خطاب المرحلة (258)... مائدة شعبان

| |عدد القراءات : 4805
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

مائدة شعبان[1]

ورد في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (هذا يوم غرّة شعبان الكريم سمّاهُ ربّنا شعبان لتشعّب الخيرات فيه، قد فتح ربّكم فيه أبواب جنانه وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص الأثمان وأسهل الأمور)[2]، وفي نفس الرواية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: (فقولوا الحمدُ لله ربّ العالمين على ما فضّلكم به من شهر شعبان) إذن سُمّيَ هذا الشهر (شعبان) لتشعب الخيرات فيه من لدن الله تبارك وتعالى ويصفه الإمام السجاد (عليه السلام) في صلواته الشعبانية بقوله (وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدأب في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه بُخوعاً لك في إكرامه وإعظامه إلى محل حِمامِه).

وتشعب الخيرات يمكن ان يكون له أكثر من معنى.

الأول: إيجاد أسباب للخير خاصة بهذا الشهر الشريف وهو صحيح ويكفيه شرفا أن فيه ليلة تضاهي ليلة القدر و هي النصف منه، في أمالي الشيخ الطوسي عن الصادق (عليه السلام) قال: (سُئل الباقر (عليه السلام) عن فضل ليلة النصف من شعبان فقال: هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها فإنّها ليلة آلى الله تعالى على نفسه أن لا يردّ سائلاً له ما لم يسأل معصيةً، وإنّها التي جعلها الله لنا أهل البيت بأزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا، فاجتهدوا في الدعاء والثناء على الله تعالى فإنه من سبّح الله تعالى فيها مائة مرة وحمده مئة مرة وكبّره مئة مرة غفر الله تعالى ما سلف من معاصيه وقضى له حوائج الدنيا والآخرة)[3].

مع تضمن هذا الشهر المبارك لمناسبات جليلة تتجدد فيها أفراح النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعترته ومواليه بمواليد الأئمة الأطهار الإمام الحسين (عليه السلام) والإمام السجاد (عليه السلام) ومنقذ البشرية الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهذه المناسبات تكون سبباً لإفاضة الخيرات.

وفيه أيضا أعمال مخصوصة من أدعية ومناجات وزيارات ،فهذه كلها أسباب لتشعب الخيرات خاصة بهذا الشهر.

ومن موارد تلك العطايا الخاصة ما ورد في كامل الزيارة في فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان عن علي بن الحسين وعن الإمام الصادق (عليهما السلام) قالا: (من أحبّ أن يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) في النصف من شعبان فإنّ ارواح النبيين يستأذنون الله تعالى في زيارته فيُؤذن لهم منهم خمسة أولوا العزم)[4].

الثاني: أن الإنسان يوفق فيه إلى الطاعات أزيد مما يوفق إليها في غيره من الشهور فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (وإنّما سُمّيَ شعبان لأنّه يتشعّب فيه أرزاق المؤمنين) وفي الرواية السابقة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (وإنّ الله عزّ وجل يبثّ ملائكته في أقطار الأرض وآفاقها يقول لهم سدّدوا عبادي وأرشدوهم وكلّهم يسعد بكم إلاّ من أبى وتمرّد وطغى فإنه يصير في حزب إبليس وجنوده، وفي نفس الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يشرح معنى تشعّب الخيرات فيه، قال (عليه السلام): (وشعب خيراته الصلاة والصوم والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبرّ الوالدين والقربات والجيران وإصلاح ذات البين والصدقة على الفقراء والمساكين) فالصلاة و الصوم و الصدقة والبر بالوالدين وصلة الرحم وقضاء حوائج المؤمنين و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها كثير كلها طاعات ومستحبة في جميع الأزمنة لكن اندفاع الإنسان للقيام بها يكون في هذا الشهر أزيد بما لا يقاس به غيره، مما يعني ان هذا الشهر كان سبباً للتعرض لتلك الخيرات الموجودة أصلاً.

