خطاب المرحلة (279)... التنمية البشرية في روايات أهل البيت (عليهم السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
التنمية البشرية في روايات أهل البيت (عليهم السلام)(1)
يهتم العالم اليوم بحقل من حقول المعرفة يسمونه (التنمية البشرية) وتفتح له جامعات متخصصة وآخرها في جامعة السليمانية في العام الماضي بحسب ما سمعت من وسائل الإعلام.
وقد التقيت قبل أسبوعين تقريباً أحد طلبة الدكتوراه في الولايات المتحدة وعنوان بحثه (الدين والتنمية البشرية) وعرضت عليه خارطة الطريق للبحث وفق ما أفهمه من العنوان وبما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام).
لقد اهتم القادة المعصومون (عليهم السلام) بالتنمية البشرية في كل أنحائها، فعلى صعيد الكم أي تكثير العدد ورد حث كثير على تكثير النسل خلافاً لهوس العصر المطالب بتحديد النسل ففي الرواية الصحيحة عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: ( إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: تزوجوا فإني مكاثرٌ بكم الأمم غداً في القيامة حتى أن السقط يجيء محبنطئاً على باب الجنة فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: لا حتى يدخل أبواي الجنة قبلي)([2]) وفي الرواية عن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: (قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً لعل الله يرزقه نسمة تثقل الأرض بلاإله إلا الله)([3]) وقد عُرف عني القول بأن من أراد أن يدخل السرور على قلب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فليتزوج ولينجب أربعة على الأقل ويحسن تربيتهم ليكون ملبياً دعوة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بالإكثار من النسل.
وأما التنمية على صعيد النوع فقد اهتم به المعصومون (عليهم السلام) أيضاً وتابعوا مراحله من قبل تكون نطفة الإنسان باختيار الزوجة الصالحة والمنبت الطيب للنسل ووردت في ذلك روايات كثيرة كالرواية التي وردت عن الامام الصادق(عليه السلام) قال: ( قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): اختاروا لنطفكم فإن الخال احد الضجيعين)([4]) وروايته الأخرى قال: (قام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خطيباً فقال: أيها الناس إياكم وخضراء الدمن قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء)([5] ).
ثم تتابع الروايات النصائح والتوجيهات في مراحل تكون النطفة والحمل والولادة والتربية إلى أن يصبح إنساناً بالغاً رشيداً صالحاً ينتفع به أبواه والمجتمع عموماً.
وعلى صعيد تنمية المجتمع وجعله كياناً قوياً متماسكاً متحاباً يتعاطى أفراده بإيجابية فيما بينهم ومع الآخرين فقد حفل كتاب (آداب العشرة) من كتاب وسائل الشيعة وغيره بالمئات من الأحاديث الشريفة.
وعلى صعيد تنمية الحياة بإعمارها وتقدّمها وجعلها مرفهة سعيدة متمدنة فقد حث أهل البيت (عليهم السلام) على كل ما يساهم في بناء ذلك ويشيّد مقوّماتها وبنيتها التحتية وعلى رأسها طلب العلم والمعرفة والتـزود بكل أسباب القوة والمنعة والتقدم والرفاه، وقد جمعت الأحاديث في كتب خاصة بعنوان (كتاب العقل) و(كتاب العلم) من أصول الكافي وغيرها، وقد أكد القرآن الكريم على أن وظيفة الإنسان في هذه الأرض إعمارها قال تعالى [هُوَ أنشَأكُم مِنَ الأرضِ وِاستَعمَرَكُم فِيهَا] (هود: 61) وقال تعالى [وَأعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال: 60).
لقد أدرك الغرب تأثير هذه التوجيهات في عقل المسلم ودفعه إلى تكثير النسل لذا بدأوا يطلقون صرخات التحذير وطلب الاستيقاظ للعالم الغربي وخصوصاً المسيحي ليصحو ويلتفت إلى هذا الخطر!! وبين يدي تقرير أمريكي صدر عام 2008 شعاره (لقد تغيّر العالم، حان الوقت لكي نستيقظ) وجاء فيه (الإسلام هو أسرع وأكثر دين انتشاراً) (العالم الذي نعيش فيه لن يكون نفسه العالم الذي سيعيش فيه أبناؤنا وأحفادنا) (الكنيسة الكاثوليكية صرحت مؤخراً: إن عدد المسلمين تجاوز الحدود، الدراسات تبيّن أنه إذا حافظ الإسلام على معدل انتشاره الحالي فإنه في خلال 5 إلى 7 أعوام سيكون الإسلام الدين الحاكم في العالم كله) وهم يحذرون من هذه الحقائق ويدعون الأمريكان للتصرف بسرعة.
