منتخب سبل السلام

| |عدد القراءات : 2171
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

منتخب سبل السلام

كتاب الحدود والتعزيرات

(الحدّ) عقوبة محدّدة شرعاً فرضها الله تبارك وتعالى على من يرتكب جريمة معينة كالزنا وشرب الخمر والسرقة واللواط، ويقابله (التعزير) وهي عقوبة غير محدّدة شرعاً، وتُرك تقديرها إلى الحاكم الشرعي ولا ترقى إلى مقدار الحدّ، وهي تتعلق بالجرائم والجنح غير التي يعاقب فاعلها بالحد.

وقد اهتم الشارع المقدس بإقامة الحدود، وذم من يتهاون فيها ويتركها مع القدرة على إجرائها، روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) في تفسير قول الله عز وجل (يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) (الروم/19) أنّه (عليه السلام) قال (ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالاً فيحيون العدل فتحيي الأرض لإحياء العدل، ولإقامة الحد فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحاً).

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله (ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة، وحد يقام لله في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحاً).

ومن حديث روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (اللهم... وإنك قد قلت لنبيّك (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيما أخبرته من دينك: يا محمد من عطّل حداً من حدودي فقد عاندني وطلب بذلك مضادّتي).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال (إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلا أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجعل لكل شيء حداً وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه، وجعل على من تعدى الحد حدا).[1]

إن الحكمة من تشريع قانون العقوبات في الشريعة من حدود وتعزيرات هو لمنع وقوع الجريمة والعدوان، فإن الناس لا يصلحها إلا الخوف من قوة القانون، ولإقامة العدل والقسط وصيانة حقوق الناس، وتوفير الحياة المستقرّّة الآمنة، قال تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ) (البقرة/179) ولما كانت هذه الحدود والتعزيرات وسائر الأحكام الاجتماعية – كالقضاء وولاية أمر الأمة- لم تُشرّع لتبقى حبراً على ورق ومعطّلة بحجة عدم وجود البيئة المناسبة فقد جعلت هذا الاهتمام من الشارع المقدس بإقامة الحدود أحد الأدلّة على لزوم سعي مراجع الدين القائمين بوظائف النيابة عن المعصوم (عليه السلام) لإقامة وضع يساعد على إجرائها، أما بإقامة حكومة إسلامية لو تمت مقوّمات نجاحها، أو بإيجاد قوة مؤثرة داخل الحكومات القائمة ونحوها منه الأساليب التي ييسّرها الله تعالى بلطفه، كما نهض بذلك ثلّة من أفذاذ علمائنا العاملين في فترات من الزمن.

(مسألة 629) إقامة الحدود والتعزيرات وسائر الأحكام الاجتماعية، من وظائف المجتهد الجامع للشرائط المتصدي للأمور العامة، ولا يحق لأي أحد إجراءها إلا بأمره وأذنه، إلا في موارد خاصة.

 

كتاب القضاء

القضاء وظيفة إلهية عظيمة، وهو من ميراث الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (اتقوا الحكومة فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي ووصي نبي).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح لما ولاّه القضاء: (يا شريح قد جلستَ مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي أو وصي نبي أو شقي) فبالقضاء العادل تحفظ الحقوق ويُزال الظلم وينبسط الأمن، وتطمئن الرعية وتستقيم السلطة.

وقد ورد التحذير الشديد من تصدّي غير المؤهلين للقضاء الذين لم يستمدّوا شرعيتهم من المجتهد الجامع للشرائط المتصدي لولاية أمور الأمة.

في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (لمّا ولّى أمير المؤمنين (عليه السلام) شريحاً القضاء أشرط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه).

وعن سالم بن مكرّم الجمّال قال (قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوا بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا عليه).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال (الحكم حكمان: حكم الله عز وجل، وحكم أهل الجاهلية، فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية).[2]

وبهذه المناسبة نحذّر كل من يتصدّى للحكم بين الناس سواء كانوا من القضاة في المحاكم الوضعية، أو الذين يحكمون في خلافات العشائر من يُسمّون بـ(الفريضة) أو الذي يحكمون في خلافات التجّار في السوق من (أهل المصلحة) وغيرهم.