الثالث: إن الأجر الذي يعطى للعاملين في هذا الشهر يكون أزيد مما يعطي لهم في غيره من الشهور على نفس الأعمال ، فالصوم حسن في كل زمان إلا انه في شعبان أحسن، ففي رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال (وهو شهرٌ العمل فيه مضاعف، الحسنة بسبعين والحسنة مقبولة والجبّار جلّ جلاله يباهي فيه بعباده وينظر صوّامه وقوّامه فيباهي بهم حملة العرش[5] وفي عيونا أخبار الرضا (عليه السلام) عنه (عليه السلام): (من استغفر الله تعالى في شعبان سبعين مرّة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل عدد النجوم، وروي: إنّ من استغفر في شعبان كلّ يوم سبعين مرة كان كمن استغفر في غيره من الشهور سبعين ألف مرّة، قيل: فكيف أقول؟ قال: قُل أستغفر وأسأله التوبة)[6]  والصلاة حسنة في كل زمان إلا أنها في شعبان أحسن، وهكذا كل الأعمال الصالحة الأخرى وتفاوت الدرجات يوم القيام إنما يكون بحسب حسن العمل قال تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (الملك /2).

الرابع: إنّ خيرات وبركات شهر الله الأكبر شهر رمضان تتفرّع وتتشعّب من هذا الشهر الشريف لأنّ الأعمال التي قرّرت في شعبان تُؤهل لضيافة الله تعالى في شهر رمضان، وكلّما كان الإستعداد أفضل في شهر شعبان كان فوزه أكمل في شهر رمضان، لذا قُرن بين الشهرين في روايات المعصومين (عليهم السلام) ففي ثواب الأعمال عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال (صومُ شعبان وشهر رمضان واللهِ توبة من الله) وروى علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله في شهري شعبان ورمضان (هما شهرا الله هما كفّارة ما قبلهما وما بعدهما)[7].

وهذه المعاني كلها متحققة في شعبان ، فالإنسان الساعي نحو الكمال يعمل لتحصيلها جميعا ، ومن أتى بأي شعبة من شعب الخير هذه يكون قد تعلق بغصن من أغصان شجرة طوبى كما ورد في الرواية الشريفة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (وانّ الله عزوجل اذا كان اوّل يوم من شعبان يأمر باب الجنّة فتفتح، ويأمر شجرة طوبى فتدني أغصانها من هذه الدّنيا، فتعلّقوا بها لترفعكم إلى الجنّة، وهذه أغصان شجرة الزّقوم فإيّاكم وايّاها لا تؤديكم إلى الجحيم.

قال : فو الذي بعثني بالحقّ نبيّاً انّ من تعاطى باباً من الخير في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة طوبى فهو مؤدّيه إلى الجنّة، وانّ من تعاطى باباً من الشرّ في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة الزّقّوم ، فهو مؤديّه إلى النّار ، ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فمن تطوّع لله بصلاة في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن، ومن صام في هذا اليوم تعلّق منه بغصن، ومن أصلح بين المرء وزوجه، والوالد وولده، والقريب وقريبه، والجار وجاره، والأجنبيّ والأجنبيّ، فقد تعلّق بغصن منه، ومن خفّف عن معسر من دَينه، أو حطّ عنه فقد تعلّق منه بغصن، ومن نظر في حسابه فرأى دَيناً عتيقاً قد أيس منه صاحبه فأدّاه فقد تعلّق منه بغصن، ومن كفل يتيماً فقد تعلّق منه بغصن، ومن كفّ سفيهاً عن عِرض مؤمن فقد تعلّق منه بغصن، ومن تلا القُرآن أو شيئاً منه فقد تعلّق منه بغصن، ومن قعد يذكر الله ونعماءه ليشكره فقد تعلّق منه بغصن، ومن عاد مريضاً فقد تعلّق منه بغصن، ومن برّ فيه والديه أو أحدهما في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن، ومن كان أسخطهما قبل هذا اليوم فأرضاهما في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغُصن، وكذلك من فعل شيئاً من سائر أبواب الخير في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن، ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (والذي بعثني بالحقّ نبياً وإن من تعاطى باباً من الشر والعصيان في هذا اليوم فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقّوم فهو مؤديه إلى النار) [8] ثمّ ذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) أمثلة لذلك من ضيّع فريضته كالصلاة والصوم أو فرّق بين اثنين أو شدّد على معسر في أداء الدين، أو قصر في قضاء حوائج الناس ومساعدة فقرائهم من غير عذر وهو قادر على ذلك، إلى أن قال (صلى الله عليه وآله) (ومن قعد يعدد قبائح أفعاله في الحروب وأنواع ظلمه لعباد الله فيفتخر بها فقد تعلق بغصن منه ، ومن كان جاره مريضا فترك عيادته استخفافا بحقه فقد تعلق بغصن منه ، ومن مات جاره فترك تشييع جنازته تهاونا به فقد تعلق بغصن منه ، ومن أعرض عن مصاب وجفاه إزراء عليه واستصغارا له فقد تعلق بغصن منه ، ومن عق والديه أو أحدهما فقد تعلق بغصن منه ومن كان قبل ذلك عاقا لهما فلم يرضهما في هذا اليوم ، وهو يقدر على ذلك فقد تعلق بغصن منه ، وكذا من فعل شيئا من سائر أبواب الشر فقد تعلق بغصن منه .

