خطاب المرحلة (242)...لا تنسوا الغاية في كل الحالات

| |عدد القراءات : 1884
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

لا تنسوا الغاية في كل الحالات ([1])

 القرآن الكريم رسالة هداية وإصلاح وتكامل من الله تبارك وتعالى إلى خلقه، فما أحرى بالعباد أن يطيلوا النظر والتعمق والتأمل والإعادة في سطور هذه الرسالة الصادرة من الحبيب جل وعلا.

ومن دروس القران الكريم ما أدب به نبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله) في سورة النصر، حيث أن للنصر نشوة وسكرا تتبعها غفلة وانسياقاً وراء نزوات النفس وشهواتها خصوصا في مثل النصر الذي تحقق لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على طواغيت قريش ودخل مكة فاتحا منتصرا وأذعنت له جزيرة العرب، فماذا كان التوجيه الذي صدر من الله تبارك وتعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله) وهو في ذروة ذلك النصر [فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاستَغفِرهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّاباً]. أن تسبح الله وتنزهه عن كل ما يخالط النفس من أهواء ونزوات وشياطين تطاع من دون الله، وان تحمد ربك الذي ما أصابك من خير إلا بلطفه ورعايته، واستغفره من كل ما خالطك من غفلة أو شعور بالزهو والخيلاء، واعتقاد بأن لك يداً في تحقيق النصر أو ما صادف من تصرف لا يليق بالعبد في محضر ربه المتعال.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله الذي  يقول (أدبني ربي فأحسن تأديبي) في مستوى ما يريده الله تبارك وتعالى منه، ففي الروايات انه صلى الله عليه واله دخل مكة وقد طأطأ رأسه الشريف حتى يكاد يلصق برحله تواضعا لله تبارك وتعالى وامتناناً لفضله واحتراما لبيته وخشية منه تبارك وتعالى.            والقاسم المشترك لكل هذه التوجيهات هو أن تتذكر الهدف والغاية الحقيقية التي خلقت لأجلها، ولا يشغلك شيء عنه مهما كان ذلك الشيء مهماً وعظيما كالنصر المؤزر على الخصوم، لأن قيمة ما تناله من الأشياء إنما تكون بمقدار ما تؤدي إلى تلك الغاية وهو رضا الله تعالى والقرب منه والزلفى لديه.

أما الغافلون عن ذلك الهدف فتراهم سادرين في غيّهم فرحين بما لا يدوم لهم بل يكون وبالاً عليهم، وربما ساقهم ذلك إلى التنافس غير الشريف والصراع المحموم الذي تنتهك فيه  الحرمات ويُعتدى خلاله على المقدّسات ويُظلم الأبرياء، وهذا هو شأن الفريقين، فريق يعمّر دار  آخرته ويوظف كل ما عنده لإعمار حياته الباقية، وآخر يعمّر دار فنائه التي وصفها الإمام الحسين (علي السلام) بأنها دار بلاء وزوال متغيرة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته والشقي  من فتنته.

ويشبّه بعض الأخلاقيين حال الفريقين بصورتين من السجناء الذين تدفع لهم الحكومات عادة مبالغ يسيرة أو كبيرة كمصروف جيب، فمنهم من يصرف منها بمقدار الضرورة على نفسه ويرسل الباقي مع  أهله عندما يأتون لمواجهته ليشتروا له داراً  أو يفتحوا له مشروعاً تجارياً ينفعه عند خروجه من سجنه ويصرف منه على أهله فعندما يخرج يجد له وضعاً مريحاً ويبدأ بحياة سعيدة، وفريق آخر من السجناء يصرف كل ما يأتيه على  إعمار موضعه من السجن  وتزيينه ووضع النقوش عليه وفجأة يقال له أخرج من السجن  فلا يجد أمامه شيئاً يمكن أن يبدأ به حياته فيندم على ما ضيّع من أموال وجهود على شيء لا يدوم له.

وهكذا نحن في هذه الدنيا، فإنها سجن للبشر لا بد أن يتحرّر منه الإنسان في يومٍ ما ويموت وينتقل إلى العالم الآخر [وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ] [وَتَزَوَّدُواْ فإن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ] وقد ضرب الله تبارك وتعالى لنا في القرآن الكريم الكثير من الأمثلة، وحث على التدبر فيها والتأمل في حقائقها، ومن فائدة الأمثال أنها تقرّب الفكرة وتقنع الإنسان بها لأنسه بالصورة المحسوسة عنده.

فالإنسان المغرور الذي يقول (أنا ربكم الأعلى) ويعتقد أنه قادر على فعل ما يريد ويعيش نشوة السلطة وسكر الجاه والقوة وكثرة الأتباع، ولا يقتنع بحقيقته العاجزة القاصرة التي لا تملك ضراً ولا  نفعاً، ولكن إذا ضرب له مثل لضعفه وعجزه [يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ] (الحج:73) فإنه يصحو من غروره وجهله ويذعن إلا من يجحد الحقائق، وقد استيقنت بها أنفسهم ظلماً وعتوّا.

ومما يضرب به الأخلاقيون من أمثال لحقيقة الفريقين الذين ذكرناهما، بشخصين كتب عليهما السفر لأداء فريضة الحج واتخذا راحلتيهما للسفر، فواحدٌ جهّز راحلته بما يحتاج لسفره وحينما حان وقت السفر خرج إلى مقصده فوصل وأدى ما عليه وبلغ أمنيته، وآخر انشغل بتزيين دابته والاعتناء بها وبمظهرها حتى فاته وقت السفر وفاتته  الرحلة، فانشغل بالوسيلة عن الهدف.

هذه الأمثلة قد تبدوا غريبة لكنها حاكية بدقة عن واقع الناس اليوم فهم ينشغلون بالوسائل التي مكنّهم الله تبارك وتعالى منها كالمال والجسد ويغفلون عن الهدف الذي خلقوا من أجله وهو رضا الله تبارك وتعالى، فلا بد من اليقظة من الغفلة، ولا بد من المعرفة ومن المراقبة ومن الموعظة المستمرة، ونشر هذه المواعظ والمعارف في المجتمع خصوصاً من قبل الفضلاء والمبلّغين  وأئمة الجماعة وخطباء الجمعة والمنبر، و المثقفين الرساليين، والله الهادي إلى سواء السبيل.



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي يوم 29  ربيع الأول 1431هـ المصادف 13/3/2010 م مع حشد من أبناء المرجعية جاؤوا للتعبير عن سرورهم بفوز مرشحيهم بالانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت يوم 7/3/2010.