أسماء السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)
أسماء السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ([1])
س1: ما العلاقة بين الاسم والمسمى؟، وبتعبير آخر: ما هي المناسبة بين الاسم ومن يحمل الاسم؟
ج: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين كثيراً ما تطلق الأسماء على الأشخاص من دون مناسبة كتسمية الشخص (كريم) وهو (بخيل) ويسمّى (خالد) وهو فإن زائل ويسمى (عبد الله) وهو عبد الشيطان وأهواء النفس الأمّارة بالسوء، فمثل هذه التسمية الارتجالية لا علاقة لها بالمسمّى ويكون الاسم مجرد مشير إلى المسمى لكي يعرف به ويشار إليه به.
أما الاسم الحقيقي فهو ما تطابق مع المسمى كما عرّفه أمير المؤمنين (×) لأبي الأسود الدؤلي عندما وجهه بوضع علم النحو قال (×) (الاسم ما أنبأ عن المسمى) أي ما أخبر عن المسمى، كما أن اسم الكتاب وعنوانه يخبر عن محتوياته قبل أن تقرأه، لذا يتأمل المؤلف كثيراً قبل أن يسمي الكتاب لأنه يختصر الكتاب كله.
س2: هل اهتم الشارع المقدس بقضية تسمية الأبناء.؟
ج: لاسم الشخص انعكاس مهم على شخصيته ونفسيته وسلوكه، فإن الاسم الجميل يعطي ثقة بالنفس لحامله ويجعله مرفوع الرأس، بعكس من كان اسمه قبيحاً فإن صاحبه يشعر بعقدة الحقارة كما يسميها علماء النفس والاجتماع، ويشعر دائماً بأنه مهان ومنبوذ اجتماعياً وخصوصاً إذا كان الآخرون يسخرون من اسمه، ويدعوه ذلك إلى الانزواء والابتعاد عن الناس أو الانتقام من المجتمع كردة فعل.
وإن الاسم قد يؤثر في صناعة شخصية الإنسان وسلوكه من خلال محاولة الشخص ليكون مطابقاً لاسمه، كشخص يكون اسمه (محمداً) أو (علياً) فيحترم هذا الاسم ويسعى لأن يكون أهلاً لحمله، أو امرأة تسمى فاطمة فتكون أمينة على هذا الاسم، بعكس ما لو كانوا على خلاف صفات صاحب الاسم فإن الآخرين ينتقدونها بأن اسمها فاطمة أو زينب وهي سافرة أو غير متدينة وهكذا، ولعل جزءاً من تكوّن شخصية البطش والعنف والصدام لدى المقبور صدام كانت بدافع من اسمه.
لذا جعل الشارع المقدس من حق الابن على أبيه أن يحسن تسميته فعن الإمام الكاظم (×) قال (أول ما يبرُّ الرجل ولده أن يسميه باسم حسن، فليحسن أحدكم اسم ولده) وروى الإمام جعفر الصادق (×) عن آبائه (×) (في وصية النبي (’) لعلي (×) قال: يا علي حق الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه ويضعه موضعاً صالحاً)، ويظهر أن تأثير الاسم يمتد إلى يوم القيامة أيضاً، فعن الإمام الصادق (×) قال: (قال رسول الله (’): استحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة قم يا فلان بن فلان إلى نورك، وقم يا فلان بن فلان لا نور لك).([2])
وكان من عادة أصحاب رسول الله (’) أن يأتوا بالوليد إلى رسول الله (’) ليسمّيه تبركاً وطلباً لحسن الاسم، وتفاؤلاً لمستقبله أن يكون كما سمّاه رسول الله (’)، ونذكر في هذه المناسبة أن الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين روى بسنده عن عبد الرحمن بن عوف قال (كان لا يولد لأحد مولود إلا أُتي به النبي (’) فدعا له، فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال هو الوزغ الملعون ابن الملعون)([3]) ورويت مثلها عن أئمتنا (b) في مصادرنا.([4])
س3: هل يوجد استحباب شرعي لبعض الأسماء حتى يراعيها الآباء في تسمية أبنائهم؟
