبل الموصى له الوصية ومات في حياة الموصي أو بعد موته قامت ورثته مقامه فاذا قبلوا الوصية ملكوا المال الموصى به إذا لم يرجع الموصي عن وصيته.
(مسألة 560): لا يعتبــر في الوصيــة العهديــة وجــود الموصى له في حال الوصية أو عند موت الموصي، فلو اوصى باعطاء شيء من ماله الى من سيوجد بعد موته ـ كولد ولده ـ فان وُجد أُعطي له والا كان ميراثاً لورثة الموصي، نعم إذا فهم منه ارادة صرفه في مورد آخر اذا لم يوجد الموصى له صرف في ذلك المورد ولم يكن ارثاً.
وأما الوصية التمليكية فلا تصح للمعدوم إلى زمان موت الموصي، فلو اوصى بشيء من ماله لما تحمله زوجة ابنه بعد وفاته لم تصح، وتصح للحمل حين وجود الوصية فان ولد حياً ملك المال بقبول وليه وإلا بطلت ورجع إلى ورثة الموصي.
(مسألة 561): إذا عيّن الموصي شخصاً لتنفيذ وصيته تعيّن ويسمــى (الوصــي)، ويعتبــر ان يكــون عاقــلاً ويطمـأن بتنفيــذه للوصيــة إذا تضمّنـت اداء الحقــوق الواجبة عن الموصي بل مطلقاً على الاحوط لزوماً، والمشهور بين الفقهاء (رضي الله عنهم) انه لا تصح الوصاية إلى الصبي منفرداً وان كان كذلك، إذا اراد منه التصرف في حال صباه مستقلاً، وإن كان الأحوط مراجعة الحاكم الشرعي في التصرف، واما إذا اراد ان يكون تصرفه بعد البلوغ أو مع اذن الوليّ فلا بأس بذلك.
وإذا كان الموصي مسلماً اعتبر ان يكون الوصي مسلماً ايضاً على الاحوط لزوماً.
(مسألة 562): يجوز للموصي ان يوصي إلى اثنين أو أكثر، وفي حالة تعدد الاوصياء ان نصّ الموصي على أنّ لكل منهم صلاحية التصرف بصورة مستقلة عن الاخرين أو على عدم السماح لهم بالتصرف الا مجتمعين اخذ بنصّه، وكذا إذا كان ظاهر كلامه احد الامرين ولو لقرينة حالية أو مقالية، وإلا فلا يجوز لايّ منهم الاستقلال بالتصرف ولا بدّ من اجتماعهم.
وإذا تشاح الوصيان بشرط الانضمام ولم يجتمعا بحيث كان يؤدي ذلك إلى تعطيل العمل بالوصية فان لم يكن السبب فيه وجود مانع شرعي لدى كل واحد منهما عن اتباع نظر الاخر اجبرهما الحاكم الشرعي على الاجتماع، وان تعذر ذلك او كان السبب فيه وجود المانع عنه لدى كليهما عالج الحاكم الشرعي الأمر بنحو أو آخر كضمّ الحاكم إلى احدهما شخصاً آخر حسب ما يراه من المصلحة وينفذ تصرفهما.
(مسألة 563): لا يجب على من يعينه الموصي لتنفيذ وصيته قبول الوصاية بل له ان يردها في حياة الموصي بشرط ان يبلغه الرد، بل الاحوط لزوماً اعتبار تمكنه من الايصاء إلى شخص آخر ايضاً، فلو كان الردّ بعد موت الموصي أو قبل موته ولكن لم يبلغه حتى مات فلا أثر له وتكون الوصاية لازمة، وكذلك إذا بلغه الردّ ولم يتمكن من الايصاء إلى غيرهَ لشدّة المرض مثلاً على الاحوط وجوباً، نعم إذا كان العمل بالوصية حرجياً على الموصى اليه جاز له ردّها.
(مسألة 564): ليس للوصي ان يفوض امر الوصية إلى غيره بمعنى ان يعزل نفسه عن الوصاية ويجعلها له، كما ليس له ان يجعل وصياً لتنفيذها بعد موته إلا إذا كان مأذوناً من قبل الموصي في الايصاء، نعم له ان يوكّل من يثق به في القيام بما يتعلق بالوصية ما لم يكن مقصود الموصي مباشرة الوصي له بشخصه.
(مسألة 565): إذا اوصى إلى اثنين مجتمعين ومات احدهما أو طرأ عليه جنون أو غيره مما يوجب إرتفاع وصايته أقام الحاكم الشرعي شخصاً آخر مكانه، واذا ماتا معاً نصب الحاكم اثنين ويكفي نصب شخص واحد ايضاً إذا كان كافياً بالقيام بشؤون الوصية.
(مسألة 566): إذا عجز الوصي عن انجاز الوصية ـ لكبر السنّ ونحوه ـ حتى على سبيل التوكيل او الاستيجار ضمّ اليه الحاكم الشرعي من يساعده في ذلك.
(مسألة 567): لا بأس بالايصاء إلى عدة اشخاص على الترتيب، كأن يقول (زيد وصيي فأن مات فعمرو وصيي)، فوصاية عمرو تتوقف عندئذٍ على موت زيد.
(مسألة 568): الوصي امين، فلا يضمن مايتلف في يده الا مع التعدي او التفريط، مثلا: إذا اوصى الميت بصرف ثلثه على فقراء بلده فنقله الوصي إلى بلد آخر وتلف المال في الطريق ضمنه لتفريطه بمخالفة الوصية.
(مسألة 569): تثبت دعوى مدعي الوصية له بمال بشهادة مسلمين عدلين، وبشهادة مسلم عادل مع يمين المدعي، وبشهادة مسلم عادل مع مسلمتين عادلتين، وبشهادة اربع مسلمات عادلات، ويثبت ربع الوصية بشهادة مسلمة عادلة ونصفها بشهادة مسلمتين عادلتين وثلاثة ارباعها بشهادة ثلاث مسلمات عادلات كما تثبت الدعوى الانفة الذكر بشهادة رجلين ذميين عدلين في دينهما عند الضرورة وعدم تيسّر عدول المسلمين.
واما دعوى القيمومة على الصغار من قبل ابيهم او جدهم او الوصاية على صرف مال الميت فلا تثبت الا بشهادة عدلين من الرجال ولا تقبل فيها شهادة النساء منفردات ولا منضمات إلى الرجال.