المرأة تشارك الرجل في أهم قضايا الأمة فاطمة الزهراء (ع) نموذجاً
المرأة تشارك الرجل في أهم قضايا الأمة([1]) فاطمة الزهراء (ع) نموذجاً
بسم الله الرحمن الرحيم
قال المرحوم السيد صالح الحلي:
قد ورثت زينب من أمّها |
|
كلّ الذي جرى عليها وصارْ |
وزادت البنت على أمها |
|
من دارها تُهدى إلى شرّ دارْ |
وقال المرحوم السيد رضا الهندي:
بأبي التي ورثت مصائب أمها |
|
فغدت تقابلها بصبر أبيها |
لم تلهو عن جمع العيال وحفظهم |
|
بفراق إخوتها وفقد بنيها |
لم ترث العقيلة زينب (سلام الله عليها) سيدة البيت النبوي بعد أمها فاطمة (÷) سيدة نساء العالمين من أمها مصائب بالمعنى المتعارف بل ورثت مواقف خالدة يعجز أشجع الرجال وأشدهم صلابة عن تحملها.
كانت فاطمة سلوة أبيها (’) في محنته وسنده الذي يأوي إليه خلال عمر الرسالة: تُؤنسه وتزيل عنه الهموم وتخفّف عنه الآلام وهكذا كانت العقيلة زينب لأبيها أمير المؤمنين (×) بعد أمها فاطمة ولأخيها الحسين ولولده السجاد (b).
هُجّرت فاطمة قسراً من مكة مع أبيها (’) وأرغموها على مفارقة وطنها وأهلها، وهاجرت العقيلة زينب مع أخيها الحسين (×) من مدينة جدهم رسول الله (’) إلى مكة ثم إلى العراق بسبب ظلم يزيد وتعقبه للإمام بالقتل.
شاركت الزهراء (×) مع أبيها (’) في ميادين الجهاد تضمّد جراح أبيها وتمسح علق الدم عن ذي الفقار، سيف زوجها أمير المؤمنين (×) أُحد والأحزاب وكذا العقيلة زينب (÷) شهدت مع أخيها الحسين (×) كربلاء، وما أدراك ما كر بلاء وما تلاها.
وقفت الزهراء (÷) في مسجد أبيها (’) تدافع عن إمامها أمير المؤمنين (×) وتثبّت الحق لأهله، وترد على الافتراءات بالحجج الدامغة، لتصحيح المسيرة وتحمي الدين وأهله من الضلال والانحراف، ووقفت العقيلة زينب (÷) في الكوفة والشام وكل مراحل السبي وألقت الخطب الرصينة لتفضح المدّعين لخلافة المسلمين زوراً، الذي لا يتورعون عن ارتكاب أفظع الجرائم وانتهاك أعظم المقدسات ومنها قتل ريحانة رسول الله (’).
وصور المقارنة كثيرة، لكن الذي جرى على العقيلة في كل هذه المواقف أمضّ وأألم مما جرى على الزهراء (×)، فإن الزهراء (÷) لم تُسبَ من بلد إلى بلد لتُهدى إلى شر خلق الله تعالى، وكانت حرمتها محفوظة عندما خرجت إلى المسجد، ولم تحرق خيامها وتفرّ في البيداء، وغيرها من المصائب التي صارت أعظم غصة في قلوب أهل البيت (b) وأشدها إيلاماً.
إن موقف الزهراء (b) لم يكن يستطيع أحدٌ أن يؤديه حتى أمير المؤمنين (×) لأن خصومه سيقولون عنه أنه شاب مغامر يهوى السلطة والنفوذ على مشايخ قومه فيخلطون الأوراق وتضيع الحقيقة، لكن الزهراء (÷) كانت فوق أي تهمة أو إشكال، وما ثبت حق أمير المؤمنين وإمامته بعد رسول الله (’) لو لا تلك النهضة الفاطمية المباركة.
وهكذا العقيلة زينب فإن مبادئ الإمام الحسين (×) وأهداف حركته المباركة ما كانت لتعرف وتنتشر لولا خطب العقيلة زينب التي كانت غاية في المتانة والوضوح والحجة البالغة، فإن الإعلام الأموي كان من القوة والتأثير بدرجة تقلب الحقائق تماماً، وقد جعلوا من الحسين (×) وأصحابه مجموعة من الخارجين على الدولة المتمردين على النظام المطالبين للشغب والفتنة فاستحقوا القتل، وهكذا تذهب دماؤهم هدراً في الصحراء حيث لا ناقل للحقيقة إلاّ الجيش الأموي الظالم المجرم.