ج: أفضل الأسماء هي أسماء النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) لأن معانيها حسنة بل في منتهى الحسن، مضافاً إلى حث أهل البيت (b) على التسمية بها، روى الإمام الصادق (×) عن آبائه (b) قال: (قال رسول الله (’) من ولد له ثلاثة بنين ولم يسمِّ أحدهم محمد فقد جفاني) وعن الإمام الرضا (×) عن آبائه عن النبي (’) قال: (إذا سميتم الولد محمداً فأكرموه وأوسعوا له في المجلس ولا تقبّحوا له وجهاً) وقال الإمام الصادق (×) (واعلم أنه ليس في الأرض دار فيها اسم محمد إلا وهي تُقدّس كل يوم)([5]) وقال الإمام الحسين (×) (لو ولد لي مائة لأحببتُ أن لا اسمي أحداً منهم إلاّ علياً)([6])، ودخل رجل ولدت له بنت على الإمام الصادق (×) فقال (×): ما سميتها؟ قال: فاطمة فقال (×) (آه آه آه ثم وضع يده على جبهته –إلى أن قال- أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها).([7])
فالتسمية بأسماء أهل البيت (^) تتحقق بها أمور عديدة ففيها طاعة لتوجيهاتهم (^) وبركة لجميع عائلة الوليد، وفيها إحياء لذكرهم (^)، ونشر لوجودهم الشريف وردٌ على أعدائهم الذين حاولوا بشتى الوسائل طمس ذكرهم حتى منعوا من التسمية بعلي، وهذا وجه لما تقدّم من حديث الإمام الحسين (×)، مضافاً إلى ما في ذلك من البر بهم والوفاء لهم (^) حتى عُدَّ عدم التسمية جفاءً لهم، مضافاً إلى ذلك فهي أسماء حسنة تبعث الراحة والانشراح والرفعة لمن يتسمى بها.
بعكس أسماء أعداء أهل البيت (^) فإنها مذمومة كمعاوية الذي يعني كلاباً تعاوت وأبوه صخر بن حرب وأمثالها من الأسماء المثيرة للاشمئزاز والكراهية.
س4: نعود إلى صاحبة الذكرى: السيدة فاطمة الزهراء فنسأل: كم عدد أسماء الزهراء (÷)؟
ج: إذا قصدنا بالاسم اسم الذات فاسمها (فاطمة) كما ذكرت في خطبتها الشهيرة (أيها الناس: اعلموا أني فاطمة وأبي محمد (’))، لكن الاسم يراد به هنا ما هو أعم من ذلك فيشمل اللقب كالزهراء (÷) والكنية كأم أبيها، وبهذا اللحاظ فإن أسماءها عديدة.
وقد اختلفت الروايات في تعدادها، ففي كتب الشيخ الصدوق (0) الأمالي وعلل الشرائع والخصال بسنده عن الإمام الصادق (×) قال (لفاطمة تسعة أسماء عند الله عز وجل، فاطمة، والصديقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدَّثة، والزهراء)([8])، ثم قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة؟ قلت أخبرني يا سيدي، قال فطمت من الشر) وفي الحديث عن الإمام الصادق (×): (فمن عرف فاطمة (÷) حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها)، وروي عن أبي هريرة أنه قال (إنما سميت فاطمة (÷)، فاطمة لأن الله فطم من أحبها من النار).
وتوجد روايات تشير إلى عدد أكبر من الأسماء للسيدة الزهراء (÷) كعشرين أو أكثر حتى تصل إلى تسعة وتسعين اسماً، وهذا واضح لأن الحديث المتقدم لم يتضمن أسماء مشهورة كالكوثر وأم أبيها وغيرها، قال ابن شهراشوب في المناقب (وصحّ في الأخبار: (لفاطمة عشرون اسماً، كل اسم يدل على فضيلة) ذكرها ابن بابويه في كتاب مولد فاطمة (÷)([9]).
ويمكن فهم هذا الاختلاف في الإعداد باعتبار أن الروايات ليست بصدد حصر كل الأسماء فالحديث الأول يذكر الأسماء التي سماها الله تبارك وتعالى بها، والثاني يعدد الأسماء التي تكشف عن فضائلها وصفات كمالها، باعتبار أن كل صفة تعبِّر عن فضيلة من فضائلها، وهكذا فهي لا تنفي وجود أسماء أخرى.
