خطاب المرحلة (298)...بركة الإقامة عند أمير المؤمنين (ع) في العشر الأواخر من شهر رمضان

| |عدد القراءات : 2842
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

بركة الإقامة عند أمير المؤمنين (ع) في العشر الأواخر من شهر رمضان([1])

          يُشبِه الأخلاقيون اثر مصاحبة الصالحين في تهذيب الأخلاق و السير نحو الكمال بالنبات المتسلق الذي إذا تُرك وحده فانه ينمو ولكن قريباً إلى الأرض لا يستطيع أن يقف قائماً ويرتفع نحو الأعلى، ولكنه إذا أُسند إلى الحائط أو أي قائم ثابت  فانه يتسلق نحو الأعلى ويرتفع، هذا مثال لتأثر مريد الكمال بالأجواء الإيمانية إذا آوى إليها وكان قريباً من أهلها وان لم يسمع منهم كلمة، كما أن مطالعة سير الصالحين تؤثر في روحية الإنسان وتدله على طريق الكمال،وان لم يسمع ولم يلتقِ بصاحب الكلام في الكتاب لكنه يلتقيه روحياً من خلال هذه الكلمات فكأنما يعيش معه.

          فمن نعم الله تعالى عليكم إقامتكم إلى جوار أمير المؤمنين الذي لم تنقطع رعايته لمجاوريه ولشيعته بعد استشهاده كما ورد عن النبي (ص) في تفسير قوله تعالى: [وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة:105) وعلي (ع) هو أمير المؤمنين فهو مطلع على أعمال العباد ويدعو الله تعالى بالزيادة والقبول لحسناتهم بالمغفرة والصفح لسيئاتهم، وإن القلوب لتتلقى بحسب استعدادها من فيوضاته المباركة وهو (ع) باب مدينة علم رسول الله (ص).

          وبذلك فقد اخترتم المكان الأفضل و الزمان الأفضل وهي العشر الأواخر من شهر رمضان، وانتم بهذا العمر المفعم بالحيوية والنقاء والقرب من الفطرة والنشاط في العمل فكثير منكم لم يبلغ العشرين أو تجاوزها بقليل، وإذا عدنا إلى مثال النبات المتسلق، فإن إسناد هذا النبات إلى ما يُقوِّم نموه ويرفعه نحو الأعلى في أول تكوينه يكون أكثر إعطاء للنتائج المرجوة، مما لو حصل بعد أن نمى وكبر متشبثاً بالأرض وكثرت التواءاته وعقده.

          ولا شك أنكم أحسستم وجداناً بركات هذه المجاورة لأمير المؤمنين (ع) وللعلماء والحوزة العلمية، وليس حالكم خلال هذه الأيام كحالكم قبل شهر رمضان وقبل قدومكم، ولكن عليكم أيها الأحبة أن تديموا هذا الآثار المباركة، ولا تجعلوها مرهونة بهذا الزمان وهذا المكان الشريفين، وانتم تعلمون أن قيمة الأعمال هي بمقدار آثارها المعنوية، فالصوم لا تُنال حقيقته بالامتناع عن المفطرات الظاهرية المدونة في كتب الفقه كالأكل و الشرب وان كان هذا المقدار مبرئاً للذمة، وإنما بكف النفس والجسد عّما حرّم الله تعالى وتفريغهما لطاعة الله تبارك وتعالى وإذا انضم إليهما القلب كان الحال أكمل بفضل الله تبارك وتعالى.

          فإذا استطعنا التقدم في شهر رمضان في هذا المجال فلنحافظ عليه حتى ما بعد شهر رمضان لأنها أمور مطلوبة على الدوام، وما شهر رمضان إلا باب من أبواب اللطف الإلهي لإعانة الإنسان وإعطائه دفعة كبيرة إلى الإمام، ولطف الله تعالى مبذول على الدوام وأبوابه مفتوحة، وإذا أغلقت باب شهر رمضان بانتهائه فتح الله تبارك وتعالى بكرمه ورحمته أبواب أخرى قد تكون أوسع، وإذا رفعت موائد شهر رمضان وليلة القدر و العشر الأواخر، وحصل كلُ واحد من الناس على مقدار ما يسره الله تعالى له، فإن موائد رب شهر رمضان الكريم مستمرة، وقد يتاح للعبد الحصول منها على أفضل مما حصل عليه غيره في شهر رمضان.

          ولتقريب الفكرة نقول: عندما يدعو عالم عامل مخلص ناساً إلى مأدبة طعام، فإن من المدعوين من يتشرف بالتناول من مائدته ويخرج، ومنهم – وهم الخاصة – من ينتظر ما هو أفضل مما بذل على مائدة الطعام فيبقى بعد انفضاض عامة الناس ليتزود من الغذاء المعنوي ولذة مجالسة هذا العالم والأنس بلقائه والأخذ منه.

          أليس غفران الذنوب من أعظم ما يطلبه المؤمنون في ليلة القدر كما نطقت به الأدعية الشريفة، فإن عندك على طول السنة سبباً للمغفرة بل أرقى من ذلك فانه سبب لتبديل تلك السيئات إلى حسنات: وهي الصلوات اليومية المفروضة في أوقاتها خصوصاً إذا صُليت جماعة في المساجد قال تعالى [وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ] (هود:114)، ورد في تفسيرها عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال (سمعت حبيبي رسول الله (ص) يقول: أرجا آية في كتاب الله – ثم ذكر الآية وقال – يا علي والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إن أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتتساقط من جوارحه الذنوب فإذا استقبل الله بقلبه ووجهه لم ينفتل وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه، فإن أصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عَدَ الصلوات الخمس.

          ثم قال: يا علي إنما مثل الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب احدهم فما يظّنُ احدهم إذا كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي )([2]).

          وهكذا نُديم الآثار المباركة الأخرى، فمن استطاع أن يتجنب الغيبة شهر كاملاً احتراماً لصومه ولشهر رمضان وطلباً لرضا الله تعالى، فليأخذ شحنة إيمانية لبقية أيامه فيتجنب الغيبة دائماً،  والنظر إلى ما لا يحل، وسماع ما حرمه الله تعالى، وسوء الأخلاق وسائر الأمور المذمومة الأخرى، وليستمر على ما وُفَق له في هذا الشهر كصلاة الليل وتلاوة القرآن ومساعدة الناس وزيارة الأئمة المعصومين (ع).



([1]) من حديث سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) يوم السبت 26-رمضان- 1432هـ الموافق 27-8-2011 مع الشباب الذي استضافتهم الحوزة العلمية في النجف الأشرف عشرة أيام ووضعت له برامج عبادية وأخلاقية ولقاءات مع المراجع و العلماء.

([2]) تفسير الصافي: 4/84.