المحافظة على الصلوات: آخر وصية للإمام الصادق (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
المحافظة على الصلوات: آخر وصية للإمام الصادق (عليه السلام)
في ذكرى استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) نتوقف عند آخر وصية له (عليه السلام).
(عن أبي بصير قال : دخلت على أُمّ حميدة أُعزّيها بأبي عبد الله (عليه السلام) ، فبكت وبكيت لبكائها ، ثمّ قالت : يا أبا محمّد ، لو رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) عند الموت لرأيت عجباً ، فتح عينيه ثمّ قال : اجمعوا كلّ مَنْ بيني وبينه قرابة ، قالت : فما تركنا أحداً إلاّ جمعناه ، فنظر إليهم ثم قال : إن شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة).[1]
ويظهر أن هذه وصية النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته جميعاً، روي عن زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) (قال: لا تتهاون بصلاتك ، فإنّ النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) قال عند موته : ليس منّي من استخفّ بصلاته ، ليس منّي من شرب مسكراً ، لا يرد عليّ الحوض لا والله)[2]، بل هي وصية كل الأنبياء (عليهم السلام)، عن الإمام الصادق (عليه السلام) (أحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء).[3]
فلا يغتر البعض بما يقال له أنّه إذا فعل كذا فقد وجبت له الجنة، أو دخل الجنة بغير حساب مما يكثر منه الخطباء على المنابر من دون ذكر قيوده وشروطه.
إنّ للصلاة أهمية كبرى في الدين ودوراً مهماً في حياة الإنسان ومصيره، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما بين المسلم وبين أن يكفر إلاّ ترك الصلاة الفريضة متعمّداً أو يتهاون بها فلا يصلّيها).[4] وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: (الصلاة عمود الدين ، مثلها كمثل عمود الفسطاط ، إذا ثبت العمود ثبت الأوتاد والأطناب، وإذا مال العمود وانكسر لم يثبت وتد ولا طنب).[5] وعن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ عمود الدين الصلاة ، وهي أوّل ما يُنظر فيه من عمل ابن آدم ، فإن صحّت نُظر في عمله ، وإن لم تصحّ لم يُنظر في بقيّة عمله).[6]
لذا كان مقياس صلاح الإنسان عند أهل البيت (عليهم السلام) هو اهتمامه بصلاته، عن هارون بن خارجة قال : (ذكرت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجلاً من أصحابنا فأحسنت عليه الثناء ، فقال لي : كيف صلاته؟).[7]
وقد ورد في فضل المصلي وثواب الصلاة شيء كثير، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله عزّ وجلّ إليه ، أو قال : أقبل الله عليه حتى ينصرف ، وأظلّته الرحمة ، من فوق رأسه إلى أُفق السماء ، والملائكة تحفّه من حوله إلى أًفق السماء ، ووكّل الله به ملكاً قائماً على رأسه يقول له : أيّها المصلّي ، لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجي ما التفتّ ولا زلت من موضعك أبداً).[8] وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال : للمصلّي ثلاث خصال : إذا هو قام في صلاته حفّت به الملائكة من قدميه إلى أعنان السماء ، ويتناثر البّر عليه من أعنان السماء إلى مفرق رأسه ، وملك موكّل به ينادي : لو يعلم المصلّي من يناجي ما انفتل)[9].
وعن الإمام الباقر(عليه السلام) (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو كان على باب دار أحدكم نهر فاغتسل في كلّ يوم منه خمس مرّات ، أكان يبقى في جسده من الدرن شيء؟ قلنا : لا ، قال : فإنّ مثل الصلاة كمثل النهر الجاري ، كلّما صلّى صلاة كفّرت ما بينهما من الذنوب).[10]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (إذا قام الرجل إلى الصلاة أقبل ابليس ينظر إليه حسداً، لما يرى من رحمة الله التي تغشاه).[11]
إن الصلاة التي تكون لها هذه القيمة لابد أن تكون تامة في أجزائها وشرائطها التي يذكرها الفقهاء في رسائلهم العملية. عن الإمام الباقر (عليه السلام) (قال : بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلّي ، فلم يتمّ ركوعه ولا سجوده ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : نقر كنقر الغراب ، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير دين).[12]
ومن المهم جداً لكي تؤدي الصلاة غرضها المنشود وتتحقق منها الآثار المباركة: المحافظة عليها في أوقاتها، عن الإمام الصادق (عليه السلام) (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهنّ فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه فأدخله في العظائم)[13]. و عن الصادق (عليه السلام) ـ في حديث ـ : (إنّ ملك الموت يدفع الشيطان عن المحافظ على الصلاة ، ويلقّنه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، في تلك الحالة العظيمة)[14]، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (ما من عبد اهتم بمواقيت الصلاة ومواضع الشمس إلا ضمِنتُ له الرَوْحَ عند الموت، وانقطاع الهموم والأحزان، والنجاة من النار)[15]
من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة انه قال في كلام يوصي أصحابه : (تعاهدوا أمر الصلاة ، وحافظوا عليها ، واستكثروا منها ، وتقرّبوا بها ، فإنّها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا: ( ما سلككم في سقر ، قالوا لم نك من المصلّين ) وإنّها لتحتّ الذنوب حتّ الورق ، وتطلقها إطلاق الربق ، وشبّهها رسول الله بالحمّة تكون على باب الرجل فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرّات ، فما عسى أن يبقى عليه من الدرن ، وقد عرف حقها رجال من المؤمنين ، الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع ، ولا قرة عين من ولد ولا مال ، يقول الله سبحانه: ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نصباً بالصلاة بعد التبشير له بالجنّة ، لقول الله سبحانه ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) فكان يأمر بها أهله ويصبر عليها نفسه).[16]
ولأجل أن تصبح الصلاة جزءاً أساسياً من حياة الإنسان لا يستطيع أن يحيا بدونها فقد أمر المعصومون بإلزام الصبيان بالصلاة من وقت مبكر كعمر (6-8) سنين بحسب استعداداته الذهنية وفهمه لما يقال له.