وقد تضمنت نصوص زيارتها الكثير من الأسماء، وقد نظم أحد العلماء الأعلام أرجوزة شعرية في أسمائها (÷) ومما قال:
ألقابها تذكر في الكتابِ |
|
كما أتت في كتب الأصحابِ |
معصومة رضية مرضية |
|
صديقة ميمونة زكيّة |
ذات صفات من أبيها مورثة |
|
والبعض من ألقابها محدَّثة |
والدرة البيضاء والمباركة |
|
سيدة النسا بلا مشاركة |
أم أبيها قيل من كُناها |
|
س5: هل في هذه الأسماء إشارة إلى معاني معينة.؟
ج: هذه الأسماء صدرت من الله تبارك وتعالى ومن رسوله الكريم (’) أو أطلقها عليها أولادها المعصومون (^) فهي مطابقة للحقيقة، وهي عين الواقع كما في الحديث السابق (لفاطمة تسعة أسماء عند الله عز وجل)، وهي أما تعبير عن فضيلة تتصف بها –كما في الحديث السابق- أو منقبة حبيت بها، أو تكريم منحت إياه، وكلها تعبّر عن حقائق مقدسة في سيدة العالمين، وشرحت الأحاديث الشريفة معانيها.
فسميت بالطاهرة لأنها من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بنص القرآن الكريم، وسميت بالبتول لانقطاعها إلى عبادة الله تعالى كما في مجمع البيان للطبرسي، أو لانقطاعها عن نساء زمانها، أو عن نساء الأمة فضلاً وديناً وحسباً وعفافاً كما روي عن الزمخشري.
وسميت الكوثر لأنها الواسطة في تكثير نسل رسول الله (’) وبقائه، قال الرازي في تفسير الكوثر في سورة الكوثر (الكوثر أولاده، لأن هذه السورة نزلت رداً على من عابه (’) بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان).
وفي الكافي بسنده عن الإمام موسى بن جعفر (c) (إن فاطمة (÷) صديقة شهيدة)، وعن الإمام الكاظم (×) في حديث عن النبي (’) (يا علي إني قد أوصيت فاطمة (÷) ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها، فهي الصادقة الصدوقة).
ومن ألقابها (أم الهناء) لأنها رأس كل هنيئة في الدنيا والآخرة.([11])
س6: لفت انتباهي ما ذكرتم في أسماء الزهراء (÷) (أم أبيها) فماذا يعني هذا الاسم.؟
ج: هذه الكنية للزهراء (÷) رواها العامة والخاصة، فمن العامة الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري وابن الأثير في أسد الغابة، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين، وابن حجر في الإصابة وفي تهذيب التهذيب وفي كتاب تاريخ مدينة دمشق، وهي أشهر كنى الزهراء (÷).
وقد كنّاها بذلك أبوها رسول الله (’) ويمكن أن يكون لهذه الكنية أكثر من منشأ.
1- إن حب فاطمة (÷) لأبيها (’) وشفقتها وحنوها عليه كان كالذي تُغدقه الأم على ولدها، مع الالتفات إلى انه ليس مبنياً على العاطفة المجردة وإنما على المعرفة التامة التي تناسب مقامها المقدس الكامل.
2- وتأتي الأم بمعنى الأصل كما في قوله تعالى (وَإنَّهُ في أُمِّ الكِتابِ لَدَينا) (الزخرف:4) يعني في أصل الكتاب أي اللوح المحفوظ، فالزهراء (÷) أصل أبيها لأن كل نسله وذريته منها فهي أصل امتداده (’) إلى يوم القيامة، وهي أصل امتداد رسالته (’) إلى يوم الساعة لأنها (÷) بموقفها وتضحيتها حافظت على خط الإسلام الأصيل وحفظته من الانحراف والتحريف.
