خطاب المرحلة (251)... وقائع اليوم تصدق ما حصل بالأمس

| |عدد القراءات : 2718
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

وقائع اليوم تصدق ما حصل بالأمس(1)

 حينما يعرض الخطباء أو الكتاب قضية الزهراء (عليها السلام) وما جرى عليها من مظالم، ينكرها الآخرون ويقولون ليس من المعقول أن يقوم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتلك الأفعال النكراء، وكيف يقف أمير المؤمنين (عليه السلام) مكتوف اليد وهو  يرى عقيلته بضعة النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) يجري عليها ذلك.

وحينما نقول إن الأمة انقلبت على أعقابها بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلّفت وصيته في أمير المؤمنين وراء ظهرها ولم يثبت عليها إلا ثلة قليلة بعد أن بايعه سبعون ألفاً منهم في غدير خم قبل  وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) بشهرين وعشرة أيام، يقولون: هذا غير ممكن صدوره فهذه الوصية غير صحيحة.

وحينما نقول أن الإمام الحسن(عليه السلام) اضطر لتوقيع عقد صلح مع معاوية لخذلان أصحابه وقادة جيشه وعلى رأسهم ابن عمه عبيد الله بن العباس بن عبد المطّلب الذي خان الإمام وترك قيادة الجيش والتحق بمعاوية قاتل ولديه بثمن دفعه إليه. يقولون: هذا غير معقول فلعلكم تخلقون المبررات لما قام به الإمام الحسن (عليه السلام).

وحينما نستعرض الفضائح التي ارتكبها الجيش الأموي في  معركة كربلاء والجرائم التي لا تصدر من بشر كمنعهم الماء وحرق الخيام وترويع النساء وقتل الأطفال حتى الرضع ورض أجساد الشهداء الطاهرة بحوافر الخيل، يقولون: هذا من نسج خيال الخطباء الخصب لاستدرار العواطف والدموع وتحشيد الموالين.

وهكذا غيرها مما رواه المؤرخون لنا، وأقول لهم في الجواب، دعونا من إقامة الأدلة على صحة هذه الحوادث التي لا مسوّغ لإنكارها إلا استبعاد صدورها، وخذوا من وقائع اليوم في عراق التضحية والحرمان شواهد على صدق ما حصل.

ألم يقم الإرهابيون من تكفيريين وصداميين بقتل الأبرياء العزّل والتمثيل بجثثهم ولم يرحموا صغيراً ولا امرأة؟

ألم ينتهك الصداميون كل الحرمات والبيوت المقدسة والتي أذن الله لها أن ترفع ويذكر فيها اسمه؟ فقتلوا  مراجع الدين والعلماء والفضلاء وخيرة الشباب وفجّروا العتبات المقدسة  وعطّلوا المساجد واحرقوا المصاحف؟

ألم يتنكر السياسيون للأمانة التي حمّلها إياهم الشعب، ويخونوا مرجعيتهم التي أوصلتهم إلى المواقع التي يتنعمون بها بامتيازاتها ثم تنكّروا للمرجعية والشعب وعصوها وأداروا لها ظهورهم وانقلبوا على أعقابهم ولم يصغوا إلى توجيهاتها ونصائحها؟

ألم ينقلب على وصية السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في تعيين المرشح الوحيد الذي يقود الحوزة من بعده ويقود المجتمع كله، لأن الحوزة هي من تقود المجتمع، وقد سمعوا وصيته بآذانهم وحضروا ذلك المجلس أو استمعوا إلى تسجيله الصوتي؟

فلماذا نستغرب ما حصل؟ ولماذا نستبعد حصوله؟ وها هي وقائع اليوم تصدّق ما حصل بالأمس.

بل هكذا في كل جيل وفي كل عصر، ما دامت النفوس الأمارة بالسوء والمتّبعة للأهواء والمطامع هي المتحكمة في تفكير هؤلاء وسلوكهم وهي تقودهم، وسيجد كل من كان كذلك عن قريب مغبَّة فعله، قال الإمام الحسين (عليه السلام) (إن الدنيا دار بلاء وزوال، متغيرة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته والشقي من فتنته).

من حقكم –أيها المؤمنون الثابتون على ما هداكم الله تعالى إليه- أن تفرحوا بفضل الله وبنعمته إذ ثبتت أقدامكم بعد أن زلت أقدام كثيرين ممن يدّعون تأريخاً حافلاً ويجدون في أنفسهم رموزاً، ويرون فيكم ناساً بسطاء لا تضاهوهم في مكانتهم، لكن تصرفاتهم تلك تكشف زيف دعاواهم، وأنكم أنتم أهل الحظوة  والكرامة، فالمقياس الحقيقي للكمال والقرب من الله تعالى هي التقوى [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ].

يروى باختصار أن يهودياً كان يتعاطى الصياغة في بلدٍ مسلم، فضاعت منه خواتم ثمينة، فجاء إلى عالم المدينة- باعتباره الزعيم المتنفّذ فيها- وأعلمه بالأمر وطلب مساعدته في العثور عليها، وقام العالم بدوره بإعلام الناس وإنّ من عثر على الخواتم فليجلبها إليه، وبينما هو في مجلسه إذ دخل عليه رجل بسيط رث الثياب وقدّم إليه الخواتم، فأكبر العالم في نفسه أمانة الرجل لكنه أراد أن يمتحنه فسأله عن عمله ومقدار كسبه فوجده لا يكاد يكفي لسد رمقه وعائلته فقال له: هلاّ تصرّفت بالخواتم حيث لا يعلم أحد بأنك وجدتها، وإن واحداً منها يكفي ثمنه لتحسّن وضعك المعاشي، ومالكها رجل غير مسلم؟ فقال الرجل - وهو يظن أن العالم جادٌ بعرضه ذاك-   ما كنت أظنك تقول مثل هذا الكلام! أتريد أن يدخل الحياء والخجل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة حينما يقول له النبي موسى (عليه السلام) أمام الملأ : إن رجلاً من أمتك سرق خواتم من رجل من أمتي! فبماذا أجيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

إن هذا الرجل البسيط بالمقاييس الدنيوية أكرم عند الله تعالى من الذين يتلبسون بالدين وينتسبون إليه ويتبجحون بأوصاف أضفوها على أنفسهم ثم يتنكرون لشعبهم الذي مكّنهم من مقاليد الأمور وانهمكوا في مصالحهم وأنانيتهم. 



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من أبناء مدينة كربلاء المقدسة وغيرها زاروا سماحته يوم السبت 7 ج2 1431 المصادف 22/5/2010 بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لإعلان  السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وصيته بأن يمسك  الشيخ اليعقوبي الحوزة من بعده في لقائه (قدس سره) مع طلبة جامعة الصدر الدينية في النجف الأشرف يوم 5 ج2 1419.