خطاب المرحلة (244)...الجاه نعمة يُسأل عنها الإنسان

| |عدد القراءات : 2161
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

الجاه نعمة يُسأل عنها الإنسان ([1])

 يظنُّ أكثر الناس أن الرزق هو خصوص المال، وربما بالغ بعضهم فاعترض وسخط لأنه لم يرزق المال الذي يريده، ولا شك إن المال من أعظم الرزق، لان الإنسان يستطيع بالمال أن يقضي حوائجه ويحفظ كرامته، ويستثمره في الكثير من فرص الطاعة لله تبارك وتعالى كالحج والعمرة وزيارة العتبات المقدسة وأداء الحقوق الشرعية ومساعدة الناس وغيرها.

لكن معنى الرزق أوسع من ذلك، وإن بعضه مادي وبعضه معنوي ، من الأرزاق المعنوية : نعمة الإسلام وولاية أهل البيت (عليهم السلام) والالتزام بالدين والزوجة الصالحة والذرية الطيبة وغيرها كثير، ومن الرزق الجاه الاجتماعي والسمعة الطيبة والقدرة على التأثير على الآخرين وإقناعهم.

وهذا رزق عظيم لا يقل تأثيره عن المال، ويستطيع صاحبه فعلاً أن يوظفه في كثير من الطاعات التي لا يتمكن غيره من أدائها، كالإصلاح بين الناس الذي هو أفضل من عامة الصلاة والصيام  بحسب ما روي في بعض الأحاديث الشريفة، وكالسعي لقضاء حوائج الناس لدى المسئولين أو المتنفذين ولو جاء غير ذي الجاه بها لما وجد من يستمع إليه، وكالتوسط في تزويج المؤمنين الذي هو أعظم بناء في الإسلام كما في الحديث الشريف، أو حلّ الخصومات واستنقاذ الحقوق لأهلها وغيرها من القربات العظيمة عند الله تبارك وتعالى.

وقد منّ عليكم بهذه النعمة باعتباركم زعماء عشائر ووجهاء في مجتمعكم كما منّ به على الحوزة العلمية الشريفة حيث يتمتع العالم الديني بمثل هذا الجاه.

وهذه النعمة يُسأل عنها الإنسان، كما يسأل عن المال : مم أكتسبه وفيم أنفقه، قال تعالى [ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ] (التكاثر: 8) وهو كل ما أنعم به الله تبارك وتعالى على الإنسان لذا ورد في الحديث الشريف (الولد نعمة يُسأل عنها الإنسان) والجاه نعمة فيسأل الإنسان عنه نُقل أن أحد العلماء شوهد متألماً ساعة احتضاره، فقيل له لماذا أنتم متألم ولم تدّخر مالاً أو علماً إلا أنفقته في سبيل الله تعالى، قال نعم. ولكن عندي جاه أيضا وأخشى ألاّ أكون قد بذلت كل جاهي في سبيل الله تعالى.

إن هذا السؤال وهذه المسؤولية تدفع الإنسان للتفكير ملياً في ما يستخدم فيه جاهه، فقد يُحسِن في استعماله كما في الموارد التي ذكرناها، وقد يُسيء كما سمعنا في الانتخابات الأخيرة أن بعضاً من زعماء العشائر والوجهاء بذلت لهم أموال للتصويت لأشخاص أو جهات فاسدة أساءت إلى الشعب ولا يُرجى منها الخير، من دون الالتفات إلى أن الصوت أمانة ومسؤولية لان الناخب عندما يصوّت إلى شخص فهو شريك له في إحسانه إن أحسن، وإساءته - والعياذ بالله-  إن أساء لأنه هو وغيره ممن صوّتوا له أجلسوه في هذا المجلس.

ومثل الجاه أيضاً في النعم : القدرة على التأثير على الآخرين وإقناعهم، وهذه نعمة لان صاحبها يستطيع أن يوفّّر بقدرته هذه جهود كبيرة ووقتاً كثيراً ويحقّق ما لا يستطيع أن يحقق غيره. وقد جربتم انتم كزعماء عشائر ووجهاء تأثير الإنسان المتكلم الذي يستطيع أن ينتزع من الأخر الحق الذي يريد.

وهكذا يجب على الإنسان أن يكون دقيقاً في تصرفاته وملتفتاً إلى عناصر القوة التي زودّه الله تبارك وتعالى فإن الغافل يتورط في معصية الله تبارك وتعالى من حيث يشعر ومن حيث لا يشعر، والله الهادي إلى سواء السبيل.



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من زعماء عشائر ووجهاء ونخبة من المثقفين في منطقة الحسينية -  الراشدية في بغداد يوم السبت 24 ربيع الثاني 1431هـ المصادف 10/4/2010.