3- وتطلق الأم على خالصة الشيء وعصارته ومجمع محتوياته كما تسمى منطقة الدماغ من الإنسان (أم الرأس) فيقال ضربه على أم رأسه، وكما تسمى مكة أم القرى وتسمى سورة الحمد أم الكتاب لأنها اشتملت على ما في القرآن الكريم من المبادئ العامة، فالزهراء (÷) أم أبيها بهذا المعنى لأنها جمعت الخصال الكريمة لأبيها، واعترف لها بذلك أصحاب رسول الله (’) وأمهات المؤمنين، قالت عائشة (ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ولا هدياً وحديثاً برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة).([12])
4- ويمكن أن يكون الرسول (’) قد كنّاها بذلك ليقطع الطريق على من تشعر من أزواجه بأن لها شرفاً وتفضيلاً على فاطمة (÷) باعتبار أنهن أمهات المؤمنين بنص قوله تعالى: [النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ] (الأحزاب/6).
فكنى فاطمة أم أبيها رسول الله (’) لتتقدم على أزواجه.
كما أنه (’) لمّا آخى بين المهاجرين والأنصار في المدينة لم يجعل لعلي (×) أخاً كالآخرين ولما سأله أمير المؤمنين (×) قال (’): ادخرتُك لنفسي وآخاه.
س7: هل من دروس عملية تتضمنها الأسماء المباركة؟
ج: قال تعالى: [وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] (النحل:60)، فالمثل الأعلى الذي يكون الوصول إليه هو الهدف والغاية هو الله تبارك وتعالى، ولذا ورد في الحديث الشريف (تخلّقوا بأخلاق الله) أي اسعوا للاتصاف بأوصاف الله تعالى التي تعبّر عنها أسماؤه الحسنى، قال تعالى: [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا] (الأعراف: 180) وقد نفهم [فَادْعُوهُ بِها] أي فنادوه بها كما ينادى أي مسمى باسمه، وقد يكون بمعنى فاسألوه بها أي من الدعاء بمعنى فتوسلوا إليه بأسمائه المباركة، والأدعية حافلة بذلك كدعاء كميل (اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء وبقوتك التي قهرت بها كل شيء) وغيرها من الدعوات المباركة الكثيرة.
فالأسماء الحسنى تعبّر عن حالة سامية تمثل القمة التي يسعى الإنسان الوصول إليها، وأهل البيت (b) مظهر من مظاهر الصفات الإلهية في فضائلهم وخصالهم وسلوكهم على أرض الواقع، وأسماؤهم لم تطلق عليهم اعتباطاً وإنما بمصداقية تامة.
فهذه الأسماء للزهراء (÷) هي صفات وخصائص تستحق أن تُجعل أسوة حسنة لكل من يتوق إلى الكمال والسعادة.
فمن اسم (فاطمة) يتعلم الإنسان أن يفطم نفسه من الشر والمعاصي والانحراف، ومن (الصدّيقة) يأخذ درساً في الصدق، ومن اسم (الطاهرة) يستلهم معاني تطهير النفس من الأهواء والطمع، وتطهير القلب من الغل والحسد والحقد وغيرها من الرذائل ومن اسم (الراضية) يحصل على الطمأنينة بقضاء الله وقدره، ومن أسم (المباركة) يتحفز لأن يكون وجوده مباركاً ومحضره محضر خير دائماً وكلامه فيه هدى وصلاح ورشد كما قال تعالى: [وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ] (مريم:31)، وهكذا الأسماء المباركة الأخرى، وهذا باختصار، وإلا فإن كل اسم يمكن الكلام فيه مفصلاً كما تحدثنا في كتاب (شكوى القرآن) عن صفات القرآن ومعانيها وآثارها.
س8: على هذا تكون الزهراء (÷) قدوة وأسوة للرجال والنساء معاً وليس فقط للنساء؟.
ج: هذا صحيح وهي (÷) كذلك، بل هي حجة على الخلق أجمعين، وفي ذلك روي عن الإمام الحسن العسكري قوله (نحن حجج الله على خلقه، وجدّتنا فاطمة حجة الله علينا)([13]). وكان الأئمة يفخرون ويتشرفون بأنهم أولاد فاطمة الزهراء ويعلنون ذلك على الملأ، ولا يفخر المعصوم الكامل إلا بمن هو أسوة ومثل أعلى للخلق أجمعين وفي ذلك يقول الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في إحدى رسائله (وفي ابنة رسول الله (’) لي أسوة حسنة).([14])