إن قضية (الإمامة) والخلافة بعد رسول الله (’) وهي أعظم قضايا الإسلام بعد التوحيد، وأخطرها وأمضاها تأثيراً في الأمة تولّت بيانها وإرساء قواعدها، ونفي الزيف عنها امرأتان هما فاطمة الزهراء (÷) سيدة نساء العالمين وابنتها زينب عقيلة الهاشميين.
والنتيجة التي نريد أن نصل إليها أن للمرأة دوراً لا يقلّ عن الرجل في التصدي لأخطر قضايا الأمة وأعظم التحديات التي تواجهها جنباً إلى جنب الرجل، ولا تقعد بها همتها لمجرد أنها امرأة، لكن طبعاً مع مراعاة الدور الذي يناسبها، وساحة العمل التي تتحرك فيها.
والمجتمع يواجه اليوم مشاكل وتحديات كثيرة يكون للمرأة دور مهم في مواجهتها كقضية تبليغ الأحكام الشرعية ونشر تعاليم مدرسة أهل البيت (b) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس أمور دينهم، فإن الجهل قد تفشى وخفيت على الناس خصوصاً النساء أكثر مسائل الحرام والحلال وضوحاً، وفي ذلك مخالفة صريحة لما أراده الله ورسوله والأئمة المعصومون (سلام الله عليهم أجمعين).
وللمرأة دور في إنقاذ المجتمع من مشاكله وعقده الاجتماعية ومنها ظاهرة الطلاق التي ازدادت بشكل مرعب في السنوات الأخيرة، حيث تشير إحصائيات بعض المحاكم إلى بلوغها نسبة 30% أو 40% أي أن ثلث حالات الزواج تقريباً تنتهي إلى الطلاق، وهذه نتيجة مقلقة لأن الله تعالى يبغض الطلاق بقدر حبّه للزواج، وقد جاء في الحديث عن الإمام الباقر (×) قال: (قال رسول الله (’): ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج)([2]) فالطلاق تهديم لأحب بناء إلى الله عز وجل، وآثاره الاجتماعية السيئة على المجتمع وخصوصاً الأطفال مما لا يخفى على أحد.
فلا بد من حركة واسعة يشترك فيها الرجال والنساء ممن يغضبون لغضب الله تبارك وتعالى، ويحبّون ما يحبّه الله تعالى، لإجراء استبيان شامل ومعرفة أسباب تزايد هذه الظاهرة، ومنها ما يعود إلى ما قبل الزواج كعدم حسن الاختيار بسبب عدم ملاحظة العناصر الحقيقية لبناء زوجية صالحة سواء في الرجل حيث ورد الحديث (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)([3]) وورد في اختيار الزوجة عن النبي (’) (ما استفاد امرئ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله).([4])
أما بناء الزواج على المال الكثير أو الوظيفة الجيدة أو الجمال الظاهري من دون ملاحظة الدين وحسن الخلق والعفاف والمعدن الطيب والأسرة الكريمة فهو أصل المشاكل.
أما القسم الثاني من الأسباب فهو ما حصل بعد الزواج من سوء الاستغلال الرجل لقيمومته على المرأة وتأثره بالتقاليد الاجتماعية من ضرورة التشديد على المرأة إلى حد الظلم. أما من جانب المرأة فقد يكون السبب عدم صبرها على ظروف زوجها وعدم تقديرها لحاله، أو المبالغة في بعض السلبيات أو نقل أخبار بيتها إلى أهلها وتدخلهم في شؤونها، أو اعتدادها بنفسها إلى حد التعالي على زوجها ونحوها من الأسباب.
وعلى أي حال فالقضية خطيرة وتستحق الكثير من الوقت للتأمل والدراسة والتشخيص ووضع الحلول، والسعي والحركة تشارك فيها قطاعات واسعة من الحوزة الدينية والقضاة والباحثين الاجتماعيين والنفسيين والأطباء وغيرهم.
وما أعظم أن يغضب الإنسان لغضب الله تبارك وتعالى ويرضى لرضاه [فَاستَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُم أنّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنكُم مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنثَى] (آل عمران:195).
([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع مواكب العزاء التي تجمّعت في النجف الأشرف لتنطلق في مسيرة عزائية مشياً على الأقدام من الكوفة يوم الثلاثاء11/رجب/1432 المصادف14/6/2011 إلى كربلاء المقدسة لإحياء ذكرى وفاة العقيلة زينب (سلام الله عليها) وزيارة النصف من رجب.
([2]) وسائل الشيعة، كتاب النكاح، أبواب المقدمات، باب1، ح4.
([3]) وسائل الشيعة، كتاب النكاح، أبواب المقدمات، باب 28، ح1.
([4]) وسائل الشيعة، كتاب النكاح، أبواب المقدمات، باب9، ح10.