ويبيّن التقرير بالأرقام تخلّف التكاثر السكاني في دول الغرب عن أقل معدل المطلوب لبقاء أي حضارة لربع قرن وهو معدل (2,11 طفلاً) لكل عائلة بينما معدل التكاثر في عموم أوربا 1,38 وفي الولايات المتحدة 1,6 وان عدد المسلمين في تزايد هناك سواء عن طريق الهجرة أو ارتفاع معدل تكاثرهم، (وانه خلال (39) عاماً فقط سوف تصبح فرنسا جمهورية إسلامية!) (وفي جنوبها وهي واحدة من أكثر الأماكن المزدحمة بالكنائس في العالم تحتوي الآن على مساجد أكثر من الكنائس) (الحكومة الألمانية كانت أول من تحدث عن هذا الموضوع علانية صرحت مؤخراً: ((النقص في التعداد السكاني الألماني لا يمكن إيقافه الآن لقد خرج الأمر عن السيطرة ستكون ألمانيا دولة إسلامية مع حلول عام 2050)) ).
أقول: قد يكون في بعض هذه التوقعات مبالغة لأجل إيقاظ عالمهم لكنه يتضمن الكثير من الحقائق المهمة ومنها أنه إذا التزم المسلمون بالتوجيهات النبوية الشريفة فإنهم سيفتحون العالم بهدوء وبحركة بيضاء –كما يقال- وهذا يقدّم لنا فهماً لما ندعو به دوماً لإمامنا المنتظر (أرواحنا له الفداء) (حتى تسكنه أرضك طوعاً).
إن هذا الذي ذكرناه يضع لنا برامج عملية عديدة ويجعلنا أمام عدة مسؤوليات منها:
1- الحث على التزويج وتيسير أمره للجميع وكثرة الإنجاب بحيث لا يقل عن أربعة للأسرة وأن يحسنوا تربيتهم وإعدادهم لصناعة الحياة السعيدة، وهذه الدعوة تشمل من هم داخل البلاد الإسلامية والمقيمين في بلاد المهجر.
2- إن الإسلام ينتشر بقوة وبسرعة ويشهد إقبالاً واسعاً وما علينا إلا إيصال صوته إلى العالم كما قال الإمام (عليه السلام) (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا) وعلى المسلمين وخصوصاً شيعة أهل البيت (عليهم السلام) أن لا يرتكبوا ما يشين وان لا يبتدعوا من أنفسهم أفعالاً بحجة الترويج للدين والمذهب كالتطبير ونحوه مما منعنا منه فإن الإسلام الناصح النقي لا يحتاج إلى مثل هذه الأمور التي تضرّ ولا تنفع، وليرجعوا في أمورهم خصوصاً التي تتعلق بالمواقف العامة إلى الفقيه الذي وصفه الحديث الشريف (العالم العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس).
3- إن الالتفات إلى الواقع الفاسد يشكّل حافزاً للتحرك نحو الإصلاح والتغيير أداءً لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن استشراف المستقبل ووعي متطلباته يشكل حافزاً أكبر وأوسع للعمل الإيجابي، فلا نكرّس كل همنا وشغلنا لتشخيص المشاكل الآنية ومعالجتها وإن كان هذا واجباً عظيماً إلا أنه لا ينبغي إغفال الحافز الآخر.
4- أن يقوم المسلمون في الغرب بكل عمل ينشر الإسلام ويعرّفه للآخرين ويحبّبه إلى الناس.
إن القيام بالمسؤوليات أعلاه يعجّل بالظهور الميمون المبارك ويفتح العالم سلماً ويسلّم الأرض طوعاً إلى الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) ويمهد لدولته المباركة.
([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي(مد ظله) مع حشد من أبناء محافظة البصرة ومدينة الصدر ببغداد بحضور عدد من الكتاب والمثقفين وأساتذة جامعات البصرة وبغداد والنهرين يوم الخميس 1/صفر المظفر/1432 الموافق 6/1/2011.
([2]) و(3) وسائل الشيعة: كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح وآدابه، باب1،ح2، 3.
([4]) و (5) وسائل الشيعة،كتاب النكاح، ابواب مقدمات النكاح وآدابه، باب13، ح2، 4.