خطاب المرحلة (282)... ويتخذّ منكم شهداء
بسم الله الرحمن الرحيم
ويتخذّ منكم شهداء([1])
قال الله تبارك وتعالى: [إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ] (آل عمران: 140).
فالشهادة لا تُنال بالتمني وإنما هو لطف من الله تبارك وتعالى يحظى به من اجتباه.
ولقد اختار الله تبارك وتعالى ثلة من عباده المؤمنين الموالين لأهل البيت النبوة (ع)، الذين قصدوا مرقد العسكريين (c) في سامراء رغم بُعد الشُقّة، ووجود المخاطر وقلة الناصر، لكنهم مضوا في طريقهم بعزيمة وإصرار ليبرزوا مودّتهم لآل رسول الله (ص) التي جعلها الله تعالى أجر الرسالة وليواسوا إمامهم الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بذكرى استشهاد أبيه الإمام الحسن العسكري (ع)، وليظهروا عزّة أهل البيت (ع) وشرفهم وكرامتهم.
فتقبّل الله تبارك وتعالى منهم هذه المودة وهذه النصرة وهذه المواساة واتخذهم شهداء وختم لهم بالسعادة وأدخلهم في زمرة الصالحين مع النبيين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
لقد انهدَّ باستشهاد فضيلة الشيخ زيد الزبيدي ومن معه ركن من أركان العمل الإسلامي والإنساني المبارك فقد كان عمله يفوق ما تقدمّه مؤسسة كاملة، يتوزع وقته بين كفالة الأيتام الذين بلغوا العشرات ورعاية العوائل الفقيرة والأرامل التي زادت عن هذا العدد، ومساعدة المحتاجين وتقديم الخدمات لزائري العتبات المقدسة لأئمة أهل البيت (ع) في النجف وكربلاء.
ومع ذلك فقد كان طالباً محصلاً للعلوم الدينية ومن المتفوقين الذين يجتازون امتحانات الإرشاد الديني لقوافل الحجيج حيث كان مثالاً يتأسى به للمرشد الذي ينذر نفسه لتعليم الحجاج وإرشادهم وتقديم كل الخدمات لهم ومساعدة الضعيف والعاجز والمرأة.
وفي خضّم ذلك كله لم ينسَ محافظته المنكوبة ديالى فكان ابناً باراً لأهلها المحرومين.
وكانت همته كبيرة في إنشاء الجوامع والحسينيات وإعمارها بصلاة الجماعة، فكان يحضر إلى الحسينية التي تصدى لبنائها في حي الرحمة في النجف الأشرف حتى في وقت الفجر ويقيم الجماعة ولو مع واحد آخر يحضر معه كما أخبرني أحد الفضلاء وبسبب ذلك كله وغيره مما علم الله تعالى فقد كثر محبّوه والمفجوعون بفقده لذا كان تشييع جثمانه والشهداء الذين قضوا معه حاشداً بمختلف الطبقات الدينية والاجتماعية.
وبذلك فقد ترك فقده فراغاً لا يُسدُّ إلا بلطف الله تبارك وتعالى الذي تكفّل بإعزاز دينه وإظهاره على الدين كله ولو كره الكافرون والمشركون، والتكفيريون المتحجرون الذين يساقون إلى خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
نعزي إمامنا المهدي (أرواحنا له الفداء) بفقد هذه الثلة الصالحة، ونقدّم التعازي لذوي الشهداء ونسأل الله تعالى أن يلهمهم الصبر، ويسلّيهم عن مصابهم بما أعدّ لهم من الأجر والدرجات الرفيعة، وأن يمنّ بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين. وأن يتلقى الشهداء بالمغفرة والرحمة وينزلهم الدرجات الرفيعة ويعرِّف بينهم وبين من أحبوهم ووالوهم أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.
محمد اليعقوبي
9/ ربيع الأول/1432هـ
(1) بيان صدر على اثر استشهاد حوالي (33) من زوار الإمامين العسكريين في تفجير انتحاري استهدفهم بعد إنهائهم الزيارة في مدينة سامراء يوم السبت 8/ربيع الأول/1432، المصادف 12/2/2011 وأصيب حوالي (30) ومن الشهداء الشهيد أياد الفرطوسي (من العاملين في مكتب سماحة الشيخ اليعقوبي) وأخوه وعدد من أبناء الشطرة في محافظة ذي قار.