نعم يمكن أن يصحّحوا أحكامهم بعرضها على الجهة الدينية الشرعية قبل البتّ بها كما تقدّم في شرط أمير المؤمنين (عليه السلام) على شريح القاضي.

تعريف القضاء:

((القضاء هو فصل الخصومة بين المتخصامين، والحكم بثبوت دعوى المدّعي أو بعدم حقّ له على المدّعى عليه .

والفرق بينه وبين الفتوى :

أنّ الفتوى: عبارة عن بيان الأحكام الكلّيّة من دون النظر إلى تطبيقها على مواردها، وهي ـ أي الفتوى ـ لا تكون حجّة إلاّ على من يجب عليه تقليد المفتي بها ، والعبرة في التطبيق إنّما هي بنظره دون نظر المفتي .

وأمّا القضاء : فهو الحكم بالقضايا الشخصيّة التي هي مورد الترافع والتشاجر، فيحكم القاضي بأنّ المال الفلاني لزيد، أو أنّ المرأة الفلانيّة زوجة فلان ، وما شاكل ذلك، وهو نافذ على كلّ أحد حتى إذا  كان أحد المتخاصمين أو كلاهما مجتهداً .

نعم ، قد يكون منشأ الترافع الاختلاف في الفتوى ، كما إذا تنازع الورثة في الأراضي ، فادّعت الزوجة ذات الولد الإرث منها ، وادّعى الباقي حرمانها فتحاكما لدى القاضي ، فإنّ حكمه يكون نافذاً عليهما وإن كان مخالفاً لفتوى من يرجع إليه المحكوم عليه.))

(مسألة 630) القضاء من الواجبات الاجتماعية، بمعنى أنه يجب على المجتمع ككيان تأهيل بعض أفراده لممارسة القضاء وفضّ الخصومات بين الناس، وإذا لم يفعلوا أثم الجميع.

(مسألة 631) يُعيَّن القضاة من قبل الحاكم الشرعي المتصدي للقضايا العامة، وهو الذي يتكفل بإجراء المخصصات المالية التي تكفل لهم حياة كريمة لتمنع ضعاف النفوس من أخذ الرشوة ونحوها، ففي عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر (وأكثر تعاهد قضائه (القاضي) وأفسح له في البذل ما يزيح علّته وتقل معه حاجته إلى الناس).

(مسألة 632) تحرم الرشوة على القضاء ولا فرق بين الآخذ والباذل.

(مسألة .....) القاضي على نوعين: القاضي المنصوب، وقاضي التحكيم.

(مسألة 633) تعيين القاضي الذي يتحاكم إليه المتخاصمون متوقف على رضاهما معاً به إن كان قاضي التحكيم، أما إذا أريد رفع الدعوى إلى القاضي المنصوب فتعيينه بيد المدّعي على المشهور، ولا بأس به على أن يراعي القاضي اختلافهما في التقليد إذا حصل، أو يوكل الأمر إلى الحاكم الشرعي، وكذا إذا تداعيا واختلفا في القاضي الذي يترافعان إليه.

(مسألة 634) يعتبر في القاضي أمور: الأول: البلوغ، الثاني، العقل، الثالث: الذكورة الرابع: الإيمان، الخامس: طهارة المولد، السادس: العدالة، السابع: الرشد، الثامن: الاجتهاد في القاضي المنصوب.

(مسألة 635) كما أن للحاكم أن يحكم بين المتخاصمين بالبينة وبالإقرار وباليمين، كذلك له أن يحكم بينهما بعلمه بشرط رضا المتخاصمين بذلك منعاً للتهمة والتشكيك. ولا فرق في ذلك بين حق الله تعالى وحق الناس.

(مسألة 636) يعتبر في سماع الدعوى أن تكون على نحو الجزم، ولا تسمع إذا كانت على نحو الظن أو الاحتمال.

(مسألة 637) : إذا ادّعى شخص مالاً على آخر، فالآخر لا يخلو من أن يعترف له، أو ينكر عليه، أو يسكت ، بمعنى : أ نّه لا يعترف ولا ينكر ، فهنا صور ثلاث :

الاُولى : اعتراف المدّعى عليه ، فيحكم الحاكم على طبقه ويؤخذ به.

