توجيهات تتعلّق بالزيارات والمناسبات الدينية
بسم الله الرحمن الرحيم
توجيهات تتعلّق بالزيارات والمناسبات الدينية ([1])
تشهد المناسبات الدينية والزيارات المخصوصة للأئمة الأطهار (ع) زخماً جماهيرياً هائلاً يُقدَّر بالملايين يتوافدون على مدى أيام، وكان آخرها ذكرى استشهاد الإمام موسى بن جعفر (ع) حيث شهدت بغداد زحفاً إيمانياً قُدِّرَ بالملايين أدخلوا به السرور على قلب النبي (صلى الله عليه وآله الأطهار) وأظهروا عزة أولياء الله تعالى وكرامتهم وجلالة شأنهم، كما أدخلوا اليأس على أعدائهم وشانئيهم الناصبين لهم العداوة، الذين حاولوا ثني عزيمة المؤمنين وليّ إرادتهم بالتفجيرات الإرهابية التي قاموا بها قبل المناسبة بأيام، لكن ردّ الفعل جاء حاسماً وقاصماً لظهورهم.
هذا كلّه مما لا شكّ فيه، ولكن يجب أن لا نكتفي بتقييم الظواهر والشكليات، وإنّما علينا أن ننفذ إلى عمق الحقيقة، ونتقبّلها بشجاعة حتى لو كانت في بعض جوانبها على خلاف رغباتنا وأهوائنا، إنّ أي عمل يراد تقييمه وتحديد نسبة نجاحه، فلابد أن يكون ذلك بلحاظ مقدار النتائج التي حقّقها، وفق الأهداف المرجوّة منه، كفريق كرة القدم فإنّ نتيجته تُحدّد في ضوء الكرات التي أدخلها في الهدف مهما كان لعبه حسناً وجميلاً.
وهكذا تُعرف قيمة العبادات وكلّ الأعمال من خلال آثارها في حياة الفرد والمجتمع، كقوله تعالى في الصلاة (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) (العنكبوت/45) وورد في تفسير القمي قولهم (ع) (من لم تنههُ الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم تزددهُ من الله عزّ وجل إلاّ بعداً).
فإذا أردنا أن نُقيّم هذه الزيارات المليونية فلابد أن نُحدّد أهدافها أولاً، ومنها:
1- إعلان المودّة والولاء للنبي (صلى الله عليه وآله) الأطهار(ع) إلتزاماً بقوله تعالى (قل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى/23) وإدخال السرور عليهم، وإظهار عزّتهم وكرامتهم.
2-إستذكار سيرتهم العطرة ومواقفهم النبيلة لإعلاء كلمة الله تعالى وهداية البشر جميعاً، واستلهام الدروس والعبر من صفحات تاريخهم النقيّة.
3-تجديد العهد معهم (ع) للمضي على نهجهم وسيرتهم، وبذل الغالي والنفيس من أجل إحياء أمرهم وإدامة ذكرهم.
4-إعلان البراءة من أعدائهم، وظالميهم، ورفض كل ظلم ومنكر وفساد وانحراف صدر ويصدر من مخالفيهم.
5-أن تكون هذه المناسبات سبباً لتجديد الروح الإيمانية ومراجعة النفس وتصحيح الأخطاء والبداية الجديدة نحو الكمال، وتطهير القلب.
وإذا أردنا تقييم هذه الفعاليات المليونية المباركة في ضوء الأغراض المطلوبة منها، فسنجدها قد نجحت في تحقيق جملة منها، وفشلت في البقية، ورغم التنبيهات والتوجيهات المتكرّرة للزوار بتجنب أمور تنافي قدسية المناسبة ومكانة الإمام المزور، إلاّ أن هذه الزيارات تشهد الكثير من المخالفات الشرعية التي يأنف منها كل ّ غيور وتكون بمثابة طعنات توجّه إلى قلب الإمام (ع) لا تقل إيلاماً عن الطعنات التي وُجّهت إلى جسده الشريف.
ونحن نسجّل هنا بعض تلك المخالفات الشرعية للتذكير، فإذا الذكرى تنفع المؤمنين وهي لا تخفى على من شارك في تلك المناسبات ولاحظها بعين الناقد البصير، ومنها:
1-عدم إلتزام النساء بتمام الحجاب العفيف الذي يريده الشارع المقدّس سواءٌ في هيئتها ومظهرها الخارجي أو في حركاتها أو في كلماتها.
