خطاب المرحلة (274)... من أسماء الله الحسنى (اللطيف): الخطبة الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم
من أسماء الله الحسنى (اللطيف) (1)
الخطبة الأولى:
من أسماء الله الحسنى (اللطيف) وللاسم عدة مناشئ ذكرناها في حديث سابق، منها بلحاظ صدور اللطف منه واللطف كل ما يقرّب من الطاعة ويبعد عن المعصية وهذا هو شأن الله تعالى مع عباده، قال عز من قائل [وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ] (الحجارت:7).
فاللطف الإلهي محيط بالإنسان من أول الأمر إذ هداه إلى الإيمان وزيّنه له وحبّبه إليه وعرّفه إياه ثم بتيسير أسباب الطاعة وتذليل الصعوبات وإزالة المعوقات ورفده بكل ما يعينه عليها، وبعد ذلك يشكر الله تعالى عبده على ما أدى من عمل صالح ويثيبه عليه فلله الحمد أولاً وآخراً.
وهكذا كل طاعة، والحج منها فقد أذن الله تعالى لكم بالدخول في ضيافته والوفود على بيته المحرم الآمن ثم يسَّر لكم العسير وقرّب إليكم البعيد وطوى لكم المسافات وأعانكم على تأدية المناسك كما أمر وأراد، ثم بعد ذلك يغدق عليكم بالثواب الجزيل الذي لا يقتصر عليكم بل تشمل بركات الحجاج أهلهم وذويهم وقراباتهم وجيرانهم وأصدقاءهم كما دلّت عليه الروايات ومنها ما رواه في ثواب الأعمال بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن الله عز وجل ليغفر للحاج، ولأهل الحاج، ولعشيرة الحاج، ولمن يستغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر)
بل إن الألطاف الإلهية وبركات الحجاج تمتد بتأثيرها إلى ما هو أوسع من ذلك حتى الحمل في بطن أمه ففي الرواية عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنه سمع في يوم عرفة سائلاً يسأل الناس فقال له (ويلك أتسأل غير الله في هذا اليوم وهو يوم يُرجى فيه للأجنّة في الأرحام أن يعمّها فضل الله تعالى فتسعد).
وانظروا في الأحاديث الشريفة لتروا ما أعدّ الله تعالى من الكرامة لحجاج بيته الحرام ففي رواية صحيحة عن محمد بن مسلم عن أحدهما – أي الباقر أو الصادق (عليهما السلام)- قال (ودّ من في القبور لو أن له حجة واحدة بالدنيا وما فيها).
وفي صحيحة صفوان الجمال عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من حجّ حجتين لم يزل في خير حتى يموت) وفي صحيحة منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن حجّ أربع حجج، ما له من الثواب، قال: ( يا منصور: من حجّ أربع حجج لم تصبه ضغطة القبر أبداً، وإذا مات صوّر الله الحجج التي حجّ في صورة حسنة أحسن ما يكون من الصور بين عينيه، يصلي في جوف قبره حتى يبعثه الله من قبره، ويكون ثواب تلك الصلاة له، واعلم أن الركعة من تلك الصلاة تعدل ألف ركعة من صلاة الآدميين).
فيا أيها الإخوة والأخوات لا تتهيبوا أي طاعة ولا تستصعبوها بل أقدموا عليها وأحبّوها وتشوقوا إليها فإنها مهما كانت صعبة فإنها ليست أصعب من الحج الذي يجمع مشاق كل العبادات وقد تكفل الله تعالى بتيسرها وتذليل صعوباتها، وحتى لو لم تتمكنوا من أدائها فإنكم تؤجرون على النية، فقد ورد في الحديث الشريف: أن من نوى العمل الصالح وعمله كتب له عشر حسنات ومن نواه ولم يعمله كتبت له حسنة واحدة.
وكونوا ممن يلبي دعوة الله تعالى إلى الطاعة وامتثلوا قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ] (الأنفال:24) وقوله تعالى [مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ] (الشورى:47)، ولا تلتفوا إلى الشيطان الذي يعمل عكس ذلك فيزيّن المعصية والفسوق ويصعّب الأعمال الصالحة ويجعل أمام الإنسان الاحتمالات والتصورات السيئة ويثير في النفس المخاوف والقلق والمثبطات.
يضرب لنا الله تبارك وتعالى مثلاً من بني إسرائيل لأنحاء من التصرفات إزاء الطاعة قال تعالى حاكياً عن نبيه الكريم موسى (عليه السلام) وقومه [يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ] (المائدة: 21-22).
وهذا هو موقف أغلب الناس مع الأسف، لكن الأرض لا تخلو من المخلصين الصادقين [قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ] (المائدة:23)، فالمطلوب منك الإقدام على الطاعة وعدم التهيب وامتلاك الحزم والشجاعة ودخول الباب كما في الآية وسيمنحكم الله تعالى القوة والغلبة وإنجاز العمل بفضله وكرمه.
ونلفت النظر هنا إلى درس ثانٍ نأخذه من عنوان (اللطيف) وهو أن يكون كلّ منا لطيفاً يقرّب الآخرين للطاعة ويعينهم عليها وييسرها لكم ويهيئ لهم أسبابها كمن يؤذن لإلفات النظر إلى دخول وقت الصلاة ودعوتهم إليها أو يشوّق الآخرين للحضور في المساجد والمشاركة في صلوات الجمعة والجماعة لما فيها من البركات والثواب أو يتبرع بأجور سيارة لنقل الزائرين أو يدفع نفقات حاج أو معتمر أو يسعى لتزويج مؤمن ومؤمنة ونحوها، فإننا قد دُعينا إلى التخلّق بأخلاق الله تعالى والتحلّي بمقدار ما ييسره الله تعالى من أسمائه الحسنى كما ورد في الحديث (تخلّقوا بأخلاق الله) ومن أخلاقه أنه (لطيف) فليكن المؤمن لطيفاً بهذا المعنى فإن درجات الناس تتفاوت يوم القيامة بحسب ما يحققونه في ذواتهم من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا.
([1]) يوم الجمعة 13/ذو الحجة الموافق 20/11/2010 أقام سماحة الشيخ (دام ظله) صلاة الجمعة المباركة الثالثة في مقر إقامته في مكة المكرمة.