الثانية : إنكار المدّعى عليه ، فيطالب المدّعي بالبيّنة ، فإن أقامها حكم على طبقها وإلاّ حلف المنكر ، فإن حلف سقطت الدعوى، ولا يحلّ للمدّعي ـ  بعد حكم الحاكم  ـ التقاصّ من مال الحالف  نعم ، لو كذّب الحالف نفسه جاز للمدّعي مطالبته بالمال ، فإن امتنع حلّت له المقاصّة من أمواله.

الثالثة : سكوت المدّعى عليه ، فيطالب المدّعي بالبيّنة ، فإن لم يقمها ألزم الحاكم المدّعى عليه بالحلف إذا رضي به المدّعي وطلبه، فإن حلف فهو، وإلاّ فيردّ الحاكم الحلف على المدّعي.

وأمّا إذا ادّعى المدّعى عليه الجهل بالحال ، فإن لم يكذّبه المدّعي فليس له إحلافه، وإلاّ أحلفه على عدم العلم.

(مسألة 638) : لا تسمع بيّنة المدّعي على دعواه بعد حلف المنكر وحكم الحاكم له.

(مسألة 639) : إذا امتنع المنكر عن الحلف وردّه على المدّعي ، فإن حلف المدّعي ثبت له مدّعاه ، وإن نكل سقطت دعواه.

(مسألة 640) : لو نكل المنكر بمعنى أنّه لم يحلف ولم يردّ الحلف ، فالحاكم يردّ الحلف على المدّعي ، فإن حلف حكم له.

(مسألة 641) : ليس للحاكم إحلاف المدّعي بعد إقامة البيّنة إلاّ إذا كانت دعواه على الميّت ، فعندئذ للحاكم مطالبته باليمين على بقاء حقّه في ذمّته زائداً على بيّنته.

(مسألة 642) الظاهر عدم اختصاص الحكم المذكور بالدين وإنما يجري في أي مورد يكون مظنة لتعليل الإمام الكاظم (عليه السلام) في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (فإن حلف وإلا فلا حقّ له، لأنّا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها أو غير بينةٍ قبل الموت)[3].

(مسألة 643) : لا فرق في الدعوى على الميّت بين أن يدّعي المدّعي ديناً على الميّت لنفسه أو لموكّله أو لمن هو ولي عليه ، ففي جميع ذلك لا بدّ في ثبوت الدعوى من ضمّ اليمين إلى البيّنة ، كما أنّه لا فرق بين كون المدّعي وارثاً أو وصيّاً أو أجنبيّاً.

(مسألة 644) : لو ثبت دين الميّت بغير بيّنة ، كما إذا اعترف الورثة بذلك ، أو ثبت ذلك بعلم الحاكم ، أو بشياع مفيد للعلم ، واحتمل أنّ الميّت قد أوفى دينه ، فهل يحـتاج في مثل ذلك إلى ضمّ اليمين أم لا ؟ وجهان ، الأقرب هو الأول.

(مسألة 645) : لو أقام المدّعي على الميّت شاهداً واحداً وحلف ، فالمعروف ثبوت الدين بذلك ، وهل يحتاج إلى يمين آخر ؟

فيه خلاف ، قيل بعدم الحاجـة ، وقيل بلزومها ، والأصح الثاني.

(مسألة 646) : لو قامت البيّنة بدين على صبي أو مجنون أو غائب ، فهل يحتاج إلى ضمّ اليمين ؟ فيه تردّد وخلاف ، والأظهر انه كسابقه لعموم التعليل إذا كان احتمال الوفاء وارداً.

(مسألة 647) : لا يجوز الترافع إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأوّل ، ولا يجوز للآخر نقض حكم الأوّل إلاّ إذا لم يكن الحاكم الأوّل واجداً للشرائط ، أو كان حكمه مخالفاً لما ثبت قطعاً من الكتاب والسنّة، أو استجدت أدلة تثبت خطأ الحكم الأول.

 


[1] الروايات في وسائل الشيعة: 18/ 308 كتاب الحدود/ أبواب مقدمات الحدود/ باب 1، 2.

[2] هذا الحديث وما سبقه في وسائل الشيعة: 18/11 في الأبواب الأولى من كتاب القضاء.

[3] الوسائل، أبواب كيفية الحكم، باب 4 ح1.