من سُنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
من سُنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
حثّنا الله تبارك وتعالى على الأخذ بسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) (الأحزاب/21) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال (إني لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت خلة من خلال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأت بها)[1].
وجعل الإمام (عليه السلام) سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته ميزاناً يعرف بها الإنسان درجة صلاحه، فقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ الله خصّ رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكارم الأخلاق فامتحنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم فاحمدوا وارغبوا إليه في الزيادة منها).[2]
وهذا يدعونا إلى البحث والتحري عن سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نتمكن من التأسي بها، ونحن لا نتوقع التمكن من الإتيان بها جميعاً، لكن علينا أن نسعى إلى تحقيق أكبر مقدار نستطيعه ونحافظ عليه وعندئذٍ يوفّقنا الله تعالى لا زيد من ذلك فنلتزم به ونحافظ عليه فنوفّق للمزيد وهكذا بالتدريج.
وسنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومكارم أخلاقه تفوق حد الحصر، وما بين أيدينا هو ما نقل لنا منه عبر الروايات أما مقاماته وخصاله وملكاته فلا يعرفها إلا الله تبارك وتعالى.
ونحاول في هذه العجالة أن نقف عند بعض هذه السنن وأول مصدر لسننه (صلى الله عليه وآله وسلم) وآدابه التي أدّبه بها ربّه هو القرآن الكريم، وقد سجّل لنا جملة منها كقوله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159
وقوله {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }الأعراف199
وقوله {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }النمل91
وقوله {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ }الروم60
وقوله {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً }الكهف23
وقوله {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }الإسراء79
وقوله وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت/45).
ومن الروايات الجامعة لمكارم أخلاقه (صلى الله عليه وآله) وسننه: وصيته لأمير المؤمنين (عليه السلام) التي رويت في الكتب المعتبرة عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : يا علي اوصيك في نفسك بخصال فاحفظها ثم قال : اللهم اعنه ، اما الاولى فالصدق لا يخرجن من فيك كذبة ابدا ، والثانية الورع لا تجترأنّ على خيانة ابدا ، والثالثة الخوف من الله كأنك تراه ، والرابعة كثرة البكاء من خشية الله عزّ وجلّ يبني لك بكل دمعة بيت في الجنة ، والخامسة بذل مالك ودمك دون دينك ، والسادسة الاخذ بسنتي في صلاتي وصيامي وصدقتي ، اما الصلاة فالخمسون ركعة ، واما الصوم فثلاثة ايام في كل شهر خميس في اوله ، وأربعاء في وسطه ، وخميس في آخره ، واما الصدقة فجهدك حتى يقال : اسرفت ولم تسرف ، وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل ، وعليك بصلاة الزوال ، وعليك بقراءة القرآن على كل حال ، وعليك برفع يديك في الصلاة ، وتقليبهما ، عليك بالسواك عند كل صلاة ، عليك بمحاسن الاخلاق فاركبها ، عليك بمساوئ الاخلاق فاجتنبها ، فإن لم تفعل فلا تلومن الا نفسك)[3].
وقد تضمنت هذه الوصية عدّة محاور من سنته الشريفة منها على صعيد الصفات القلبية -كالورع والخوف من الله تعالى- ومنها على صعيد الخصال النفسية – كالصدق- ومنها على صعيد الأعمال الخارجية كالصوم والصلاة والصدقة.
ويعلمنا النبي (صلى الله عليه وآله) أن العمل بهذه السنن والأخذ بها لا يتحقق إلاّ بألطافٍ إلهية خاصة، لذلك فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو لأمير المؤمنين (عليه السلام) (اللهمّ أعنه).
وقد علمنا الأئمة المعصومون (عليهم السلام) أن ندعو نحن أيضاً بهذا الدعاء كالذي ورد في الدعاء اليومي لشهر شعبان (اللهم فأعنّا على الاستنان بسنته (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه).