روى محمد بن مسلم: أنه سأل أحد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) (في الصبي ، متى يصلّي؟ فقال : إذا عقل الصلاة قلت : متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ قال : لستّ سنين).[17]
ويستغرب الإمام (عليه السلام) من الآباء والأمهات الذين لا يتابعون أداء أطفالهم للصلاة، روى أحدهم قال (سألت الرضا (عليه السلام) أو سئل وأنا أسمع ، عن الرجل يجبر ولده وهو لا يصلّي اليوم واليومين؟ فقال : وكم أتى على الغلام؟ فقلت : ثماني سنين ، فقال : سبحان الله ، يترك الصلاة؟! قال : قلت : يصيبه الوجع ، قال : يصلّي على نحو ما يقدر.).[18]
إن المتابع لحال المسلمين –خصوصاً في البلدان المترفة والتي تكون فيها فرص المغريات والشهوات كثيرة- يجد عند كثير منهم إهمال أمر صلاتهم، وعدم الالتزام بها في أوقاتها وهذه قضية حيوية وشيء خطير لابد من معالجته بالالتفات إلى ما ذكرناه من أهمية الصلاة والعقوبة الغليظة على من ضيّعها وأهملها، بحيث لا يُقاس به حتى مرتكب الكبائر كالزنا وشرب الخمر، ويعلّل الإمام الصادق (عليه السلام) ذلك بقوله (لأن الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه، وتارك الصلاة لا يتركها إلاّ استخفافاً بها)[19]
إن من تكليفنا اليوم وفي كل يوم أن نطلق حملة شاملة لإعادة المسلمين إلى صلاتهم بالإقناع أو بالإلزام لمن كانت له سلطة وقيمومة، كالوالدين على أبنائهم، أو إدارات المدارس على الطلبة، وأن نقوم بتيسير السبل لذلك من خلال إنشاء المصليات داخل الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية، وتفعيل دور المساجد ونحوها من الآليات لنكون ممن تناله شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
إن من استشعر العبودية لله تبارك وتعالى واعتزّ بها يجد في الصلاة لذة كبيرة، ولا يجد للحياة طعماً ولا معنى إذا خلت من الصلاة، ولا يكتفي بالصلوات المفروضة لأنه يجد الأوقات بينها كثيرة لا يتحملها بلا صلاة فيتنفل بما يسَّر الله تعالى له خصوصاً في الليل، فإن ما بين المغرب والفجر وقت طويل.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) –لما سُئل عن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله – قال: (ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريم قال: (وأوصاني بالصلاة) (مريم/31)[20] وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (ليكن أكثر همك الصلاة، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين).[21]
ولما سأل أبو ذر الغفاري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الصلاة، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (خير موضوع، فمن شاء أقلَّ ومن شاء أكثر).[22]
ولاشك أن الكلام عن الصلاة لا يستوعبه مجلس واحد، ولكننا أحببنا إثارة أصل الموضوع لأهميته ليكون فاتحة لعمل واسع بإذن الله تعالى، فلنحرص جميعاً على أن نكون ممن أحسن صلاته وأكثر مها وحافظ عليها في أوقاتها.
[1] الوسائل ج4 ص26-27.
[2] الوسائل ج4 ص23- 24.
([3]) من لا يحضره الفقيه: 1/210 ح638.
[4] الوسائل ج4 ص 43.
[5] الوسائل ج4 ص27.
[6] الوسائل ج4 ص34-35.
[7] الوسائل ج4 ص32.
[8] الوسائل ج4 ص32.
[9] الوسائل ج4 ص33.
[10] الوسائل ج4 ص12.
[11] الخصال: 632 ح10.
[12] الوسائل ج4 ص31-32.
[13] الوسائل ج4 ص28.
[14] الوسائل ج4 ص29.
[15] بحار الأنوار: 83، 9ح 5.
[16] الوسائل ج4 ص30- 31.
[17] الوسائل ج4 ص18- 19.
[18] الوسائل ج4 ص20.
[19] الوسائل: باب11، 2.
[20] الكافي: 3/ 264، ح1.
[21] بحار الأنوار: 77/127 ح33.
[22] معاني الأخبار: 333 ح1.