خطاب المرحلة (286)...البحرين اللؤلؤة أمانة في أعناق الجمي
بسم الله الرحمن الرحيم
البحرين اللؤلؤة أمانة في أعناق الجميع([1])
نتابع بِألم وقلق بالغين الأحداث الجارية في البحرين الشقيقة، خصوصاً في الأيام الأخيرة، وما نجم عنها من قتل وجرح وترويع وتخريب للممتلكات العامة والخاصة، وتوقفٍ للعمل في القطاعات الحيوية في البلاد.
إن عدم تغليب الحكمة وصوت العقل في إدارة الأزمة المتفجّرة منذ أكثر من شهر يهدّد بانزلاق الشعب والبلد إلى هاوية لا يعلم قعرها إلا الله تبارك وتعالى، وكان من الممكن معالجة الاحتقان والعقد الاجتماعية والسياسية منذ عدة سنوات حينما اتفق البحرينيون حكومةً وشعباً على تشخيصها وطرق حلِّها.
إننا نعتقد أن هذه المشاكل والعقد لا تُحلّ بالعنف والحديد والنار، والتجارب التاريخية والآنية شاهدة على أن الشعوب الثائرة الحية خصوصاً مثل شعب البحرين، الذي له رصيده الحضاري والتاريخي والعقائدي، لا يمكن إسكاتها والقضاء عليها بهذا القمع والبطش.
كما لا تُحَلّ باستقدام قوات من دول أخرى مهما كان قربها وقوة الوشائج بها، والمثل العربي الحكيم يقول (ما حكَّ جلدك مثل ظفرك)، وقد رأينا كيف أن مسار الأحداث تعقد كثيراً وارتُكبت جرائم فظيعة - بعد تدخل تلك القوات- ويهدّد بتحويل المطالب الاجتماعية والسياسية المحقَّة إلى مواجهة طائفية تُهلك الحرث والنسل، وتخّرب ما عمّرته أجيال البحرين الشرفاء، كالذي حصل في العراق حينما أجّج الحرب الطائفية طفيليون على السياسة والحكم، أرادوا ركوب الموجة لتحقيق مآربهم، وهذا ما لا يريده أي بحريني غيور على شعبه وازدهار بلده.
إن رفع سقف المطالب من لدن بعض المحتجين خارج الإطار العام المتعارف عليه لدى الجميع، لا يبرّر ممارسات البطش والقسوة ضد الأبرياء العزّل والتي فضحتها وسائل الإعلام، وستدفع الكثيرين ممن لم يتحمسوا للتظاهر والاحتجاج سابقاً إلى التخندق في مواجهة السلطة، مما يقلل فرص الحل الحكيم ويجعلها معدومة، وفي ذلك خسارة للجميع.
ورغم ذلك كله، فإن الحل مازال ممكناً وفي متناول اليد، ويبدأ من الإرادة الجدية الصادقة لمعالجة المشاكل وفك العقد وتبديد المخاوف وهواجس القلق لدى الجميع، قال تعالى [إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا] (النساء:35)، فإرادة الإصلاح شرط لتحققه بلطف الله تعالى، ولو تطلّب الأمر بعض التنازل فلا ضير فيه، فإنه نُبلٌ وشرفٌ يشكره الله تعالى ورسوله (ص) ويحفظه التاريخ لان فيه حفظاً لمصلحة العباد والبلاد.
فإذا توفرت هذه الإرادة –وهي متحققة بإذنه تعالى- فبادروا إلى الحوار الشفاف الهادئ وتناولوا كل قضايا الخلاف من دون تجاوز المبادئ العامة التي اتفق عليها الشعب في مواثيقه.
ولتغادر كل القوات غير البحرينية لأن وجودها قاد الأمور نحو الهاوية، ويسبّب الامتعاض وعدم الثقة ويزيد من الاحتقان ويقطع طريق الحل.
إن حبّنا للبحرين الشقيقة وشعبها الأصيل يدفعنا إلى أن نشاطرهم الألم والقلق، ونَعرض مساعدة العراقيين مرجعيةً وحكومةً في تقريب وجهات النظر والوصول إلى حل، كما ندعو الأشقاء من دول الخليج أن يقوموا بنفس الدور، خصوصاً الذين لم يفقدوا ثقة الشعب البحريني بهم ليكونوا جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة.
نبلّغ تعازينا إلى ذوي الشهداء والضحايا الأبرياء ونسأل الله تعالى أن يتغمدهم برحمته ويعلي درجاتهم مع الصديقين والشهداء، وأن يمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء والسلامة، وأن لا يُضيع أجر من أحسن عملاً من ذكر وأنثى كما وعد تبارك وتعالى.
وليتذكر الجميع مسؤوليتهم أمام الله تبارك وتعالى ورسوله الكريم (ص) والتاريخ والإنسانية ولنهبَّ جميعا لنصرة البحرين وشعبها ومؤسساتها، ليعمّها الازدهار والسلم والأمان والتآخي. والله المستعان [وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ] (التوبة:105).
محمد اليعقوبي – النجف الأشرف
الخميس 11/ربيع الثاني/1432
الموافق 17/3/2011
([1]) كُتب البيان في أوج احتجاجات الشعب البحريني التي انطلقت يوم 14/2/2011، وبعد تدخل القوات السعودية تحت غطاء (درع الجزيرة) الذي أقرّه مجلس التعاون الخليجي، فحصل القتل والاعتقال العشوائي وتدمير المساجد ولم تستثنِ تلك الماكنة العسكرية الضخمة النساء والأطفال والجرحى في المستشفيات ومعالجيهم.
وقد وجّه سماحته بخروج المظاهرات في المدن العراقية نصرة لإخوانهم في البحرين، وأن يتناول خطباء الجمعة هذه القضية وشرح أبعادها، كما وجّه بعض المسؤولين في الحكومة والبرلمان لإجراء تحركات دبلوماسية، والتقى بعدد من القيادات الدينية والسياسية في البحرين واستمع لهم، وقدّم لهم جملة من الإرشادات الحكيمة.