وفي ضوء هذا لا نستطيع تقديم طاعة على طاعة فكلّها لها أجرها وثوابها، وإن كان الصوم هو الأبرز كالصلاة والدعاء والاستغفار ووردت في ذلك روايات كثيرة فعن صفوان الجمّال قال (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) حثّ في ناحيتك على صوم شعبان)، وفي كتاب ثواب الأعمال بسنده عن إسماعيل بن عبد الخالق قال (جرى ذكر شعبان عند أبي عبد الله (عليه السلام) وصومه قال: فقال: إنّ فيه من الفضل  كذا وكذا وفيه كذا وكذا حتّى إنّ الرجل ليدخل في الدم الحرام فيصوم شعبان فينفعه ذلك ويغفر له).[9]

فهذه هي مائدة شعبان التي أعدّها الله تبارك وتعالى ولو نظرت حولك وفي داخلك لوجدت ما لا يعد ولا يُحصى من الخيرات وسبل الطاعة الموصلة إلى رضا الله تبارك وتعالى بعكس ما يصوّر البعض من امتلاء الدنيا والناس بالفساد والمعصية، وهذا صحيح لكنك انظر إلى العالم الأول لا الثاني. كمن ينظر من خلال عدسة بيضاء شفافة فانه يرى الدنيا منيرة مشرقة، وآخر ينظر إليها من خلال عدسة سوداء قاتمة فيراها مظلمة، بل يستطيع الإنسان أن يجعل من نفس دنيا الفساد والمعصية والانحراف ساحة للطاعة من خلال ممارسة الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والهداية إلى الحق وغلق منافذ الفساد وأدواته.

إن نفس وجود هذا العدد من الشباب الرساليين العاملين في ناحية من نواحي محافظة الناصرية لهو دليل على سعة مساحة الخير وأهله، في حين مرّ على الأئمة (سلام الله عليهم) وأصحابهم دور لم يستطيعوا فيه كسب واحد إلى ولاية أهل البيت (عليهم السلام) كما يظهر من بعض الروايات.

فعلى الإنسان العاقل أن يغتنم وجود هذه الـشعب من الخيرات والأغصان المتدلية من شجرة طوبى ليجتني من ثمارها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا يزهد في شيء منها فانه لا يعلم أيها أكثر سبباً للقرب من الله تبارك وتعالى.

فهذه هي مائدة شعبان التي أعدها الله تبارك وتعالى لعباده في هذا الشهر الشريف فأين منها المائدة التي طلبها الحواريون من النبي الكريم عيسى روح الله (عليه السلام) (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِين، قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (المائدة: 112-114)

فقارنوا بين الموقفين وبين المائدتين، تلك مائدة طلبها الحواريون اختباراً لصدق نبيهم ومائدة شعبان انزلها الله اختياراً، وتلك مائدة مادية تنفد ولا تبقى ومائدتكم معنوية باقية خالدة، وهذا كله تشريف من الله تعالى لنبينا محمد (صلى الله عليه وآله) وتكريم وتبيان لشرفه وفضله، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون من أعظم المستحبات في هذا الشهر الإكثار من الصلوات على النبي وآله (صلى الله عليهم أجمعين) ووردت في ذلك صلوات شعبانية عن الإمام السجاد (عليه السلام) وهي التي أولها (اللهم صل على محمد وآل محمد شجرة النبوة...) إلى آخر الدعاء لأنه الواسطة في هذا الفيض الإلهي المبارك.