كان (صلى الله عليه وآله) يجتهد في العبادة فقيل له (يا رسول الله غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخّر وأنت تجهد هذا الاجتهاد؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أفلا أكون عبداً شكورا)[4]، وصفة العبودية لله تعالى وحده والتحرّر من طاعة غيره هي مصدر كل الكمالات الأخرى لذلك اختارها الله لتكون الصفة التي يسلّم عليه بها يومياً في صلواتنا (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
وأذكر لكم عملاً عبادياً بسيطاً لو واظبتم عليه تكونون ممن أخذ بسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجدّه إبراهيم الخليل (عليه السلام) حيث أمرنا بالتأسي به أيضاً قال تعالى (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) (الممتحنة/4) وهي صلاة ركعتين يوم الجمعة بين الظهر والعصر، تقرأ في كلٍ منهما بالحمد مرة والتوحيد سبع مرات فإذا فرغت منها تقول (اللهمّ اجعلني من أهل الجنة التي حشوها البركة وعمّارها الملائكة مع نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأبينا إبراهيم عليه السلام)، روي عن الأئمة (عليهم السلام): أنّ من صلاّها لم تضره بليّة ولم تصبه فتنة إلى الجمعة الأخرى، وجمع الله بينه وبين محمدٍ وبين إبراهيم (عليهما السلام).[5]
ومن سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي أكّد عليها وذمّ تركها الزواج وحبذا أن يكون مبكّراً روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (تزوّجوا فإنّ التزويج سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّه كان يقول: من كان يحبّ أن يتّبع سنتي فإنّ من سنّتي التزويج، واطلبوا الولد فإنّي مكاثر بكم الأمم).[6]
ومن سننه (صلى الله عليه وآله وسلم) منع نقل أي كلام عن الآخرين يؤدي إلى إيجاد حزازة في الصدر على الإخوان لذلك روى عن ابن مسعود عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال (لا يبلغني أحدٌ منكم عن أصحابي شيئا فإنّي أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر).[7]
وكانت أبغض خصلة له (صلى الله عليه وآله وسلم) الكذب فقد رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة قولها (كان أبغض الخلق إليه الكذب) وقالت: (كانت (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا اطّلع على أحدٍ من أهل بيته كذبَ كذبةً لم يزل معرضاً عنه حتى يحدث توبة).[8]
وكان يحبّ صفة الرحمة للناس والشفقة عليهم والعفو عن إساءاتهم وقضاء حوائجهم. قال تعالى (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة/128).
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول (أيّها الناس إنّما أنا رحمة مهداة).[9]
وسُئلَ الإمام الصادق (عليه السلام) (بِمَ ساد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الخَلق، فأجابَ بما مضمونه: بخصلتين العفو عمن ظلمه وأنّه لا يرد سائلاً.
تصوروا لو أنّ هذه الصفات (الصدق، الرحمة، العفو إلى المسيء، العمل على تحقيق مصالح الناس وإسعادهم) توفّرت في قادة البلاد هل تصل الحال إلى ما نحنُ عليه الآن من التمزّق والتناحر والصراع الطائفي والعرقي والفساد والعبث بأموال الشعب، فإذا أردنا الحل فإنّه يبدأ من الالتفات إلى هذه المبادئ السامية والأخلاق الكريمة حتى تتحوّل إلى خلق ثقافة عامة مبنيّة عليها، والعمل الجاد لترسيخها والله تعالى وليّ التوفيق.
ومن سُننه (صلى الله عليه وآله) ما روته السيدة الزهراء (صلوات الله عليها) قالت: (دخل عليَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد افترشتُ فِراشي للنوم، فقالَ لي يا فاطمة: لا تَنامي إلاّ وقد عملتِ أربعة: ختمتِ القرآن، وجعلتِ الأنبياء شُفعائكِ، وأرضيتِ المؤمنين عن نفسكِ، وحججتِ واعتمرتِ، قال هذا وأخذَ في الصلاة، فصبرتُ حتّى أتمّ صلاته، قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أمرتَ بأربعة لا أقدر عليها في هذا الحال، فتبسّم (صلى الله عليه وآله)، وقال: إذا قرأتِ (قُل هو الله أحد) ثلاث مرات فكأنكِ ختمتِ القرآن، وإذا صلّيتِ عليَّ وعلى الأنبياء قبلي كُنّا شُفعائكِ يوم القيامة، وإذا استغفرتِ للمؤمنين رضوا كلّهم عنكِ، وإذا قُلتِ: سُبحانَ الله، والحمدُ لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر فقد حججتِ واعتمرتِ).
ومن مستحبات ما قبل النوم تسبيح الزهراء (عليها السلام) والنوم على طهور وقراءة سورة التكاثر للوقاية من فتنة القبر كما رويَ عنه (صلى الله عليه وآله).
([1]) بحار الأنوار: 16/254 عن مكارم الأخلاق للطبرسي: 39.
([2]) وسائل الشيعة كتاب جهاد النفس أبواب جهاد النفس باب4 ح1.
([3]) وسائل الشيعة كتاب الجهاد أبواب جهاد النفس، باب 4 ح1.
([4]) المصدر، ح2.
([5]) مفاتيح الجنان: 90 أعمال يوم الجمعة فقرة 26.
([6]) وسائل الشيعة، كتاب النكاح، أبواب مقدماته، باب1 ح6.
([7]) بحار الأنوار: 16/ 231 عن مكارم الأخلاق: 17.
([8]) ميزان الحكمة: 8/ 571 عن كنز العمال: ح18379 و 18381.
([9]) ميزان الحكمة: 8/542 عن الطبقات الكبرى: 1/ 192.