خطاب المرحلة (226)... لا يحقّ للشباب الرسالي أن يخلّفوا الحوزة العلمية وراء ظهورهم

| |عدد القراءات : 1953
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save


بسم الله الرحمن الرحيم

لا يحقّ للشباب الرسالي أن يخلّفوا الحوزة العلمية وراء ظهورهم ([1])

أثرنا أكثر من مرة سؤالاً: ما الذي يقرّبنا من الإمام المنتظر (أرواحنا له الفداء )؟ وما الذي يساعد على تعجيل ظهوره الميمون؟

وقد أجبنا بعدة وجوه بحسب ما تقتضيه المناسبة.

ويمكن الجواب باختصار فيقال: كن صالحاً وهو جواب صحيح ولكنه مختصر لا يلبي حاجة السائل لأننا نعرف جميعاً أن هدف بعثة آلاف الأنبياء والأوصياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) والعلماء على آثارهم إنما هو هذا [إنْ أُرِيدُ إلا الإصْلاحَ مَا استَطَعتُ] فلا بد أن يتقدم المجيب خطوة في التفصيل، وهنا يقول علماء الأخلاق: إن عملية الإصلاح والوصول إلى النتائج المرجوّة تتضمن محاور ثلاثة (التخلية، التحلية، التجلية) والأولان يتناولهما علم السير والسلوك والأخلاق والثالث يتناوله العرفان.

ونحن إنما يهمّنا عملياً علم السلوك لأنه الوصفة العملية باتجاه تهذيب النفس وتطهير القلب والسير نحو الكمال أما الثالث فيتعلق بالآثار والنتائج التي يمنّ الله تبارك وتعالى بها على عباده الصالحين.

ويراد بالتخلية: تطهير النفس من الرذائل والأغلال والآصار التي تنشأ من إتباع الهوى والنفس الأمارة بالسوء وتسويلات شياطين الجن والإنس، أما التجلية فيراد بها تعويد النفس على الفضائل وانطواء القلب على معاني الخير وسعي الجوارح للأعمال الصالحة التي ذكرها علماء الأخلاق وبعض هذه الأمور ملزمة كفعل الواجبات وترك المحرمات، وبعضها راجحة كفعل المستحبات وترك المكروهات.

وهذه الخطوة في الجواب وإن كانت مختصرة أيضاً إلا أنها وضعت ما يسمونه بـ (خارطة الطريق)  التي يضعها كل باحث –وأولاهم الباحث عن الحقيقة والكمال- لتكون دليلاً له في مسيرته نحو الحق.

ولسنا الآن بصدد بيان التفاصيل إلا أنني قدمت هذه المقدمة العامة لأصل إلى تشخيص حالة لدى الشباب الرسالي تدخل في باب التخلية فيجب نبذها واجتنابها والتخلي عنها، ذلك أننا لما أثنينا على ثقافة ووعي الرساليين وأهليتهم ليكون لهم دور ريادي في بعض مؤسسات المشروع الرسالي لإعطائهم زخما له و ليشعروا بالثقة بأنفسهم وأنهم قادرون على أن يكونوا جزءاً منه وليسوا مجرد أرقام لتكثير السواد لأننا نرى فيهم فعلاً القدرة على ذلك ولتحقيق عدة أهداف:

1- توفير فرصة العمل الرسالي لهم من خلال مؤسسات المشروع.

2- إبراز طاقاتهم وإمكانياتهم وتطويرها من خلال الممارسة وتحمّل المسؤولية.

3- إعطاء المشروع الرسالي زخماً بإشراك هذه الطاقات وعدم الاقتصار على فضلاء وطلبة الحوزة العلمية كما هو المعروف تقليدياً.

4- ملء مساحات العمل الرسالي الواسعة بسعة التحديات والمسؤوليات والأهداف مما لا تستطيع شريحة معينة شغلها لوحدها.

وقد تحققت الكثير من هذه النتائج بفضل الله تبارك وتعالى، لكن الذي حصل أن جملة من هؤلاء الشباب تعاظمت لديه الثقة بالنفس حتى بلغ حد الغرور والتعالي وعدم الإنصات للآخرين، وربما بلغ الغرور ببعضهم أن تعالى عن فضلاء الحوزة العلمية وطلبتها ويرى نفسه أفضل منهم فلا يرجع إليهم وربما لا يصلي خلفهم  ويجعل نفسه قيّماً عليهم وحسيباً عليهم وهو بذلك يضع نفسه على حافة الهاوية، لأن العلماء ومن يأخذ منهم من طلبة العلم هم الأدِلاء على الخير، وإن مساحات من العلم والعمل الصالح لا يعرفها غيرهم ولا يهتدي إليها إلا من خلالهم لأنه لم يأخذ من المعين الذي نهلوا منه، وإن جملة من الوظائف الدينية المقدسة جرى العرف على أن لا يتصدى إليها إلا من درس في الحوزة العلمية وأخذ بسيرتها، فالترفع عنهم يعني الحرمان من بركات تلك الوظائف المقدسة، فلا هو استفاد بهذا الابتعاد، ولا الحوزوي يستطيع أن يؤدي دوره إذا لم يجد المناخ المناسب للعمل فيخسر الجميع.

فلا بد أن تحفظ مكانة الحوزة العلمية الشريفة ودورها، وبنفس الوقت طلبنا من الحوزويين أن يطوروا قابلياتهم العلمية والفكرية والاجتماعية ويتكاملوا أخلاقياً ليحافظوا على أهليتهم لممارسة هذا الدور الشريف ويحافظوا على مقامهم وليكون عندهم شيء لا يجده الناس إلا عندهم حتى يقصدوهم لحاجتهم إليهم.

علينا جميعاً أن نعي الحديث (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه فلم يوردها موارد الهلكة) وأنتم تعرفون عدداً ممن شكّكوا وأشكلوا وأساؤوا الظن وتمردوا واغترّوا وتعالوا عن العمل بتوجيهات المرجعية: سقطوا وانحرفوا وفي أحسن الأحوال وصلوا إلى طريق مسدود ولم يعودوا يعرفون ماذا يصنعون فانزووا وتركوا بعض ما عليهم من واجبات تجاه دينهم وأمتهم وأنفسهم، فعادوا يلقون التهم والتشكيك هنا وهناك وربما أشكلوا على المرجعية، مع أنهم هم السبب [وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ]، إذ أن المرجعية امتداد لأهل بيت النبوة الذين وصفهم الدعاء في شعبان بأن (المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق).



([1]) من حديث سماحة الشيخ مع حشد من الزوار الذين قدموا للتهنئة بميلاد صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يوم الخميس 14 شعبان 1430 المصادف 6/8/2009.