ودع عنك إشكال بعض المهرّجين في الفضائيات على الشيعة بأنهم يتوسلون إلى الله تعالى بالنبي وآله (صلوات الله وسلامه عليهم) والله لا يحتاج إلى واسطة ولماذا لا يسألون –أي الشيعة- الله تبارك وتعالى مباشرة؟ ونحوها من الإشكالات التي لا قيمة لها لأنهم لو رجعوا إلى مصادرهم فضلاً عن مصادرنا لوجدوا مشروعية هذا التوسل بل استحبابه فإن الله تعالى يحبُّ أن يسأل ويحبّ أن يتوسّل إليه بمن اصطفاهم من عباده ليفيض من خلالهم على عباده بالعطاء لا لأنه يحتاج إلى واسطة فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولكن ليظهر شرف وفضل وكرامة هؤلاء المصطفين الأخيار الأطهار.

ولنسأل هؤلاء المهرّجين: أليس الله بقادر على أن ينزل شرائعه وأحكامه إلى صدور عباده وقلوبهم وعقولهم بأي وسيلة من دون حاجة إلى توسيط الأنبياء والرسل (عليهم السلام) فلماذا يتخذ هؤلاء الوسائط؟

فكما أن الحكمة الإلهية اقتضت توسيط الأنبياء في الفيض التشريعي كذلك فإنها اقتضت التوسيط في الفيض التكويني بلا فرق بينهما، لو كان يعقل هؤلاء المتحجرون.

وهنا نشير إلى وجه من معاني الحديث الوارد بأن شهر رجب شهر أمير المؤمنين (عليه السلام) وشهر شعبان شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشهر رمضان شهر الله تبارك وتعالى، أي أن جملة من الخيرات والألطاف الإلهية التي يفيضها الله تعالى على عباده في رجب هي من بركات الإمامة، وجملة منها في شعبان هي من بركات النبوة الخاتمة، أما شهر رمضان ففيه ألطاف إلهية أوسع من ذلك كله.

ولذلك ورد عن الصادق (عليه السلام) (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا رأى هلال شعبان أمر منادياً ينادي في المدينة: يا أهل يثرب: إني رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليكم، ألا أن شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري)[10]

وإعانته (صلى الله عليه وآله) تكون بإتباعه والسير على هداه ليتعرضوا بذلك لتلك النفحات الإلهية الخاصة التي تفاض بسبب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينالها من تعرض لها ويزداد بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) سروراً ورفعة لأنه السبب فيها ولا تتحقق هذه الإعانة الا بإعانة الله تعالى وتوفيقه، والتزاماً بذلك فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله (ما فاتني صوم شعبان مذ سمعت منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينادي في شعبان فلم يفوتني أيام حياتي صوم شعبان إن شاء الله) مع ملاحظة قابلية كل إنسان الجسمية والنفسية، فلا يضر بصحته ولا يسبّب ثقلاً على نفسه تجعله يكره الطاعة، والمهم أن يتحقّق معنى إعانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) على شهره ولو بصوم الأيام المخصوصة (الأول والثالث والأيام البيض وآخر ثلاثة أيام).

وإنّ إعانة رسول الله على شهره لا تختص بالصوم فقط، قال الإمام السجاد (ع) في الصلوات الشعبانية (اللهم فأعنّا على الاستنان بسنته (صلى الله عليه وآله) فيه ونيل الشفاعة لديه، اللهم وأجعله لي شفيعاً مشفّعاً وطريقاً إليك مهيعا – أي واسعاً بيّنا- واجعلني له متبعا) إلى آخر الدعاء، فلا تُنال تلك البركات المحمدية إلا بإتباعه والأخذ بسنته بتوفيق الله تبارك وتعالى.