2-الاختلاط غير المحتشم بين الجنسين، والاحتكاك المريب، خصوصاً وإنّ كثيراً من النساء لا يرافقهن محرم.
3-إنّ ما يفرحنا هو أن الغالبية العظمى من الزوار هم من فئة الشباب، لكن الذي يحزننا إن كثيراً منهم لا يجسد الإسلام في مظهره وسلوكه، ابتداءاً من القميص الذي يرتديه، والعلامات المرسومة عليه إلى أجزاء جسمه التي يبديها، إلى الكلمات التي يتبادلونها، إلى الحركات غير المؤدبة التي يقومون بها وكأنّ بعضهم في ملعب كرة القدم أو صالة السينما، ولا تتوقف قائمة المخالفات عند النظرات الخائنة والابتسامات المتبادلة بين الجنسين.
4-لا يوجد اهتمام واضح بشعيرة الصلاة، إذ لا يتوقف الجمع عن المسير والحركة عند حلول وقت الصلاة المفروضة لأدائها، مع أنّ أداء الصلاة في أوقاتها خصوصاً إذا كانت جماعة هي من أهم العلامات على صحة المسيرة ونجاحها في تحقيق أهدافها.
5-غياب دور المرشدين والمبلغين من الحوزة العلمية أو المثقفين والواعين الرساليين، ولعلّ هذا هو أحد أسباب حصول هذه المخالفات لأنّ صدورها غالباً عن جهل أو غفلة تزولان بالتذكير والتعليم وهما وظيفتا الأنبياء والرسل والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) والهداة السائرين على نهجهم.
إذا كان كلّ هذا يحصل في مناسبة حزينة مؤلمة، فما الذي ينتظرنا في المناسبات المفرحة؟ ونحن مقبلون على الزيارة الشعبانية العظيمة، والتي اعتاد بعض أتباع الهوى والنفس الأمّارة بالسوء على القيام بأفعالٍ مشينة يزيّنها لهم الشيطان اللعين، يضيّعون بها دينهم ويخسرون هذه الفرصة العظيمة للتقرّب إلى الله تبارك وتعالى.
لقد وردت روايات([2]) عديدة في فضل زيارة أهل البيت (ع) خصوصاً الإمام الحسين (ع) كالرواية المعتبرة عن معاوية بن وهب عن الإمام الصادق (ع) وغيرها، لكن هذا الثواب لا يُعطى إلاّ لمن التزم بواجبات الزيارة وحقوق الإمام المزور لذا جاء في بعضها (جئتك زائراً عارفاً بحقك)، فإنّ هذه المراتب الجليلة لا ينالها كلّ من هبّ ودب، فلا تخدعنكم الأوهام والكلمات المعسولة، بل إنّ بعض الزوار يعود إلى أهله وقد أثقلت ظهره الذنوب، وهو يظن أنّه قد أحسن عملا وأدّى طاعة لله تعالى.
وكتاب الله تعالى ينطق بذلك، قال تبارك وتعالى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة/27)، وقد جعل تعالى مقياس النجاح في الامتحان هو إتقان العمل واحسانه وليس الاتيان به على أي نحو كان، قال تعالى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (هود/7).
نلفت نظر أعزائنا من طلبة العلوم الدينية والمثقفين والعاملين الرساليين أن لا تفتر هممهم ولا تلين عزائمهم في إرشاد الناس ووعظهم وتوجيههم، والانتشار بينهم لإقامة صلاة الجماعة وإلقاء كلمات الموعظة والتعليم والتذكير، فإنّها من أعظم الوظائف الإلهية، وبيان عظمة الأئمة (ع) وما يليق بهم من أدب للتعاطي معهم، وشرف هذه المناسبات الدينية وسعة رحمة الله تعالى بها فلا يعودوا بالخسران، فإنّ الشقي من حرم غفران الله ورحمته في مثل هذه الأزمنة والأمكنة المباركة محمد اليعقوبي- النجف الأشرف
7 شعبان 1423 هـ
9/7/2011