وقد بيّن الدعاء جملة من تلك السنن والأسباب إلى الخير ومنها قوله (عليه السلام) (وارزقني مواساة من قتّرت عليه من رزقك بما وسّعت عليّ من فضلك) والفضل مطلق لا يختص بالمال فقد يكون للبعض فضل من جاه أو فضل من قوة بدنية أو فضل من موقع متنفذ أو فضل من علم ومعرفة أو فضل من أخلاق أو غيرها مما وسّع الله تعالى بها على عباده فليواسي بها الآخرين المحرومين من ذلك الفضل، فمن كان له فضل من مال فليوسّع على الفقراء المحتاجين، ومن كان له فضل من علم فليبذله لمن يجهلونه، ومن كان عنده فضل من أخلاق فليسع الآخرين بأخلاقه ويأخذ بأيديهم لإصلاح ما بهم، ومن كان له فضل من قوة فليُعنِ الآخرين وهكذا.

وأنتم بفضل الله تبارك وتعالى من السائرين على هذا الطريق المبارك فمنكم من انضمّ إلى مؤسسة قرآنية لنشر هذه المعارف الجليلة، ومنكم من انضم إلى مؤسسة إنسانية لمساعدة المحتاجين والمحرومين، وبعضكم انضمّ إلى مؤسسة علمية ثقافية لتوعية المجتمع وتثقيفه، وهذه كلها من شعب الخير والاستنان بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فطوبى لكم.

ويعلّم الإمام الرضا (عليه السلام) شيعته أن تزداد همّتهم للطاعة في الأيام الأخيرة من شعبان ليتداركوا ما فات من الشهر وليحظوا بضيافة الله تبارك وتعالى في شهر رمضان على أحسن وجه، في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) روى أبو الصلت الهروي خادم الإمام (عليه السلام) قال: دخلتُ دخلت على أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام في آخر جمعةٍ من شعبان فقال لي: يا أبا الصلت إنَّ شعبان قد مضى أكثره، وهذا آخر جمعة منه فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه، وعليك بالإقبالِ على ما يعنيك وترك ما لا يعنيك، وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله عليك وأنت مخلصٌ لله عزَّ وجلَّ، ولا تدعن أمانة في عنقك إلَّا أدَّيتها، ولا في قلبك حقداً على مؤمن إلَّا نزعته، ولا ذنباً أنت ترتكبه إلَّا أقلعت عنه، واتّق الله وتوكَّل عليه في سرائرك وعلانيَّتك ? وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا>، وأكثر من أن تقول فيما بقي من هذا الشهر: " اللهمََّّ إن لم تكن غفرت لنا فيما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه، " فإنَّ الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقاباً من النَّار لحرمة شهر رمضان)[11]



[1] من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي(دام ظله) مع وفد شبابي من ناحية الفهود في محافظة الناصرية ضم مؤسسة العلم نور الطلابية ومؤسسة الرحمة الإنسانية وموكب الإمام الصادق(عليه السلام)، يوم الاربعاء 1/شعبان/1431 المصادف 14/7/2010، وقد أعاد سماحته تسجيله لقناة النعيم الفضائية في شعبان 1434 الموافق حزيران 2013.

[2] بحار الأنوار: 97/ 55 عن تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) وورد هذا المعنى في رواية أوردها الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2/ 71.

[3] سفينة البحار: 4/ 439.

[4] سفينة البحار: 4/ 439.

[5] بحار الأنوار: 97/ 69.

[6] سفينة البحار: 4/ 440.

[7] بحار الأنوار: 97/ 80.

[8] بحار الأنوار: 97/61-62.

[9] بحار الأنوار: 97/74 ح22 عن ثواب الأعمال: 88.

[10] راجع مفاتيح الجنان- أعمال شهر شعبان ورواها عن الشيخ الطوسي (قدس الله سره).

[11] بحار الأنوار: 97/73.